يصعب أن تجد عمالاً أو موظفين أو حرفيين غير منضوين في نقابة تأخذ على عاتقها الدفاع عن مصالحهم في الدول الأوروبية والإسكندنافية، علماً أن العمل النقابي ليس جديداً في هذه البلدان. فبعد سنوات طويلة من النضال، تمكّن العمال من الحصول على حقوق كثيرة، منها تحديد ساعات العمل الأسبوعية على ألا تتجاوز 48 ساعة أسبوعياً.
في هذا السياق، تحتلّ هولندا المرتبة الأولى لناحية تحديد ساعات العمل الأسبوعية بـ 29 ساعة كمعدل وسطي، تليها النرويج والدنمارك بـ 33 ساعة عمل أسبوعياً. وعلى الرغم من أن الدول الإسكندنافية تعد من أكثر الدول تقدماً لناحية تأمين حقوق العمال، إلا أن القانون حدّد ساعات العمل الأسبوعية في السويد بـ 40 ساعة، وما زال النقاش مستمراً بين النقابات والقطاعين الخاص والعام.
وعادةً ما يقارن العمال الإسكندنافيون والهولنديون بين الحقوق التي نجحوا في تحصيلها، وبين معاناة العمال الآسيويين في كوريا الجنوبية، وغيرهم في المكسيك أو اليونان. وخلال سنوات طويلة من العمل على نيل الحقوق منذ عام 1920، حققت دول الشمال قفزات كبيرة في هذا المجال، فضلاً عن تحقيق المساواة بين الجنسين في الدخل وفرص التوظيف.
في السويد والدنمارك، تجتمعُ النقابات وتضغط بهدف فرض قوانين معينة على الدولة، كقانون تحديد سقف ساعات العمل والرواتب والتعليم والتدريب وسياسات التعويض وبدل البطالة ونهاية الخدمة وغيرها. وتعد الدنمارك إحدى الدول الغربية التي لا يوجد فيها تحديد سقف للأجور أو ما يسمى "النموذج الدنماركي" الذي بدأ العمل به منذ عام 1899، ويعتمد بشكل أساسي على التفاوض بين أرباب العمال لتحديد سقف موحد للأجور.
في السياق، يقول أحد عمال سكك الحديد جون سورنس لـ "العربي الجديد" إنه "حين يحصل اتفاق بعد مفاوضات بين الطرفين، فأنت تعرف بأن هناك من يدافع عن حقوقك. لكن في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في القطاعات الخاصة كالبناء على سبيل المثال، يجري استغلال اليد العاملة الأوروبية الشرقية غير المنظمة".
من جهته، يستيقظ المشرف على البناء في إحدى شركات البناء محمد الفا في الخامسة والنصف صباحا ليبدأ عمله. بدأ العمل قبل تسع سنوات، وتدرّج من عامل بناء إلى مشرف، وهو عضو في إحدى النقابات. يقول لـ "العربي الجديد": أستطيع أن أفهم الآن أهمية النضال العمالي والحقوق التي اكتسبناها. قبل فترة، توقفت عن العمل مدة شهرين من دون أن أخسر راتبي".
ما قاله الفا يسري على معظم العمال الاسكندنافيين، وإن باستثناءات قليلة في السويد.
من جهته، يقول العامل والنقابي نيلس الياسن لـ "العربي الجديد" إنني "أعمل على التنسيق بين زملائي الذين انتخبوني ممثلاً عنهم وبين أصحاب العمل. نحاول الحفاظ على التأمين الاجتماعي، والمطالبة بالمزيد كي نحافظ على نظام الرفاهية الذي بنيناه جيلاً بعد جيل".
من جهته، يرى المواطن ستين سفينسون أن العمال لا يمتعضون من الضرائب، وخصوصاً إذا كانوا يحصلون على خدمات في المقابل كما يجب. يقول: "صحيح أننا ندفع ضريبة كبيرة، لكننا نحصل في الوقت نفسه على خدمات اجتماعية". يضيف أن "ما يجعل نظامنا فريداً من نوعه هو الحصول على طبابة مجانية وتعليم مجاني، بالإضافة إلى بدل مادي لتسديد إيجار المنزل".
حقوقٌ يضاف إليها، بحسب المربية بيرغيتا يابسن، قضية المساواة في الرواتب والتأمينات الاجتماعية بين الرجال والنساء. تلفت إلى أن "العمل النقابي ساهم في إقرار هذه القوانين". وكما يفرض القانون المساواة بين الجنسين، يعتبر سائق الباص عبدي محمد (صومالي الأصل) أنه "يستحيل أن أتعرض للتمييز حتى لو رغب البعض. حقوقي مكفولة ما دمت أؤدي عملي وأدفع الضرائب كما هو مطلوب. في هذه البلاد يقوم كل شيء على النظام الذي يحترم جهد العامل".
يشكو بعض عمال السويد في قطاع البناء من استغلال الشركات للأيدي العاملة المهاجرة من أوروبا الشرقية، وتشغيلها بأجور متدنية. ويقول يوهان فايمان من استوكهولم إن "عمال السويد حققوا الكثير، لكن النظام بدأ يخصخص أموراً عدة". ويرى أن أهم ما حققته الحركة العمالية يتمثل في "نظام الرفاهية والتأمين الاجتماعي".
ويرى كثير من الشباب، ولاسيما الخريجون الجدد، أن نظام سوق العمل الاسكندنافي جيد. بعد التخرج، يحق للشخص الحصول على راتب ريثما يجد عملا، علماً أن نسبة العاطلين عن العمل تزداد بين الشباب في السويد. لذلك، يعد صندوق البطالة أحد أهم إنجازات العمال.