23 ابريل 2017
عندما تتجّه بنغلاديش نحو إيران
قد تبدو بنغلاديش دولة قليلة الأهمية من الناحية الجيوستراتيجية بالنسبة للعالم العربي، خصوصاً دول الخليج. لكن الحقيقة أنها تُمثّل مكاناً خصبا لتوسع داعش، وتجنيده مقاتلين جدداً، كما أنها تتقرب أكثر فأكثر من إيران على جميع المستويات: السياسية، والاقتصادية، والاستراتيجية. فخلال السبع سنوات الأخيرة، اختارت العاصمة دكّا أن تتخلى عن علاقاتها مع باكستان، في مقابل تطوير علاقاتها مع الهند وإيران بشكل كبير. وطبعاً، ليست بنغلاديش طرفاً في التحالف الدولي الذي تقوده السعودية ضد الإرهاب الدولي، لكنها تبقى مُصدّرا مهمّا لليد العاملة الرخيصة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، مستفيدة بذلك من العرب بدون مقابل كبير.
أما خطابها الرسمي، فدكّا تدّعي الحياد فيما يتعلق بالتوتر القائم بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، لكن علاقات رئيسة الحكومة، حسينة واجد، مع نظرائها في طهران أضحت أكثر وُدّا من أي دولة أخرى في الوطن العربي، فالعلاقات التجارية بين البلدين عرفت تطوراً ملحوظاً بين 2005 و 2013 بسنبة 36%. كما أن الصادرات نحو إيران عرفت أيضاً تطوراً كبيراً انتقل من 38.09 مليون دولار إلى 75.41 مليون دولار في الفترة نفسها، ما يجعل من هذه النسبة المئوية (أي 98%) أضخم النسب في السنوات الثماني الأخيرة.
وترى إيران في بنغلاديش، ذات القيادة العلمانية، حليفاً استراتيجياً واقتصادياً. فمن ناحية، يمكن لطهران أن تتباهى بضمّ أمة سُنية كبيرة إليها. ومن ناحية أخرى، يمكنها الاستفادة من المزايا الاقتصادية التي تقدمها بنغلاديش، من خلال الاستثمار في بنيتها التحتية المتهالكة، واحتياطاتها الطاقية غير المستكشفة، وحتى من الخدمات التي تتم من خارج الحدود (off-shore). ومعروف أن إيران والهند بدأتا تعملان فريقاً واحداً منذ مدة ليست قريبة، فالهند استخدمت، ولا زالت، حكومة رابطة عوامي للهجوم على باكستان التي تبقى حليفا مخلصا للسعودية على الرغم أنف إيران.
لم تدر بنغلاديش ظهرها إلى العرب فقط، فهي لم تمد يد المساعدة قط إلى الأقليات المسلمة التي تعيش بالقرب منها، فقد رفضت أن تستقبل اللاجئين المسلمين من ميانمار الفارّين من القتل الجماعي الذي يمارسه عليهم بعض الرّهبان البوذيون. وقد أبانت تايلاند عن تعاطفها مع هذه الفئة أكثر من 156 مليون عضواً قوياً في منظمة التعاون الإسلامي.
ولكي نفهم أكثر سياسات بنغلاديش الحالية، من المهم النظر إلى قيادتها وسياستها الداخلية. فحسينة واجد، رئيسة الوزراء، واحدة من أخوات الشيخ مجيب الرحمن الذي قاتل ضد باكستان بدعم من الهند وروسيا، من أجل تأسيس بنغلادش سنة 1971. وفي 15 أغسطس/ آب 1975 وعلى إثر انقلابٍ، قُتل مهندس استقلال باكستان، الشيخ مجيب الرحمن وغالبية أفراد عائلته، ما عدا حسينة واجد وأختها الشيخة ريحانة اللتين كانتا في الخارج حينها. وقد قضيتا بعد ذلك سنوات طويلة من النفي في الهند، حيث استمرت حسينة في مزاولة السياسة هناك حتى سنة 1981 قبل رجوعها إلى دكّا.
ولذلك، فإن صداقتها، وحنينها، وامتنانها للهند يأثرون بشكل كبير على قراراتها السياسية كرئيسة وزراء منذ 2009. ويرى نقادها أنها أكثر شراسةً وانتقاما من أبيها. وقد أبانت عن ذلك في غير مرة، فعشية زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للبنغلاديش في يونيو/ حزيران الماضي، كافأت حسينة واجد الهند بتوقيعها على اتفاقية للحدود مثيرة للجدل، وكذلك على اتفاقيات أخرى، متعلقة بالتعاون التجاري. وفي تجاهل تام لمصلحة البلد، دعمت الموقف الهندي حول النزاع الحدودي بإهدائها امتيازاً اقتصاديا لدلهي، تمثُّل في السماح لها باستخدام الأراضي البنغالية لنقل البضائع إلى ولاياتها السبع المضطربة في شمال شرق البلاد.
وفي انتخابات ديسمبر/ كانون أول العامة سنة 2008، فاز حزبها العلماني، رابطة عوامي، بثلثي الأغلبية. وعلى الرغم من هذا الفوز، فإنها حظرت منافسها السياسي، الرابطة الإسلامية، والتي تعتبر منظمة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في جنوب آسيا. وفي المقابل ، أوجدت الظروف المواتية لمنافسهم الرئيسي، حزب بنغلادش القومي، من أجل مقاطعة انتخابات 2014 العامة.
استخدمت حسينة جميع الوسائل المتاحة تحت إمرتها، وقامت بتزوير الانتخابات، وتولّت مهامّ الرئاسة، وقطعت وعداً بإطاحة بخصومها السياسيين، من أمثال حزب بنغلاديش القومي والرابطة الإسلامية. ووفاء بوعدها، بدأت فعلا عملية مثيرة للجدل، بهدف تسوية الحسابات مع معارضي حرب التحرير سنة 1971، الذين هم، في الغالب، مواطنون باكستانيون ينتمون إلى الفرع الإقليمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وقد أنهت لجنة تقصي جرائم الحرب، المكلًّفة بالتحقيق والعثور على الأدلة، تقريرها في سنة 2008، وكشف عن 1600 مشتبه بهم. وبدلاً من اللجوء إلى محكمة دولية، أنشأت حسينة واحدة لنفسها في عام 2009. وسمّت اللجنة القضائية المحلية محكمة الجرائم الدولية، في حين أن اللجنة كانت مكلفة بالتحقيق في قضايا متعلقة بمواطنين بنغاليين فقط. ومن المحكوم عليهم بالإعدام حتى الآن، نجد منتمين إلى الرابطة الإسلامية، مثل عبيد الحق، عطاء الرحمن، علي إحسان محمد مجاهد، ثم صلاح الدين قويدر تشودري الذي ينتسب إلى الحزب القومي، والذين هم عدد قليل من القادة البارزين الذين تم إعدامهم شنقا بسبب دعمهم باكستان في عام 1971 خلال حرب الاستقلال. وتم قُتل أكثر من 500 شخص، في إطار ما يسمى العنف السياسي في السنوات الثلاث الماضية. وقد شككت منظمات حقوق الإنسان في شفافية ما سميت محاكمات جرائم الحرب ونزاهتها.
وبفتحها صندوق باندورا لحرب الاستقلال سنة 1971، تنتهك السيدة البنغالية الأولى الاتفاق الثلاثي الموقع بين إسلام أباد ونيودلهي ودكا في 9 إبريل/ نيسان سنة 1974. وقد قالت إنها رفضت المحاولات الباكستانية لتطبيع العلاقة، بما في ذلك الاعتذارات والندم الذي أبداه الحاكم الباكستاني، الجنرال برويز مشرف، عن الفظائع التي ارتكبت في عام 1971. كما انتقد قادة حزبها علناً باكستان والدول العربية، لعرقلة إقامة بنغلاديش، ودعم "التطرف الإسلامي".
ومن وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي، ليست بنغلادش محصّنة لإيواء "داعش" بسبب سياسة حسينة واجد، لإدامة قبضتها على السلطة، واستبعاد الإسلاميين من العملية الديمقراطية. وإلى جانب نظام علماني استبدادي ومتشدد، ويحكم سكاناً أكثرهم من المسلمين المحافظين، فإن مؤسسات الدولة تزداد فساداً، وعصابات المافيا تزدهر، ويتم هذا، في أحيانٍ كثيرة، تحت جناحي الحزب الحاكم، أو داخل الطوائف المعزولة. في حين لا يملك القضاء، ولا البرلمان، القدرة على تمرير توصياتهم الرسمية، إلا بعد إملاءات رئيسة الوزراء. وقد تحملت داعش، على مدى الأشهر الستة الماضية، مسؤولية خمس هجمات دامية ضد بعض الأقليات، إضافة إلى قتلهم مواطنتين إيطالية ويابانية. وقد نفت رئيسة الوزراء وجود أتباع أبو بكر البغدادي، وألقت اللوم على خصومها السياسيين عن الجرائم البشعة التي ارتُكبت.
تقود هذه المرأة الحقودة والقومية المتطرفة بلدها بعيدا عن باكستان وعن العالم العربي، لكنها، في الوقت نفسه، تعطي فرصة كبيرة لإيران، من أجل توطيد قدمها جغرافياً. أما باكستان فستبقى متمسكةً بحلفائها العرب، وستبقى كذلك بمثابة الحاجز الأخير لإيران، في الوصول إلى الهند، وما حولها من خلال أي ممر بري.
أما خطابها الرسمي، فدكّا تدّعي الحياد فيما يتعلق بالتوتر القائم بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، لكن علاقات رئيسة الحكومة، حسينة واجد، مع نظرائها في طهران أضحت أكثر وُدّا من أي دولة أخرى في الوطن العربي، فالعلاقات التجارية بين البلدين عرفت تطوراً ملحوظاً بين 2005 و 2013 بسنبة 36%. كما أن الصادرات نحو إيران عرفت أيضاً تطوراً كبيراً انتقل من 38.09 مليون دولار إلى 75.41 مليون دولار في الفترة نفسها، ما يجعل من هذه النسبة المئوية (أي 98%) أضخم النسب في السنوات الثماني الأخيرة.
وترى إيران في بنغلاديش، ذات القيادة العلمانية، حليفاً استراتيجياً واقتصادياً. فمن ناحية، يمكن لطهران أن تتباهى بضمّ أمة سُنية كبيرة إليها. ومن ناحية أخرى، يمكنها الاستفادة من المزايا الاقتصادية التي تقدمها بنغلاديش، من خلال الاستثمار في بنيتها التحتية المتهالكة، واحتياطاتها الطاقية غير المستكشفة، وحتى من الخدمات التي تتم من خارج الحدود (off-shore). ومعروف أن إيران والهند بدأتا تعملان فريقاً واحداً منذ مدة ليست قريبة، فالهند استخدمت، ولا زالت، حكومة رابطة عوامي للهجوم على باكستان التي تبقى حليفا مخلصا للسعودية على الرغم أنف إيران.
لم تدر بنغلاديش ظهرها إلى العرب فقط، فهي لم تمد يد المساعدة قط إلى الأقليات المسلمة التي تعيش بالقرب منها، فقد رفضت أن تستقبل اللاجئين المسلمين من ميانمار الفارّين من القتل الجماعي الذي يمارسه عليهم بعض الرّهبان البوذيون. وقد أبانت تايلاند عن تعاطفها مع هذه الفئة أكثر من 156 مليون عضواً قوياً في منظمة التعاون الإسلامي.
ولكي نفهم أكثر سياسات بنغلاديش الحالية، من المهم النظر إلى قيادتها وسياستها الداخلية. فحسينة واجد، رئيسة الوزراء، واحدة من أخوات الشيخ مجيب الرحمن الذي قاتل ضد باكستان بدعم من الهند وروسيا، من أجل تأسيس بنغلادش سنة 1971. وفي 15 أغسطس/ آب 1975 وعلى إثر انقلابٍ، قُتل مهندس استقلال باكستان، الشيخ مجيب الرحمن وغالبية أفراد عائلته، ما عدا حسينة واجد وأختها الشيخة ريحانة اللتين كانتا في الخارج حينها. وقد قضيتا بعد ذلك سنوات طويلة من النفي في الهند، حيث استمرت حسينة في مزاولة السياسة هناك حتى سنة 1981 قبل رجوعها إلى دكّا.
ولذلك، فإن صداقتها، وحنينها، وامتنانها للهند يأثرون بشكل كبير على قراراتها السياسية كرئيسة وزراء منذ 2009. ويرى نقادها أنها أكثر شراسةً وانتقاما من أبيها. وقد أبانت عن ذلك في غير مرة، فعشية زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للبنغلاديش في يونيو/ حزيران الماضي، كافأت حسينة واجد الهند بتوقيعها على اتفاقية للحدود مثيرة للجدل، وكذلك على اتفاقيات أخرى، متعلقة بالتعاون التجاري. وفي تجاهل تام لمصلحة البلد، دعمت الموقف الهندي حول النزاع الحدودي بإهدائها امتيازاً اقتصاديا لدلهي، تمثُّل في السماح لها باستخدام الأراضي البنغالية لنقل البضائع إلى ولاياتها السبع المضطربة في شمال شرق البلاد.
وفي انتخابات ديسمبر/ كانون أول العامة سنة 2008، فاز حزبها العلماني، رابطة عوامي، بثلثي الأغلبية. وعلى الرغم من هذا الفوز، فإنها حظرت منافسها السياسي، الرابطة الإسلامية، والتي تعتبر منظمة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في جنوب آسيا. وفي المقابل ، أوجدت الظروف المواتية لمنافسهم الرئيسي، حزب بنغلادش القومي، من أجل مقاطعة انتخابات 2014 العامة.
استخدمت حسينة جميع الوسائل المتاحة تحت إمرتها، وقامت بتزوير الانتخابات، وتولّت مهامّ الرئاسة، وقطعت وعداً بإطاحة بخصومها السياسيين، من أمثال حزب بنغلاديش القومي والرابطة الإسلامية. ووفاء بوعدها، بدأت فعلا عملية مثيرة للجدل، بهدف تسوية الحسابات مع معارضي حرب التحرير سنة 1971، الذين هم، في الغالب، مواطنون باكستانيون ينتمون إلى الفرع الإقليمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وقد أنهت لجنة تقصي جرائم الحرب، المكلًّفة بالتحقيق والعثور على الأدلة، تقريرها في سنة 2008، وكشف عن 1600 مشتبه بهم. وبدلاً من اللجوء إلى محكمة دولية، أنشأت حسينة واحدة لنفسها في عام 2009. وسمّت اللجنة القضائية المحلية محكمة الجرائم الدولية، في حين أن اللجنة كانت مكلفة بالتحقيق في قضايا متعلقة بمواطنين بنغاليين فقط. ومن المحكوم عليهم بالإعدام حتى الآن، نجد منتمين إلى الرابطة الإسلامية، مثل عبيد الحق، عطاء الرحمن، علي إحسان محمد مجاهد، ثم صلاح الدين قويدر تشودري الذي ينتسب إلى الحزب القومي، والذين هم عدد قليل من القادة البارزين الذين تم إعدامهم شنقا بسبب دعمهم باكستان في عام 1971 خلال حرب الاستقلال. وتم قُتل أكثر من 500 شخص، في إطار ما يسمى العنف السياسي في السنوات الثلاث الماضية. وقد شككت منظمات حقوق الإنسان في شفافية ما سميت محاكمات جرائم الحرب ونزاهتها.
وبفتحها صندوق باندورا لحرب الاستقلال سنة 1971، تنتهك السيدة البنغالية الأولى الاتفاق الثلاثي الموقع بين إسلام أباد ونيودلهي ودكا في 9 إبريل/ نيسان سنة 1974. وقد قالت إنها رفضت المحاولات الباكستانية لتطبيع العلاقة، بما في ذلك الاعتذارات والندم الذي أبداه الحاكم الباكستاني، الجنرال برويز مشرف، عن الفظائع التي ارتكبت في عام 1971. كما انتقد قادة حزبها علناً باكستان والدول العربية، لعرقلة إقامة بنغلاديش، ودعم "التطرف الإسلامي".
ومن وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي، ليست بنغلادش محصّنة لإيواء "داعش" بسبب سياسة حسينة واجد، لإدامة قبضتها على السلطة، واستبعاد الإسلاميين من العملية الديمقراطية. وإلى جانب نظام علماني استبدادي ومتشدد، ويحكم سكاناً أكثرهم من المسلمين المحافظين، فإن مؤسسات الدولة تزداد فساداً، وعصابات المافيا تزدهر، ويتم هذا، في أحيانٍ كثيرة، تحت جناحي الحزب الحاكم، أو داخل الطوائف المعزولة. في حين لا يملك القضاء، ولا البرلمان، القدرة على تمرير توصياتهم الرسمية، إلا بعد إملاءات رئيسة الوزراء. وقد تحملت داعش، على مدى الأشهر الستة الماضية، مسؤولية خمس هجمات دامية ضد بعض الأقليات، إضافة إلى قتلهم مواطنتين إيطالية ويابانية. وقد نفت رئيسة الوزراء وجود أتباع أبو بكر البغدادي، وألقت اللوم على خصومها السياسيين عن الجرائم البشعة التي ارتُكبت.
تقود هذه المرأة الحقودة والقومية المتطرفة بلدها بعيدا عن باكستان وعن العالم العربي، لكنها، في الوقت نفسه، تعطي فرصة كبيرة لإيران، من أجل توطيد قدمها جغرافياً. أما باكستان فستبقى متمسكةً بحلفائها العرب، وستبقى كذلك بمثابة الحاجز الأخير لإيران، في الوصول إلى الهند، وما حولها من خلال أي ممر بري.