20 أكتوبر 2024
عندما تتغلب الشعبوية على المنطق السياسي
الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستعصية التي يمرّ فيها لبنان حالياً، أيقظت من جديد العصبيات الطائفية والخطاب الشعبوي الذي يتغذّى من تأجيج مخاوف الأقليات على وجودها، ويغذّي خطاب الكراهية ضد كل ما هو غير لبناني. ومن أهم الانعكاسات لهذا الخطاب الذي سيطر أخيراً على اللغة السياسية اللبنانية، الجدل الكبير الذي أثاره قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان بشأن تنظيم عمل غير اللبنانيين، وردود الفعل العنيفة من الفلسطينيين في لبنان على التدابير الجائرة التي اتخذتها في حقهم وزارة العمل اللبنانية، ضمن حملتها لتنظيم عمل غير اللبنانيين التي تستهدف، في الأساس، عمل السوريين، ولكن العمال الفلسطينيين دفعوا ثمنها، نتيجة جهل وزير العمل بالخصوصية التي يمتاز بها العمال الفلسطينيون المقيمون في لبنان، وبالتعديلات التي أدخلت على القوانين التي تنظم عملهم. كيف يمكن لتدبير إداري أن يتحول إلى مشكلة تكاد تطيح السلم الأهلي، وتؤدي إلى انتفاضة فلسطينية ضد قرار وزير العمل؟
يتجاوز ما جرى في الأيام الماضية جهل وزير العمل (مقصوداً كان أو غير مقصود) بتعديلات قوانين العمل المطبقة على الفلسطينيين، وهو يعكس صورة قاتمة عن الاستقرار
السياسي والاجتماعي الهشّ في لبنان الذي يقف، في هذه الأيام، على شفير الهاوية.
بعد التحريض الرسمي اللبناني الذي قام به وزير الخارجية جبران باسيل، ضد وجود السوريين في لبنان، ودعوته إلى منعهم من العمل، وبعد إقدام بلديات لبنانية على فرض قيود على تنقل اللاجئين السوريين، بعد ساعات معينة من الليل، وبعد هدم الجيش اللبناني مباني بناها اللاجئون السوريون في بعض المخيمات، ها نحن نشهد حملة جديدة من التحريض ضد الفلسطينيين في لبنان، أحد دوافعها تدابير وزير العمل الذي يمثل حزب القوات اللبنانية في الحكومة، وهو حزب معروف بتاريخه الدموي العنيف ضد الفلسطينيين في لبنان في سنوات الحرب الأهلية.
ولكن للحملة على عمل الفلسطينيين أخيراً أيضاً سبب ضمني، هو سعي حزب القوات اللبنانية، من خلال تطبيقه قانون تنظيم عمل الفلسطينيين في لبنان، إلى إظهار نفسه حزباً يدافع عن حق اللبنانيين في العمل في بلدهم، وسرقة الأضواء من حزب التيار العوني الذي يتزعم الحملة على عمل السوريين في لبنان. وهكذا نشهد تنافساً بين أهم تيارين سياسيين يمثلان المسيحيين في لبنان على من هو الحزب الأكثر دفاعاً عن حقوق المسيحيين، وكما لو أن سبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان هو عمل السوريين والفلسطينيين، وليس فشل الأداء السياسي لهذا الحكم، بقيادته السياسية الحالية.
ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فقد استغلّت الأطراف السياسية اللبنانية المناوئة لحزب القوات اللبنانية الذي ينتمي إليه وزير العمل، الاحتجاج الفلسطيني لشنّ حملة شعواء ضد هذا الحزب وزعيمه سمير جعجع، ولإيقاظ الخصوم القديمة التي ظن اللبنانيون أنها ولّت إلى غير رجعة، في محاولة واضحة لمحاصرة الحزب وإضعافه ضمن الصراع على القوة السياسية في البلد.
يجري هذا كله بينما يغرق المواطن اللبناني، يوماً بعد يوم، تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، سببها الأساسي تضاؤل فرص العمل وخصوصاً وسط للشباب، وتراجع مداخيل اللبنانيين من
الأموال التي كان يضخها اللبنانيون الذين يعملون في الخارج، ولا سيما في دول الخليج، بعد أن اضطر كثيرون منهم إلى العودة إلى لبنان. يضاف إليها غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة، والفساد المستشري في لبنان، والتوظيف العشوائي، والزبائنية، واستغلال النفوذ للقيام بعمليات تهريب غير شرعية تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة. يضاف إلى ذلك عبء مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان، الذي بدأت تشيع مخاوف لدى اللبناني من أن يتحول اللجوء السوري المؤقت إلى لبنان إلى لجوء دائم، يشبه لجوء الفلسطينيين إلى لبنان في منتصف القرن الماضي.
الخطاب الشعبوي وكراهية الغريب، الذي يحاول زعماء سياسيون مسيحيون بواسطته شدّ عصب أبناء طائفتهم من حولهم، ما هو إلا أداة لصرف نظر المواطن اللبناني العادي عن جوهر المشكلة وجذورها، ومحاولة لإخفاء فشل هذه الزعامات في تحقيق الوعود التي قطعتها لناخبيها بالإصلاح وتحسين مستوى المعيشة، وتأمين فرص عمل جديدة للشباب. أما الآن، وقد وضع وزير العمل قراره في عهدة الحكومة، وهذه صيغة ملطفة لسحبه من التداول، هل ستتمكن القيادة السياسية لهذا البلد من ترميم العطب الذي لحق بنسيج العلاقات الفلسطينية - اللبنانية التي يشوبها كثير من الشكوك وعدم الثقة؟ وهل سينجح ذلك في لجم حملات التحريض التي تقوم بها جهات سياسية مختلفة ضد عمل غير اللبنانيين لمآرب حزبية فئوية ضيقة، لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية اللبنانية؟
بعد التحريض الرسمي اللبناني الذي قام به وزير الخارجية جبران باسيل، ضد وجود السوريين في لبنان، ودعوته إلى منعهم من العمل، وبعد إقدام بلديات لبنانية على فرض قيود على تنقل اللاجئين السوريين، بعد ساعات معينة من الليل، وبعد هدم الجيش اللبناني مباني بناها اللاجئون السوريون في بعض المخيمات، ها نحن نشهد حملة جديدة من التحريض ضد الفلسطينيين في لبنان، أحد دوافعها تدابير وزير العمل الذي يمثل حزب القوات اللبنانية في الحكومة، وهو حزب معروف بتاريخه الدموي العنيف ضد الفلسطينيين في لبنان في سنوات الحرب الأهلية.
ولكن للحملة على عمل الفلسطينيين أخيراً أيضاً سبب ضمني، هو سعي حزب القوات اللبنانية، من خلال تطبيقه قانون تنظيم عمل الفلسطينيين في لبنان، إلى إظهار نفسه حزباً يدافع عن حق اللبنانيين في العمل في بلدهم، وسرقة الأضواء من حزب التيار العوني الذي يتزعم الحملة على عمل السوريين في لبنان. وهكذا نشهد تنافساً بين أهم تيارين سياسيين يمثلان المسيحيين في لبنان على من هو الحزب الأكثر دفاعاً عن حقوق المسيحيين، وكما لو أن سبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان هو عمل السوريين والفلسطينيين، وليس فشل الأداء السياسي لهذا الحكم، بقيادته السياسية الحالية.
ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فقد استغلّت الأطراف السياسية اللبنانية المناوئة لحزب القوات اللبنانية الذي ينتمي إليه وزير العمل، الاحتجاج الفلسطيني لشنّ حملة شعواء ضد هذا الحزب وزعيمه سمير جعجع، ولإيقاظ الخصوم القديمة التي ظن اللبنانيون أنها ولّت إلى غير رجعة، في محاولة واضحة لمحاصرة الحزب وإضعافه ضمن الصراع على القوة السياسية في البلد.
يجري هذا كله بينما يغرق المواطن اللبناني، يوماً بعد يوم، تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، سببها الأساسي تضاؤل فرص العمل وخصوصاً وسط للشباب، وتراجع مداخيل اللبنانيين من
الخطاب الشعبوي وكراهية الغريب، الذي يحاول زعماء سياسيون مسيحيون بواسطته شدّ عصب أبناء طائفتهم من حولهم، ما هو إلا أداة لصرف نظر المواطن اللبناني العادي عن جوهر المشكلة وجذورها، ومحاولة لإخفاء فشل هذه الزعامات في تحقيق الوعود التي قطعتها لناخبيها بالإصلاح وتحسين مستوى المعيشة، وتأمين فرص عمل جديدة للشباب. أما الآن، وقد وضع وزير العمل قراره في عهدة الحكومة، وهذه صيغة ملطفة لسحبه من التداول، هل ستتمكن القيادة السياسية لهذا البلد من ترميم العطب الذي لحق بنسيج العلاقات الفلسطينية - اللبنانية التي يشوبها كثير من الشكوك وعدم الثقة؟ وهل سينجح ذلك في لجم حملات التحريض التي تقوم بها جهات سياسية مختلفة ضد عمل غير اللبنانيين لمآرب حزبية فئوية ضيقة، لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية اللبنانية؟
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024