19 أكتوبر 2019
عندما يتقدم الشرق الأوسط الإنفاق العسكري العالمي
يشير التقرير الصادر، يوم 2 مايو/ أيار الجاري، عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى استقرار الإنفاق العسكري العالمي، حيث بلغ 1739 مليار دولار، أي بزيادة هامشية تقدر بـ 1،1% مقارنة بعام 2016. وكالعادة، في السنوات الأخيرة، يعود ارتفاعه إلى نفقات دول آسيا والشرق الأوسط، سيما الصين والهند والسعودية. ويمكن استخلاص ستة عناصر من التقرير.
أولها، تأكيد انتقال ثقل الإنفاق العسكري العالمي من المنطقة الأورو- أطلسية إلى آسيا، بسبب نفقات الصين والهند من جهة، ونفقات بعض دول الشرق الأوسط من جهة أخرى. ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى التوافق بين منحى التطور الاقتصادي ونسبة النمور من جهة والإنفاق العسكري من جهة ثانية في الحالتين الصينية والهندية، بينما ليس الأمر كذلك في حالة دول الشرق الأوسط مثل السعودية. ويثير الانتقال في مركز ثقل الإنفاق العسكري العالمي نحو آسيا مخاوف أوساط غربية، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تنجح إلى الآن في دفع حلفائها الأوروبيين إلى رفع نفقاتهم العسكرية، على الرغم من اتفاق الجميع على ضرورة ذلك في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو). إذ لا يخلو أي إعلان لقمة أطلسية منذ أكثر من عقد من التشديد على ضرورة رفع الإنفاق العسكري. لكن تبقى نفقات الدول ال 29 في الحلف تمثل 52% من الإنفاق العسكري العالمي. وبلغت نفقات الحلف 900 مليار دولار في 2017. ويمكن تفسير حجم إنفاقه أيضاً بارتفاع نفقات دول أوروبا الشرقية والوسطى، بسبب مدركاتها للتهديد الروسي.
ثانيها، تبقى الولايات المتحدة القوة الأكثر إنفاقاً، ولا مجال لمنافستها نظراً للفارق الهائل بين
إنفاقها وإنفاق الدول الأخرى، فنفقاتها بلغت 620 مليار دولار في 2017، فهي أنفقت أكثر من الدول السبع الأكثر إنفاقاً في العالم (الصين، السعودية، روسيا، الهند..). ولم تتغير نفقاتها العسكرية في 2016 و2017. وهذا ما يعني توقف الانخفاض التدريجي الذي عرفته ميزانيتها منذ 2010، ومن المتوقع أن ترتفع في 2018.
ثالثها، ارتفاع النفقات العسكرية للصين، ثاني ميزانية عسكرية في العالم، بنسبة 5،6% لتصل إلى 228 مليار دولار في 2017. وبذلك تمثل نفقاتها 13% من الإنفاق العسكري العالمي في العام نفسه، مقابل 5،8% فقط في عام 2008. يؤكد هذا الانفاق الاتجاه الثقيل للنفقات العسكرية الصينية التي تشهد ارتفاعاً مستمراً منذ أكثر من عقدين. كما تعرف النفقات الهندية ارتفاعاً مستمراً، حيث بلغت 63،9 مليار في 2017، أي بزيادة تقدر بـ 5،5% مقارنة بعام 2016. ويعود ارتفاع النفقات العسكرية في آسيا إلى حد كبير إلى التوتر بين الصين وجيرانها وإلى التنافس الإقليمي.
رابعها، تعد روسيا القوة العسكرية الوحيدة ضمن القوى الكبرى التي انخفض إنفاقها العسكري في 2017، على الرغم من الأزمتين الأوكرانية والسورية، حيث بلغت 66،3 مليار دولار، أي أنها تراجعت بنسبة 20% مقارنةً بنفقات 2016، وهذا بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعرفها روسيا. وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها الإنفاق العسكري الروسي منذ 1998.
خامسها، ارتفاع نفقات الشرق الأوسط بنسبة 6،2% في 2017، بفعل الإنفاق السعودي الضخم، حيث ارتفعت نفقات السعودية بنسبة 9،2% بعد انخفاضٍ طفيف في 2016، لتبلغ 69،4 مليار دولار. وبهذا تسجل السعودية ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين. أما نفقات إيران والعراق فعرفت هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً، 19% و22% على التوالي. وهنا يُلاحظ الفرق مع روسيا التي تأثر إنفاقها بانخفاض أسعار النفط على الرغم من أزمتي أوكرانيا وسورية، على عكس دول الشرق الأوسط التي زادت نفقاتها بفعل الأزمات الداخلية والإقليمية، على الرغم من تراجع مداخيلها النفطية.
سادسها، لا ينفرد الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بنفقات السعودية الضخمة، بل أيضاً
بكونه يمثل 5،2% من إجمالي الناتج المحلي اللمنطقة، إذ لا توجد أية منطقة أخرى كرست أكثر من 1،8% من إجمالي ناتجها المحلي للإنفاق العسكري. ويبقى الشرق الأوسط حالة استثنائية في خريطة الإنفاق العالم من حيث نسبة الإنفاق من إجمالي الناتج المحلي، فمن أصل 10 دول الأكثر إنفاقاً في العالم، 7 منها شرق أوسطية: عُمان (12%)؛ السعودية (10%)، الكويت (5،8%)، الأردن (4،8%)، إسرائيل (4،7%)، لبنان (4،5%) والبحرين (4،1%).
سابعها، انخفاض نفقات أفريقيا بنسبة 0،5% وللسنة الثالثة على التوالي، بعد أن بلغت نفقاتها أوجها في 2014. لكن الجديد بشأن أفريقيا يخص الجزائر، صاحبة أكبر ميزانية عسكرية في القارة، إذ انخفض إنفاقها العسكري بنسبة 5،2% في 2017 مقارنة بعام 2016، وذلك لأول مرة منذ أكثر من عقد. وبالتالي تكون الجزائر في حالة روسيا نفسها، فعلى الرغم من التوترات الإقليمية في تخومها الجغرافية، فإن صعوباتها الاقتصادية أجبرتها على خفض نفقاتها العسكرية.
مما سبق، يلاحظ أن خريطة الإنفاق العسكري لعام 2017 تشهد بعض المستجدات، أهمها استقرار الإنفاق الأميركي وتراجع النفقات العسكرية الروسية، بينما تواصل النفقات الصينية ارتفاعها. أما على مستوى القوى الإقليمية، فإن المستجدات تتمثل في الارتفاع الكبير للإنفاق السعودي (ثالث ميزانية عسكرية) من جهة، والانخفاض في نفقات الجزائر (أول ميزانية عسكرية في أفريقيا) من جهة أخرى. هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، سبقت الإشارة إليها، وهي حجم الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط الذي يبقى المنطقة الأكثر إنفاقاً في العالم. وهنا مكمن الخلل في إستراتيجيات تسلح دول المنطقة، مثل السعودية، فهذه الدول تكرس نسبة معتبرة من إجمالي ناتجها المحلي لميزانياتها العسكرية، ومنذ سنوات، لكنها لم تحسن وضعها الأمني، وهذا نتيجة المعضلة الأمنية، فكل دولة تتسلح تثير مخاوف الدولة الأخرى التي تتسلح بدورها فيقود هذا التسلح والتسلح المضاد إلى المساس بأمن الدولتين، وهكذا دواليك...
أولها، تأكيد انتقال ثقل الإنفاق العسكري العالمي من المنطقة الأورو- أطلسية إلى آسيا، بسبب نفقات الصين والهند من جهة، ونفقات بعض دول الشرق الأوسط من جهة أخرى. ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى التوافق بين منحى التطور الاقتصادي ونسبة النمور من جهة والإنفاق العسكري من جهة ثانية في الحالتين الصينية والهندية، بينما ليس الأمر كذلك في حالة دول الشرق الأوسط مثل السعودية. ويثير الانتقال في مركز ثقل الإنفاق العسكري العالمي نحو آسيا مخاوف أوساط غربية، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تنجح إلى الآن في دفع حلفائها الأوروبيين إلى رفع نفقاتهم العسكرية، على الرغم من اتفاق الجميع على ضرورة ذلك في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو). إذ لا يخلو أي إعلان لقمة أطلسية منذ أكثر من عقد من التشديد على ضرورة رفع الإنفاق العسكري. لكن تبقى نفقات الدول ال 29 في الحلف تمثل 52% من الإنفاق العسكري العالمي. وبلغت نفقات الحلف 900 مليار دولار في 2017. ويمكن تفسير حجم إنفاقه أيضاً بارتفاع نفقات دول أوروبا الشرقية والوسطى، بسبب مدركاتها للتهديد الروسي.
ثانيها، تبقى الولايات المتحدة القوة الأكثر إنفاقاً، ولا مجال لمنافستها نظراً للفارق الهائل بين
ثالثها، ارتفاع النفقات العسكرية للصين، ثاني ميزانية عسكرية في العالم، بنسبة 5،6% لتصل إلى 228 مليار دولار في 2017. وبذلك تمثل نفقاتها 13% من الإنفاق العسكري العالمي في العام نفسه، مقابل 5،8% فقط في عام 2008. يؤكد هذا الانفاق الاتجاه الثقيل للنفقات العسكرية الصينية التي تشهد ارتفاعاً مستمراً منذ أكثر من عقدين. كما تعرف النفقات الهندية ارتفاعاً مستمراً، حيث بلغت 63،9 مليار في 2017، أي بزيادة تقدر بـ 5،5% مقارنة بعام 2016. ويعود ارتفاع النفقات العسكرية في آسيا إلى حد كبير إلى التوتر بين الصين وجيرانها وإلى التنافس الإقليمي.
رابعها، تعد روسيا القوة العسكرية الوحيدة ضمن القوى الكبرى التي انخفض إنفاقها العسكري في 2017، على الرغم من الأزمتين الأوكرانية والسورية، حيث بلغت 66،3 مليار دولار، أي أنها تراجعت بنسبة 20% مقارنةً بنفقات 2016، وهذا بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعرفها روسيا. وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها الإنفاق العسكري الروسي منذ 1998.
خامسها، ارتفاع نفقات الشرق الأوسط بنسبة 6،2% في 2017، بفعل الإنفاق السعودي الضخم، حيث ارتفعت نفقات السعودية بنسبة 9،2% بعد انخفاضٍ طفيف في 2016، لتبلغ 69،4 مليار دولار. وبهذا تسجل السعودية ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين. أما نفقات إيران والعراق فعرفت هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً، 19% و22% على التوالي. وهنا يُلاحظ الفرق مع روسيا التي تأثر إنفاقها بانخفاض أسعار النفط على الرغم من أزمتي أوكرانيا وسورية، على عكس دول الشرق الأوسط التي زادت نفقاتها بفعل الأزمات الداخلية والإقليمية، على الرغم من تراجع مداخيلها النفطية.
سادسها، لا ينفرد الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بنفقات السعودية الضخمة، بل أيضاً
سابعها، انخفاض نفقات أفريقيا بنسبة 0،5% وللسنة الثالثة على التوالي، بعد أن بلغت نفقاتها أوجها في 2014. لكن الجديد بشأن أفريقيا يخص الجزائر، صاحبة أكبر ميزانية عسكرية في القارة، إذ انخفض إنفاقها العسكري بنسبة 5،2% في 2017 مقارنة بعام 2016، وذلك لأول مرة منذ أكثر من عقد. وبالتالي تكون الجزائر في حالة روسيا نفسها، فعلى الرغم من التوترات الإقليمية في تخومها الجغرافية، فإن صعوباتها الاقتصادية أجبرتها على خفض نفقاتها العسكرية.
مما سبق، يلاحظ أن خريطة الإنفاق العسكري لعام 2017 تشهد بعض المستجدات، أهمها استقرار الإنفاق الأميركي وتراجع النفقات العسكرية الروسية، بينما تواصل النفقات الصينية ارتفاعها. أما على مستوى القوى الإقليمية، فإن المستجدات تتمثل في الارتفاع الكبير للإنفاق السعودي (ثالث ميزانية عسكرية) من جهة، والانخفاض في نفقات الجزائر (أول ميزانية عسكرية في أفريقيا) من جهة أخرى. هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، سبقت الإشارة إليها، وهي حجم الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط الذي يبقى المنطقة الأكثر إنفاقاً في العالم. وهنا مكمن الخلل في إستراتيجيات تسلح دول المنطقة، مثل السعودية، فهذه الدول تكرس نسبة معتبرة من إجمالي ناتجها المحلي لميزانياتها العسكرية، ومنذ سنوات، لكنها لم تحسن وضعها الأمني، وهذا نتيجة المعضلة الأمنية، فكل دولة تتسلح تثير مخاوف الدولة الأخرى التي تتسلح بدورها فيقود هذا التسلح والتسلح المضاد إلى المساس بأمن الدولتين، وهكذا دواليك...