13 نوفمبر 2024
عندما يحيا السياسي حياة معلقة!
يُستعار الوصف أعلاه من عنوان يوميات "رجل يحيا حياة معلقة"، للروائي الكندي – الأميركي، سول بيلو (نوبل للآداب، 1976)، للكتابة عن زعيم حزب الدعوة (العراقي)، نوري المالكي، الذي وصفه أحد المقرّبين منه بأنه "الرقم 1 بين أقطاب العملية السياسية التي تحكم العراق اليوم"، والذي قال عنه الراحل أحمد الجلبي، في إحدى مروياته، إنه قفز فجأة من موظف في هيئة اجتثاث البعث إلى منصب رئيس وزراء في مصادفة مثيرة للجدل (صممها، بحسب مجلة نيويوركر الأميركية، ضابط سي آي أي في سفارة أميركا ببغداد، وحظيت بعناية الملك زاد، اللقب الذي أطلق على الدبلوماسي الأميركي المحنك، زلماي خليل زاد، أحد عرّابي العملية السياسية في العراق). وأنه، أي الجلبي، الذي كان رئيسا للهيئة المذكورة آنذاك هو الذي عينه في الهيئة، بوساطة من صديقه رئيس الوزراء الأسبق، إبراهيم الجعفري. وكان أول ما فعله المالكي، عندما تسنم المنصب المذكور، أن أقصى الجلبي عن رئاسة الهيئة.
ولأن المالكي "ذو شخصية زئبقية"، حسب وصف صحيفة نيويورك تايمز، فهو لا يمكنه البقاء في الظل، مثله مثل "قادة" عديدين صنعتهم الولايات المتحدة، والذين ذاقوا حلاوات السلطة، وعرفوا نعماءها وسرّاءها في مرحلة هجينة من تاريخ العراق. لذلك تجده دائما متوترا مشاكسا معاكسا، على الرغم مما يصطنعه من الهدوء، وما يدّعيه من الموضوعية، ليس ذلك تجنيا عليه، ولا انتقاصا منه، إنما هي شخصيته التي يريدها أن تكون مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ومقابلته التلفزيونية أخيرا تفضح أزيد من هذا وأكثر.
في واحدة من شطحاته في المقابلة، يقول المالكي إنه عندما كان رئيسا للحكومة، وأوشكت فترة
التفويض الدولي للأميركيين للبقاء في العراق أن تنتهي، اتصل به الرئيس جورج بوش، ليبلغه أن الأميركيين يريدون البقاء خمسين عاما، وإنه رد عليه بالرفض، وهدّده بأنه إذا بقي الأميركيون دقيقة واحدة بعد الساعة الأخيرة من اليوم الأخير لمدة التفويض فستبدأ حركة المقاومة، وسيكون هو قائدها. وعندما سأله المذيع عما إذا كان ذلك تهديدا منه، استدرك قائلا: هو تحصيل حاصل.
هنا يحاول المالكي أن يوهم المتلقي أن واشنطن خشيت من تهديداته، وسارعت إلى الدخول في مباحثات مع بغداد في أثناء ولايته أثمرت اتفاقيتي سحب القوات والإطار الاستراتيجي اللتين وقعتا "بين دولتين بسيادة كاملة وإرادة كاملة"، على حد تعبيره. وعندما حصلت اعتراضات من أعضاء في الكونغرس على سحب القوات، قيل لهم "لا تلعبوا مع المالكي فهو عندما يقول يفعل". ولأنهم (الأميركيين) لا يريدون المالكي رئيسا، رفضوا بعد الانسحاب إمداد العراق بالسلاح، ما دام موجودا على رأس السلطة. يريد هنا أن يوهم المتلقي أن الأميركيين هم الذين سعوا إلى عزله، وأن الذين تعاقبوا بعده هم من صنائعهم، وهو وحده الوطني المخلص والمقاوم!
شطحة أخرى زعمه إن الإيرانيين لم يتدخلوا في شؤون العراق، ولم يحدث أن اتصلوا به في أمر ما، وأخرى ادّعاؤه أن بعض ممثلي انتفاضة الشباب طلبوا دعمه ماديا ومعنويا، من أجل إسقاط حكومة مصطفى الكاظمي حتى قبل تشكيلها، وأنه رفض، وثالثة دعوته الكاظمي إلى عدم المساس برواتب "المجاهدين الرفحاويين" المليونية، وكذا من يتقاضى رواتب عدة، حتى لو أدى ذلك إلى الاستدانة!
وفي غير المقابلة التلفزيونية إياها، نرصد نماذج أخرى من شطحاته، مرّة وقف خطيبا ليعلن "أن الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد، والحسين موجود اليوم بشكل أو آخر، وأنصاره وأنصار يزيد يشتبكون في مواجهة شرسة وعنيدة". وليس ثمة صراحة أكثر من هذه في إعلان تعصبه الطائفي الذي عُرف به. وفي مناسبةٍ ثانية، أجاب على سؤال عن رأيه في وجود معارضة للسلطة بمقولته التي أصبحت مثلا متداولا "احنه ما ننطيها"، أي إننا لن نتخلى عن السلطة، كاشفا بذلك ميله إلى الديكتاتورية وتشبثه بكرسي الحكم.
هذا قليل من كثير، ومن شاء أن يستزيد عليه أن يراجع "يوتيوب"، ليضحك من تلك الشطحات وعليها... وما يدفع المالكي إلى هذه الشطحات أنه "يحيا حياة معلقة"، ليس على الطريقة التي عاشها جوزيف، بطل سول بيلو، ولكن بمعنى أنه يجد نفسه في موضع متأرجح، فلا هو في قمة السلطة، ولا هو يملك العزيمة في النأي بنفسه بعيدا عنها، وشطحاته تعكس ذلك، وهي لا تثير الضحك فقط، إنما تثير الأسى أيضا!
في واحدة من شطحاته في المقابلة، يقول المالكي إنه عندما كان رئيسا للحكومة، وأوشكت فترة
هنا يحاول المالكي أن يوهم المتلقي أن واشنطن خشيت من تهديداته، وسارعت إلى الدخول في مباحثات مع بغداد في أثناء ولايته أثمرت اتفاقيتي سحب القوات والإطار الاستراتيجي اللتين وقعتا "بين دولتين بسيادة كاملة وإرادة كاملة"، على حد تعبيره. وعندما حصلت اعتراضات من أعضاء في الكونغرس على سحب القوات، قيل لهم "لا تلعبوا مع المالكي فهو عندما يقول يفعل". ولأنهم (الأميركيين) لا يريدون المالكي رئيسا، رفضوا بعد الانسحاب إمداد العراق بالسلاح، ما دام موجودا على رأس السلطة. يريد هنا أن يوهم المتلقي أن الأميركيين هم الذين سعوا إلى عزله، وأن الذين تعاقبوا بعده هم من صنائعهم، وهو وحده الوطني المخلص والمقاوم!
شطحة أخرى زعمه إن الإيرانيين لم يتدخلوا في شؤون العراق، ولم يحدث أن اتصلوا به في أمر ما، وأخرى ادّعاؤه أن بعض ممثلي انتفاضة الشباب طلبوا دعمه ماديا ومعنويا، من أجل إسقاط حكومة مصطفى الكاظمي حتى قبل تشكيلها، وأنه رفض، وثالثة دعوته الكاظمي إلى عدم المساس برواتب "المجاهدين الرفحاويين" المليونية، وكذا من يتقاضى رواتب عدة، حتى لو أدى ذلك إلى الاستدانة!
وفي غير المقابلة التلفزيونية إياها، نرصد نماذج أخرى من شطحاته، مرّة وقف خطيبا ليعلن "أن الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد، والحسين موجود اليوم بشكل أو آخر، وأنصاره وأنصار يزيد يشتبكون في مواجهة شرسة وعنيدة". وليس ثمة صراحة أكثر من هذه في إعلان تعصبه الطائفي الذي عُرف به. وفي مناسبةٍ ثانية، أجاب على سؤال عن رأيه في وجود معارضة للسلطة بمقولته التي أصبحت مثلا متداولا "احنه ما ننطيها"، أي إننا لن نتخلى عن السلطة، كاشفا بذلك ميله إلى الديكتاتورية وتشبثه بكرسي الحكم.
هذا قليل من كثير، ومن شاء أن يستزيد عليه أن يراجع "يوتيوب"، ليضحك من تلك الشطحات وعليها... وما يدفع المالكي إلى هذه الشطحات أنه "يحيا حياة معلقة"، ليس على الطريقة التي عاشها جوزيف، بطل سول بيلو، ولكن بمعنى أنه يجد نفسه في موضع متأرجح، فلا هو في قمة السلطة، ولا هو يملك العزيمة في النأي بنفسه بعيدا عنها، وشطحاته تعكس ذلك، وهي لا تثير الضحك فقط، إنما تثير الأسى أيضا!