عند كل سَفَر

20 مايو 2019
(لوحة لفوزي كريم)
+ الخط -

"كلُّ شراعٍ لمْ يعدْ إليكِ يا مخافرَ الحدودْ/ لا باحثاً، سدىً، عن المعنى/ ولكنْ هرباً من المعاني السودْ/ فهوَ شراعي". ليس كاتب هذه السطور وحده من يتملّى قصيدة فوزي كريم هذه عند كل سَفَر. لا بدّ أن "مسافرين" كثراً يتذكرونها عند حوافّ منافٍ متحجّرة وهجرات داخلية لا تتوقف.

القصيدة مؤرخة بعام 1979 كما يشير التوقيع أسفلها، ربما في مطار أو عند حدود ما، ربما في يومٍ من أيّار كهذا الذي مضى فيه الشاعر إلى رحلته الكبيرة. لكن الإشارة إلى السنة أسفل القصيدة لا تشير إلى مكان بخلاف قصائد أخرى في "عثرات الطائر"، إذ إنه يوقع القصيدة التي تليها بـ"لندن 1979".

إذن وصلَ المدينة الباردة في تلك السنة. ليكتب: "لا أسألُ إلا عن وطنٍ يسألُ عنّي، وأغنّي حيثُ أشاءْ". طبعاً لن نصدقه، فالشعراء أسيادُ إخفاء المرارات وترميم الوجود بالموسيقى وببعض النرجس. يبدو أكثر صراحة حين يسأل "شاعراً ما": "أعن معنىً تركتَ أخاك فوقَ صليبه/ وبكيتَ من صَلَبه؟". أو حين يردِّد الصرخة الكابوسية ثلاثاً: "مَنْ ألقى هذي الجثةَ في بابي؟".

لا يصح الحديث عن شاعر بصيغة الغائب. حين يرحل الشاعر نتذكر غياباتنا نحن، ونستعيد دعوته السخيّة وصداقته التي تحيا إلى ما لا نهاية. وإذ نهرع إلى قصائده فلمحاولة تدارك ما فاتنا بين البحث عن المعنى (سدى؟) والهرب من "المعاني السود" التي باتت ثقافتنا الأكثر سخاءً في ابتكارها.

دلالات
المساهمون