03 نوفمبر 2024
عن اتحاد الشغل التونسي
تساءل محللون للشأن السياسي التونسي: لماذا لا يتحول الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حزب عمالي؟ ويعود طرح السؤال إلى التأثير المتزايد للنقابات في الشأن السياسي، خصوصا منذ الثورة، ودخول البلاد في مرحلة انتقال سياسي ديمقراطي. وقد أثبتت السنوات السبع الأخيرة أن جميع الحكومات التي توالت منذ 14 يناير/كانون الثاني 2011 اصطدمت باتحاد الشغل، ولم تنجح في تطويعه أو تجاوزه.
نشرت صحيفة الشعب، الناطقة باسم الاتحاد، قبل أيام، مقالا بعنوان لافت "الحياد المستحيل". وهو رد على الذين يحاولون من جديد "وضع الاتحاد في المربع، بعيداً عن هاجس الشأن الوطني، وعن السياسة وإدارة الشأن العام". ويضيف صاحب المقال إن الاتحاد "لا يتقاسم مع الحكومة الحد الأدنى الاجتماعي"، وإن الائتلاف الحاكم" غير حريصٍ على مقاومة الفساد، بل والمطعون في أهلية بعض مكوناته"، متهما هذا الائتلاف بأنه "يلعب بالنار، طالما أن ما يقوده هو هاجس حصر الاتحاد في مربع محدد، وإذا ما تكرّمت عليه، فإنما لتجعله وسيطا لكبح جماح القبائل السياسية المنفلتة".
هناك ثلاثة معطيات مهمة، لا بد من استحضارها، لوضع الأمر في سياقه الراهن. أولا: أخطأت الحكومة، عندما قدّرت أن مؤتمر اتحاد الشغل، أخيرا، وصعود أمين عام جديد، سيكون له تأثير على توجهات القيادة النقابية، وستترتب عنه مرونة أكثر في التعامل مع السلطة التنفيذية. وجاءت تصريحات نور الدين الطبوبي متساوقة تماماً مع التوجهات السابقة. وبناء عليه، رفض الاتحاد تعيين رجل أعمال على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، بديلاً عن شخصية نقابية ويسارية أقيلت بطريقةٍ استهجنها النقابيون بشدة. كما تمسك الاتحاد بضرورة تغيير وزير التربية، ووضع خطةٍ تصاعدية قد تفضي إلى سنة بيضاء في قطاع التعليم. وهو ما استنكره كثيرون، واعتبره رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، تدخلا غير مقبول في صلاحيات رئيس الحكومة.
ثانيا: أنجز المعهد الوطني الجمهوري، وهو مؤسسة أميركية، استطلاعا للآراء، كشف أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعتبر أول طرفٍ يحظى بثقة التونسيين ورضاهم، بنسبةٍ بلغت 25%، متقدما في ذلك على أحزاب الائتلاف الحاكم مجتمعة. وهو معطى لا يمكن تجاهل دلالاته، لأنه لا يعكس فقط تدهور سمعة هذه الأحزاب لدى الرأي العام، وإنما يكشف أيضا أنه على الرغم من انتقاد الجزء الواسع من الطبقة السياسية لأسلوب الاتحاد في إدارة العلاقة بالحكم وبالمجال الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن قاعدته الجماهيرية لا تزال قوية وثابتة.
ثالثا: انطلقت الأوساط النقابية في النقاش حول إمكانية نزول اتحاد الشغل بكامل ثقله في الانتخابات البلدية المقبلة، وقد ورد ذلك ضمن توصيات مؤتمر الاتحاد. وقد ربطت صحيفة الشعب بين هذا التوجه داخل صفوف النقابيين وإرادة الائتلاف الحاكم "تحييد الاتحاد"، ولم تستبعد الصحيفة أن تعمل الأحزاب الحاكمة على الدخول في تحالفاتٍ ضد قائماته الانتخابية. ولا شك في أن مشاركة النقابيين ضمن قائمات خاصة بهم ستؤثر، بالضرورة، على الخارطة الانتخابية للبلديات المقبلة، وقد تكون مقدمةً للتفكير في منافسة الأحزاب السياسية الحاكمة، وكذلك المعارضة، في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي ستكون حاسمة في تحديد القوى التي ستحكم تونس، بعد سنة 2019.
ليس وارداً أن يتحول اتحاد الشغل إلى حزب عمالي، لأن من شأن ذلك أن يفجر الحركة النقابية، بحكم أن الاتحاد يتشكل من نقابيين لهم انتماءات سياسية وحزبية وأيديولوجية متعدّدة. وبالتالي، فإن دعوتهم إلى تشكيل حزب موحد سيضعهم أمام اختيار صعب. كما أن القيادة النقابية لا تزال مصرة على عدم المشاركة في أي حكومة، سواء الحالية أو غيرها، وقد دعيت إلى ذلك من قبل ورفضت، لأنها لا تريد أن تتورّط في سياساتٍ تتعارض كليا مع شعاراتها ومطالبها الراهنة.
في ضوء ما تقدم، سيبقى اتحاد الشغل قوة اجتماعية وسياسية تحكم، من دون أن تكون في الحكم، ومن دون أن تتحمل ضريبة المشاركة في السلطة.
نشرت صحيفة الشعب، الناطقة باسم الاتحاد، قبل أيام، مقالا بعنوان لافت "الحياد المستحيل". وهو رد على الذين يحاولون من جديد "وضع الاتحاد في المربع، بعيداً عن هاجس الشأن الوطني، وعن السياسة وإدارة الشأن العام". ويضيف صاحب المقال إن الاتحاد "لا يتقاسم مع الحكومة الحد الأدنى الاجتماعي"، وإن الائتلاف الحاكم" غير حريصٍ على مقاومة الفساد، بل والمطعون في أهلية بعض مكوناته"، متهما هذا الائتلاف بأنه "يلعب بالنار، طالما أن ما يقوده هو هاجس حصر الاتحاد في مربع محدد، وإذا ما تكرّمت عليه، فإنما لتجعله وسيطا لكبح جماح القبائل السياسية المنفلتة".
هناك ثلاثة معطيات مهمة، لا بد من استحضارها، لوضع الأمر في سياقه الراهن. أولا: أخطأت الحكومة، عندما قدّرت أن مؤتمر اتحاد الشغل، أخيرا، وصعود أمين عام جديد، سيكون له تأثير على توجهات القيادة النقابية، وستترتب عنه مرونة أكثر في التعامل مع السلطة التنفيذية. وجاءت تصريحات نور الدين الطبوبي متساوقة تماماً مع التوجهات السابقة. وبناء عليه، رفض الاتحاد تعيين رجل أعمال على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، بديلاً عن شخصية نقابية ويسارية أقيلت بطريقةٍ استهجنها النقابيون بشدة. كما تمسك الاتحاد بضرورة تغيير وزير التربية، ووضع خطةٍ تصاعدية قد تفضي إلى سنة بيضاء في قطاع التعليم. وهو ما استنكره كثيرون، واعتبره رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، تدخلا غير مقبول في صلاحيات رئيس الحكومة.
ثانيا: أنجز المعهد الوطني الجمهوري، وهو مؤسسة أميركية، استطلاعا للآراء، كشف أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعتبر أول طرفٍ يحظى بثقة التونسيين ورضاهم، بنسبةٍ بلغت 25%، متقدما في ذلك على أحزاب الائتلاف الحاكم مجتمعة. وهو معطى لا يمكن تجاهل دلالاته، لأنه لا يعكس فقط تدهور سمعة هذه الأحزاب لدى الرأي العام، وإنما يكشف أيضا أنه على الرغم من انتقاد الجزء الواسع من الطبقة السياسية لأسلوب الاتحاد في إدارة العلاقة بالحكم وبالمجال الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن قاعدته الجماهيرية لا تزال قوية وثابتة.
ثالثا: انطلقت الأوساط النقابية في النقاش حول إمكانية نزول اتحاد الشغل بكامل ثقله في الانتخابات البلدية المقبلة، وقد ورد ذلك ضمن توصيات مؤتمر الاتحاد. وقد ربطت صحيفة الشعب بين هذا التوجه داخل صفوف النقابيين وإرادة الائتلاف الحاكم "تحييد الاتحاد"، ولم تستبعد الصحيفة أن تعمل الأحزاب الحاكمة على الدخول في تحالفاتٍ ضد قائماته الانتخابية. ولا شك في أن مشاركة النقابيين ضمن قائمات خاصة بهم ستؤثر، بالضرورة، على الخارطة الانتخابية للبلديات المقبلة، وقد تكون مقدمةً للتفكير في منافسة الأحزاب السياسية الحاكمة، وكذلك المعارضة، في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي ستكون حاسمة في تحديد القوى التي ستحكم تونس، بعد سنة 2019.
ليس وارداً أن يتحول اتحاد الشغل إلى حزب عمالي، لأن من شأن ذلك أن يفجر الحركة النقابية، بحكم أن الاتحاد يتشكل من نقابيين لهم انتماءات سياسية وحزبية وأيديولوجية متعدّدة. وبالتالي، فإن دعوتهم إلى تشكيل حزب موحد سيضعهم أمام اختيار صعب. كما أن القيادة النقابية لا تزال مصرة على عدم المشاركة في أي حكومة، سواء الحالية أو غيرها، وقد دعيت إلى ذلك من قبل ورفضت، لأنها لا تريد أن تتورّط في سياساتٍ تتعارض كليا مع شعاراتها ومطالبها الراهنة.
في ضوء ما تقدم، سيبقى اتحاد الشغل قوة اجتماعية وسياسية تحكم، من دون أن تكون في الحكم، ومن دون أن تتحمل ضريبة المشاركة في السلطة.