"ضربني وبكى، وسبقني واشتكى"! بهذا علّق الناطق بلسان جيش الاحتلال على جريمة إعدام الطفلين حسن وأحمد مناصرة، (ظهر أحمد في تسجيل مصوّر مشهور، وهو يصارع الموت، بينما يشتمه مصوّره بألفاظ بذيئة، ونجا بصعوبةٍ بالغة)، كان الناطق الرسميّ يعتمدُ على تسجيلات مرئيّة زعم أنها للطفلين وهما يحملان السكاكين، ويحاولان طعن مستوطنين!
في نظر الاحتلال إذن، هذا التسجيلُ كافٍ للحكم على الفتييْن بالإعدام، رغم أنّه لم يمت أحدٌ بسكاكينهما المزعومة!
أكثر الوقائع المشابهة، المتصلة بعمليّات الطّعن تدلُّ على أنّ مجرّد المحاولة كافيةٌ للحكم بالإعدام الميدانيّ على المنفّذ، أيًا كان عمره وجنسه، ومستوى الخطر الحقيقيّ الذي يمثّلُه!
من بدهيّات القانون أنّ المُتّهم بريء حتى تثبت إدانتُه، وأنّ وظيفة رجل الأمن هو القبضُ عليه لا إنزال العقوبة به، فضلًا عن قتله بدمٍ بارد! وفي حال تعرّض المُتّهم إلى إطلاق نارٍ، أفضى إلى إصابةٍ أو قتل، فلابدّ من فتح تحقيق عسير في حيثيّات ذلك وما أدّى إليه.
هذا القانون مطبّقٌ في الكيان الصهيونيّ، ولكن جنائيًا ربّما، وبالتأكيد في حالة كان المُتّهم المقتول/ المصاب يهوديًا! أما إن كان عربيًا "فصحّة وعافية"، وقاتلُه بطل معظّم لا يُسأل عمّا فعل، ولا يُعاني من وخز الضمير حتى كما في الأفلام التي تتناول فساد الشرطة وعنفهم!
منذ نحو شهرين، أحيا فلسطينيو الداخل المحتلّ ذكرى مجزرة شفا عمرو العاشرة، التي نفّذها الجنديّ الصهيونيّ "نتان زاده" في أحد الباصات العربيّة، فقتل هزار ودينا تركي، ونادر حايك، وميشيل بحوث، وأصاب ستة عشر آخرين! كلّ من في الباص كانوا مدنيين عزلًا، غير أنّ بعضهم استطاع الوصول إلى المجرم - ربّما بينما يذخّر سلاحه من جديد -، واجتمع عليه الجرحى والناجون من المجزرة فضربوه ضربًا شديدًا، أدى به إلى الموت!
رغم أنّ الجنديّ قتل وأصاب نحو نصف الركّاب، إلا أنّ هذا لم يشفع للمدافعين عن أنفسهم بدون سلاح، فوُجهّت لسبعة منهم تُهمة محاولة القتل، وحوكموا محاكمةً تُعدّ من أطول وأعقد المحاكمات في تاريخ الكيان، ومنذ ثلاثة أيام فقط خرج "باسل خطيب" أحد المتّهمين بقتل المجرم "زاده"، وبقي خلفه "نُعمان بحّوث" وراء القُضبان حتى كتابة هذه الكلمات!
"الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" لم تُكرّم قتلة قاتلٍ فعليّ، ومرتكبٍ لمجزرة مشهودة، بل حاكمتهم ولولا نضالُ أهليهم والمجتمع العربيّ لحكموا بالسجن المؤبّد، وهذا ما التفت إليه قلة من النّبهاء، فذكّروا به في سياق إعدام الدولة المنظّم للفلسطينيين بالشبهة والنيّة المجرّدة!
ذهب قادة الكيان الصهيونيّ أبعد من ذلك في إرهابهم، بالدعوة الصريحة لمواطنيهم (اليهود طبعًا) لحمل السلاح على الدوام، وعدم التردد في استعماله، وبذلك يصبح بوسع الصهيونيّ أن يطلق النار على أي عربيّ في الطريق، ويُلقي سكينًا بجانبه! ثم يَلقى من الدولة التبرئة والدعم والتكريم أيضًا!
المؤسف أنّنا في غمرة احتفائنا بالشهداء وبطولاتهم نساهم في تضييع بعض حقّهم، وتضييع الفرصة في إحراج العدوّ ومحاكمته على قتلهم، إذ لا يمكن تبرير إعدام طفل أو طفلة أو رجلٍ أو امرأة بدعوى حملهم سكينًا، وإن لم يخدشوا أحدًا! بل حتى إن قتلوا وأصابوا فإنّ رصاصةً واحدةً تصيبُ ولا تقتل كافيةٌ لإيقاف الواحد منهم، والسيطرة عليه بدلًا من الإعدام الفوريّ!
نحنُ للأسف لا نكترثُ لهذا، وسُرعان ما ننشغلُ بنعي الشهيد والتغنّي ببطولته، والإشادة به وبسكينه، دون أن نكلّف أنفسنا نظرةً في التفاصيل، بل وأحيانًا نُساعد العدوّ في نشر روايته عن الواقعة، ونتبنّى خطابه من حيثُ لا ندري!
ولعله من نافلة القول التنبيهُ إلى أننا نحن الفلسطينيين لا نعترفُ بالاحتلال ولا بقوانينه، وأنّ شهداءنا عندنا ليسوا متّهمين ولا أبرياء، بل أبطالٌ يقومون بما عليهم فعلُه لتحرير أرضهم من غاصبيها الطارئين، غير أننا لا نُريد بجهلنا وتقصيرنا التفريط في دماء أولادنا.
فشهداؤنا وإن قتلوا من العدوّ وأصابوا، وإن كنّا لا نصيب ثأرنا فيهم إلا بكنس الاحتلال كاملًا عن فلسطين، إلا أن ذلك لا يعني إعفاء العدوّ من الملاحقة القانونية والجنائيّة الضروريّة في مثل هذه الحالات!
(فلسطين)
في نظر الاحتلال إذن، هذا التسجيلُ كافٍ للحكم على الفتييْن بالإعدام، رغم أنّه لم يمت أحدٌ بسكاكينهما المزعومة!
أكثر الوقائع المشابهة، المتصلة بعمليّات الطّعن تدلُّ على أنّ مجرّد المحاولة كافيةٌ للحكم بالإعدام الميدانيّ على المنفّذ، أيًا كان عمره وجنسه، ومستوى الخطر الحقيقيّ الذي يمثّلُه!
من بدهيّات القانون أنّ المُتّهم بريء حتى تثبت إدانتُه، وأنّ وظيفة رجل الأمن هو القبضُ عليه لا إنزال العقوبة به، فضلًا عن قتله بدمٍ بارد! وفي حال تعرّض المُتّهم إلى إطلاق نارٍ، أفضى إلى إصابةٍ أو قتل، فلابدّ من فتح تحقيق عسير في حيثيّات ذلك وما أدّى إليه.
هذا القانون مطبّقٌ في الكيان الصهيونيّ، ولكن جنائيًا ربّما، وبالتأكيد في حالة كان المُتّهم المقتول/ المصاب يهوديًا! أما إن كان عربيًا "فصحّة وعافية"، وقاتلُه بطل معظّم لا يُسأل عمّا فعل، ولا يُعاني من وخز الضمير حتى كما في الأفلام التي تتناول فساد الشرطة وعنفهم!
منذ نحو شهرين، أحيا فلسطينيو الداخل المحتلّ ذكرى مجزرة شفا عمرو العاشرة، التي نفّذها الجنديّ الصهيونيّ "نتان زاده" في أحد الباصات العربيّة، فقتل هزار ودينا تركي، ونادر حايك، وميشيل بحوث، وأصاب ستة عشر آخرين! كلّ من في الباص كانوا مدنيين عزلًا، غير أنّ بعضهم استطاع الوصول إلى المجرم - ربّما بينما يذخّر سلاحه من جديد -، واجتمع عليه الجرحى والناجون من المجزرة فضربوه ضربًا شديدًا، أدى به إلى الموت!
رغم أنّ الجنديّ قتل وأصاب نحو نصف الركّاب، إلا أنّ هذا لم يشفع للمدافعين عن أنفسهم بدون سلاح، فوُجهّت لسبعة منهم تُهمة محاولة القتل، وحوكموا محاكمةً تُعدّ من أطول وأعقد المحاكمات في تاريخ الكيان، ومنذ ثلاثة أيام فقط خرج "باسل خطيب" أحد المتّهمين بقتل المجرم "زاده"، وبقي خلفه "نُعمان بحّوث" وراء القُضبان حتى كتابة هذه الكلمات!
"الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" لم تُكرّم قتلة قاتلٍ فعليّ، ومرتكبٍ لمجزرة مشهودة، بل حاكمتهم ولولا نضالُ أهليهم والمجتمع العربيّ لحكموا بالسجن المؤبّد، وهذا ما التفت إليه قلة من النّبهاء، فذكّروا به في سياق إعدام الدولة المنظّم للفلسطينيين بالشبهة والنيّة المجرّدة!
ذهب قادة الكيان الصهيونيّ أبعد من ذلك في إرهابهم، بالدعوة الصريحة لمواطنيهم (اليهود طبعًا) لحمل السلاح على الدوام، وعدم التردد في استعماله، وبذلك يصبح بوسع الصهيونيّ أن يطلق النار على أي عربيّ في الطريق، ويُلقي سكينًا بجانبه! ثم يَلقى من الدولة التبرئة والدعم والتكريم أيضًا!
المؤسف أنّنا في غمرة احتفائنا بالشهداء وبطولاتهم نساهم في تضييع بعض حقّهم، وتضييع الفرصة في إحراج العدوّ ومحاكمته على قتلهم، إذ لا يمكن تبرير إعدام طفل أو طفلة أو رجلٍ أو امرأة بدعوى حملهم سكينًا، وإن لم يخدشوا أحدًا! بل حتى إن قتلوا وأصابوا فإنّ رصاصةً واحدةً تصيبُ ولا تقتل كافيةٌ لإيقاف الواحد منهم، والسيطرة عليه بدلًا من الإعدام الفوريّ!
نحنُ للأسف لا نكترثُ لهذا، وسُرعان ما ننشغلُ بنعي الشهيد والتغنّي ببطولته، والإشادة به وبسكينه، دون أن نكلّف أنفسنا نظرةً في التفاصيل، بل وأحيانًا نُساعد العدوّ في نشر روايته عن الواقعة، ونتبنّى خطابه من حيثُ لا ندري!
ولعله من نافلة القول التنبيهُ إلى أننا نحن الفلسطينيين لا نعترفُ بالاحتلال ولا بقوانينه، وأنّ شهداءنا عندنا ليسوا متّهمين ولا أبرياء، بل أبطالٌ يقومون بما عليهم فعلُه لتحرير أرضهم من غاصبيها الطارئين، غير أننا لا نُريد بجهلنا وتقصيرنا التفريط في دماء أولادنا.
فشهداؤنا وإن قتلوا من العدوّ وأصابوا، وإن كنّا لا نصيب ثأرنا فيهم إلا بكنس الاحتلال كاملًا عن فلسطين، إلا أن ذلك لا يعني إعفاء العدوّ من الملاحقة القانونية والجنائيّة الضروريّة في مثل هذه الحالات!
(فلسطين)