06 نوفمبر 2024
عن الثابت في السياسة الإسرائيلية
يقتضي تشخيص الثابت في السياسة الإسرائيلية، ضمن سياق قراءة الدلالات الكامنة في "قانون القومية" الإسرائيلي، استعادة أنه بعد عام 2000، الذي لاحت فيه أقوى المؤشرات إلى وصول ما تم التواضع على تسميتها "عملية أوسلو" إلى نهايتها المنطقية، ربط المؤرخ الإسرائيلي، زئيف شتيرنهيل، بين تلك النهاية وما سبقها، منذ ما وصفه بأنه "إخفاق القيادة الصهيونية التي تولت عملية إقامة إسرائيل في عام 1948 في أن تتفوّق على نفسها، فتبادر إلى تأسيس مجتمع سياسي، ذي أجندة ليبرالية عامة"، وبذا فإن القيم القومية اليهودية ظلت، من ناحية سلم الأفضليات والأولويات، تحتل مرتبة متقدّمة جدًّا على مرتبة القيم العالمية، وخصوصًا قيم حقوق الإنسان. وبسبب انقياد تلك القيادة وراء القيم القومية اليهودية، أصبحت فاقدةً القدرة على اعتبار عام 1949 (وُقعت خلاله اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية المجاورة) بمثابة نهاية مرحلة الاحتلال، أو التوسّع الإقليمي.
وبناء على ذلك، وفق ما يؤكّد، فإن الحروب التي خاضتها إسرائيل (منذ إنشائها) لم تكن ناجمـةً عن الرفض العربي المستمر للاعتراف بشرعية الحركة الصهيونية فحسب، إنما أيضًا كانت ناجمةً عن عدم توفر القدرة والرغبة في تحديد الوجهة التي يتعين المُضي فيها. ولذا، فإن الانتصار في حرب 1967 اعتبر استمرارًا للانتصار في حرب 1948. كما أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 اعتبرت استمرارًا لحرب 1948.
بعد هذا، أعاد شتيرنهيل إلى الأذهان أنه، طبقًا للمفهوم الصهيوني التقليدي، فإن حدود الدولة يجب أن تبقى نتاج الظروف المتغيرة، والتي تخضع إلى ميزان القوى، وإلى القوة العسكرية. علاوة على ذلك، فإنه في 1948 لم يتم حسم سؤال أساس، كان لا بُدّ من حسمه، مرة واحدة وأخيرة: هل إقامة الدولة في جزء من "أرض إسرائيل" (فلسطين) تعني وضع حدّ نهائي لعملية احتلال البلد؟
كذلك لم يتم الهجس بجواب عن سؤال آخر، كان مطروحًا بحدّة في ذلك الوقت: هل ستستند إسرائيل إلى تفوقها العسكري والتكنولوجي، من أجل السعي إلى السلام على أساس الإنجازات (العسكرية) التي تمّ تحقيقها، أم أنها ستبقى راغبةً، كلما سنحت الفرصة للتوصل إلى سلام، في مواصلة عملية الاحتلال، أو التوسّع الإقليمي؟
وتؤكد الباحثة أدريانا كيمب، والتي تعد من أبرز المتخصصين الإسرائيليين في موضوعة الحدود، أن الانتقال من حالة المجتمع الاستيطاني (قبل 1948) إلى حالة "الدولة ذات السيادة" مع ما يجب أن يترتّب على هذا الانتقال من جوانب سياسية وثقافية متعدّدة، لم يتم استبطانه في إسرائيل خلال خمسينيات القرن العشرين الفائت، ولا بعد ذلك، وصولًا إلى الآن. بينما ترى باحثة أخرى، هي سارة هيلمان، أن جميع التحولات الديمقراطية التي شهدتها إسرائيل تمت من دون إلغاء السمات الكولونيالية للمشروع الصهيوني، واعتبرت ذلك جزءًا من عملية خداع كولونيالية مُحكمة.
ويتناول باحثون كثيرون جوهر الرؤية السياسية الإسرائيلية الثابتة في سياق مقاربات متعلقة بموضوع رسم الحدود الجغرافية للدولة الناجزة عن المشروع الصهيوني. وفي هذا الشأن، يشير بعضهم إلى أن عمليات رسم حدود الدول المُقامة الحديثة جرت أساسًا وفق ثلاث مقاربات رئيسية: مقاربة الماضي، أي ما كان قائمًا في السابق. مقاربة الحاضر، أي ما هو قائم في الحاضر من خلال إجراءات فرض الوقائع على الأرض. مقاربة المستقبل وفحواها: "هذه هي المنطقة الجغرافية التي تعتبر ضرورية لنا، ولا يهم ما إذا كنا موجودين فيها أو غير موجودين، ولا يهم ما إذا كانت خاضعة لنا أو غير خاضعة".
وبحسب رأي الباحث جدعون بايغر، فإن المطالب التي رفعتها الحركة الصهيونية في هذا الشأن (حدود الدولة اليهودية) منذ عام 1919 تستند إلى المقاربة الثالثة (مقاربة المستقبل). ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من آخر مواقف الحكومات الإسرائيلية المتعددة التي انخرطت في مفاوضاتٍ كان أحد جوانبها متعلقًا بموضوعة الحدود.
وبناء على ذلك، وفق ما يؤكّد، فإن الحروب التي خاضتها إسرائيل (منذ إنشائها) لم تكن ناجمـةً عن الرفض العربي المستمر للاعتراف بشرعية الحركة الصهيونية فحسب، إنما أيضًا كانت ناجمةً عن عدم توفر القدرة والرغبة في تحديد الوجهة التي يتعين المُضي فيها. ولذا، فإن الانتصار في حرب 1967 اعتبر استمرارًا للانتصار في حرب 1948. كما أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 اعتبرت استمرارًا لحرب 1948.
بعد هذا، أعاد شتيرنهيل إلى الأذهان أنه، طبقًا للمفهوم الصهيوني التقليدي، فإن حدود الدولة يجب أن تبقى نتاج الظروف المتغيرة، والتي تخضع إلى ميزان القوى، وإلى القوة العسكرية. علاوة على ذلك، فإنه في 1948 لم يتم حسم سؤال أساس، كان لا بُدّ من حسمه، مرة واحدة وأخيرة: هل إقامة الدولة في جزء من "أرض إسرائيل" (فلسطين) تعني وضع حدّ نهائي لعملية احتلال البلد؟
كذلك لم يتم الهجس بجواب عن سؤال آخر، كان مطروحًا بحدّة في ذلك الوقت: هل ستستند إسرائيل إلى تفوقها العسكري والتكنولوجي، من أجل السعي إلى السلام على أساس الإنجازات (العسكرية) التي تمّ تحقيقها، أم أنها ستبقى راغبةً، كلما سنحت الفرصة للتوصل إلى سلام، في مواصلة عملية الاحتلال، أو التوسّع الإقليمي؟
وتؤكد الباحثة أدريانا كيمب، والتي تعد من أبرز المتخصصين الإسرائيليين في موضوعة الحدود، أن الانتقال من حالة المجتمع الاستيطاني (قبل 1948) إلى حالة "الدولة ذات السيادة" مع ما يجب أن يترتّب على هذا الانتقال من جوانب سياسية وثقافية متعدّدة، لم يتم استبطانه في إسرائيل خلال خمسينيات القرن العشرين الفائت، ولا بعد ذلك، وصولًا إلى الآن. بينما ترى باحثة أخرى، هي سارة هيلمان، أن جميع التحولات الديمقراطية التي شهدتها إسرائيل تمت من دون إلغاء السمات الكولونيالية للمشروع الصهيوني، واعتبرت ذلك جزءًا من عملية خداع كولونيالية مُحكمة.
ويتناول باحثون كثيرون جوهر الرؤية السياسية الإسرائيلية الثابتة في سياق مقاربات متعلقة بموضوع رسم الحدود الجغرافية للدولة الناجزة عن المشروع الصهيوني. وفي هذا الشأن، يشير بعضهم إلى أن عمليات رسم حدود الدول المُقامة الحديثة جرت أساسًا وفق ثلاث مقاربات رئيسية: مقاربة الماضي، أي ما كان قائمًا في السابق. مقاربة الحاضر، أي ما هو قائم في الحاضر من خلال إجراءات فرض الوقائع على الأرض. مقاربة المستقبل وفحواها: "هذه هي المنطقة الجغرافية التي تعتبر ضرورية لنا، ولا يهم ما إذا كنا موجودين فيها أو غير موجودين، ولا يهم ما إذا كانت خاضعة لنا أو غير خاضعة".
وبحسب رأي الباحث جدعون بايغر، فإن المطالب التي رفعتها الحركة الصهيونية في هذا الشأن (حدود الدولة اليهودية) منذ عام 1919 تستند إلى المقاربة الثالثة (مقاربة المستقبل). ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من آخر مواقف الحكومات الإسرائيلية المتعددة التي انخرطت في مفاوضاتٍ كان أحد جوانبها متعلقًا بموضوعة الحدود.