05 أكتوبر 2024
عن الشباب والسياسة في تونس
شهدت تونس بعد الثورة تحولا نوعيا في المشهد السياسي، فقطعت مع سنوات هيمنة النظام الشمولي والدولة الأحاديّة، لتدشّن مرحلة تعدّدية جديدة، تميزت بتعاقب حكومات مختلقة على قيادة البلاد، وبرسوخ تمرين التداول السلمي على السلط. فتوجّه التونسيون مراتٍ إلى صناديق الاقتراع، لاختيار رئيسهم وانتخاب ممثليهم في البرلمان والمجالس البلديّة. وتزامن ذلك مع ظهور عدد غير مسبوق من الأحزاب السياسية التي تنافست على استقطاب المواطنين، وعلى الظفر بمقاليد الحكم.
لكن المتابع لتفاصيل الشأن العام في تونس يتبين أن فئة الشباب ظلت على هامش المشهد السياسي بعد الثورة، على الرغم من أنّها قوة ديمغرافية وازنة داخل الاجتماع التونسي، وتمثل 60 % من الجسم الانتخابي. وكان لها دور محوري في إطاحة النظام الاستبداد،. فحضور الشباب في المؤسسات السيادية في تونس الجديدة باهت أو معدوم أحيانا، ففي مستوى مؤسسة الرئاسة، حكم البلاد بعد الثورة ثلاثة رؤساء مخضرمين، جميعهم بلغوا من العمر عتيا، فيما لا يقل معدل أعمار أعضاء أغلب الحكومات التي تولت إدارة الشأن التونسي في الفترة الانتقالية عن 49 سنة، ولم يتجاوز عدد النواب الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة في المجلس التأسيسي المنتخب سنة 2011 حدود 4%. كما أن 13% فقط من أعضاء مجلس نواب الشعب الحالي المنتخب سنة 2014 لم تتجاوز أعمارهم 35 سنة. ومن ثمّة، فالطبقة السياسية التي تتولى مقاليد حكم البلاد، يهيمن عليها الكبار، لا الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج دوائر صناعة القرار. كما أن حضور الشباب في الأحزاب السياسية ضئيل جدا، بحسب ما ورد في إحصائيات موثوقة متواترة، فقد أفاد 6% فقط من الشباب الذين استجوبتهم منظمة "أنا يقظ" سنة 2015 بأنهم ينتمون إلى أحزاب، واعتبر 3% فقط أنفسهم أعضاء نشطين، وأخبر
93% من المستطلعة آراؤهم أنهم لا ينشطون في أي حزب سياسي. وبحسب تقرير "تونس.. إزالة الحواجز أمام الشباب"، أصدره البنك الدولي والمرصد الوطني للشباب، لم تتعد نسبة الشباب المشاركين بصفة منتظمة في الاستحقاقات الانتخابية في تونس في فترة الانتقال الديمقراطي نسبة 12.7%. وتخبر قراءة هذه المعطيات الإحصائية أن فئة الشباب لا تمارس الدور الذي يناسب حجمها الديمغرافي في المجتمع التونسي، ولا تُبدي حماسةً للمشاركة السياسية، بما هي من أبواب المبادرة وإثبات الذات، والتعبير عن الرأي في السياسات والبرامج، بغاية التأثير في صناعة القرار في الدوائر الحكومية، فمعظم الشباب التونسي واقع خارج دائرة العمل السياسي، وغير مساهم في توجيه مسارات الانتقال الديمقراطي، وغير حاضر في معركة بناء الجمهورية الثانية، وغير موجود بالقدر المطلوب في المؤسسات السيادية والهيئات التمثيلية والهياكل الحزبية.
ويمكن، من منظور أنثروبولوجي، تفسير ظاهرة غيبة الشباب، أو تهميشه في الحياة السياسية التونسية بعد الثورة، بعدة أسباب، لعل أهمها انطفاء البريق الأيديولوجي للأحزاب، لاعتمادها برامج يستنسخ بعضها الآخر، ولعدم تقديمها مقترحاتٍ تفصيلية، لمعالجة قضايا الشباب (البطالة، الهجرة، فقدان المأوى..)، وكذا لتعامل معظم الأحزاب مع شريحة الشباب من منظور "ميكيافيلي" غنائمي، ينبني على التواصل معهم، ومحاولة كسب ودّهم، بتقديم وعود وهمية بتحسين أوضاعهم في أثناء الحملات الانتخابية، والاستغناء عنهم بعد نهاية الموسم الانتخابي، وهو ما جعل أغلبية الطيف الشبابي لا تثق في الخطاب الحزبي الواعد، ولا تلتفت إليه. كما أنّ عدم مبادرة الأحزاب الفائزة في المعترك الانتخابي (2011 - 2014) بتحقيق أهداف الثورة (توفير فرص العمل، مكافحة الفساد، تأمين توزيع عادل للثروة، العدالة الانتقالية، التنمية الشاملة…)، وعدم جدّيتها في الضغط على صانع القرار، لاتخاذ تدابير لخدمة الشباب، وتيسير اندماجهم في مفاصل الدولة زاد من تشكيك الأجيال الصاعدة في نجاعة الأداء الحزبي، وتراخيهم في الانتظام ضمنه. يضاف إلى ذلك أنّ تفشّي شبهات الفساد، وانتشار خطاب الكراهية وظاهرة السياحة الحزبية، بلور لدى الرأي العام الشبابي صورة قاتمةً بشأن الطبقة السياسية عموما، والمنظومة الحزبية خصوصا. كما أنّ إمساك الشيوخ وكبار السن المراكز القيادية في الدولة والأحزاب السياسية، واحتكارهم الخبرة والدراية بالشأن العام، وتحييدهم الشباب عن المناصب الحيوية والمتقدمة في سلم صناعة القرار، زاد من إحساس الشباب بالدونية والإحباط، وعزّز من نفورهم من المشاركة في المشهد السياسي السائد. يضاف إلى ذلك جميعا محدوديّة الوعي السياسي لدى بعض الشباب، ووجود قناعاتٍ خاطئةٍ عندهم، مفادها اعتقادهم مسبقا بأن أصواتهم لن تكون مسموعة، وجهودهم لن تكون مثمّنة، ومشاركتهم في
السياسة لن تكون مؤثرةً في أصحاب القرار، ولن تؤدي إلى تغيير الوضع المعيش، وهو ما يجعلهم يُحجمون عن الانخراط في الشأن السياسي.
تكمن خطورة تدنّي المشاركة الشبابية في المشهد السياسي في أنها تزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي، وتجعل الشباب يشعر بأنه مهمش ومغيب، ولا يستشار في تدبير شؤونه وفي إدارة الشأن العام. وينذر ذلك بتعميق الفجوة بين الطبقة السياسية والأجيال الصاعدة، ويدفع قطاعا من الشباب إلى انتهاج أساليب احتجاجية تصعيدية، للتعبير عن سخطه، ولإيصال صوته إلى صنّاع القرار، ذلك أن الشباب كتلة ديمغرافية دينامكية، وطاقة كامنة، إذا لم تُسخّر لها السياسات والإمكانات الضرورية لإشراكها في البناء قد تتحوّل إلى قوةٍ هائلةٍ، تنتفض ضد كل أشكال التهميش والإقصاء، على نحو قد ينعكس سلبا على السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي في البلاد. كما أن تهميش الأجيال الشابة يتعارض مع مبدأ الديمقراطية التشاركية، ويصب في خانة ما يصطلح عليه الإقصاء الاجتماعي الموجه ضد الشباب. لذلك، من المهمّ بمكان بلورة إستراتيجية وطنية واضحة المعالم، لإدماج الشباب في الحياة العامة، وتأهيلهم للحياة المهنية، حتّى لا يشعروا بالتمييز السّالب، وحتّى يكون لهم دور فاعل في إقامة أركان دولة ديمقراطية/ مواطنية/ تعدّدية جامعة.
لكن المتابع لتفاصيل الشأن العام في تونس يتبين أن فئة الشباب ظلت على هامش المشهد السياسي بعد الثورة، على الرغم من أنّها قوة ديمغرافية وازنة داخل الاجتماع التونسي، وتمثل 60 % من الجسم الانتخابي. وكان لها دور محوري في إطاحة النظام الاستبداد،. فحضور الشباب في المؤسسات السيادية في تونس الجديدة باهت أو معدوم أحيانا، ففي مستوى مؤسسة الرئاسة، حكم البلاد بعد الثورة ثلاثة رؤساء مخضرمين، جميعهم بلغوا من العمر عتيا، فيما لا يقل معدل أعمار أعضاء أغلب الحكومات التي تولت إدارة الشأن التونسي في الفترة الانتقالية عن 49 سنة، ولم يتجاوز عدد النواب الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة في المجلس التأسيسي المنتخب سنة 2011 حدود 4%. كما أن 13% فقط من أعضاء مجلس نواب الشعب الحالي المنتخب سنة 2014 لم تتجاوز أعمارهم 35 سنة. ومن ثمّة، فالطبقة السياسية التي تتولى مقاليد حكم البلاد، يهيمن عليها الكبار، لا الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج دوائر صناعة القرار. كما أن حضور الشباب في الأحزاب السياسية ضئيل جدا، بحسب ما ورد في إحصائيات موثوقة متواترة، فقد أفاد 6% فقط من الشباب الذين استجوبتهم منظمة "أنا يقظ" سنة 2015 بأنهم ينتمون إلى أحزاب، واعتبر 3% فقط أنفسهم أعضاء نشطين، وأخبر
ويمكن، من منظور أنثروبولوجي، تفسير ظاهرة غيبة الشباب، أو تهميشه في الحياة السياسية التونسية بعد الثورة، بعدة أسباب، لعل أهمها انطفاء البريق الأيديولوجي للأحزاب، لاعتمادها برامج يستنسخ بعضها الآخر، ولعدم تقديمها مقترحاتٍ تفصيلية، لمعالجة قضايا الشباب (البطالة، الهجرة، فقدان المأوى..)، وكذا لتعامل معظم الأحزاب مع شريحة الشباب من منظور "ميكيافيلي" غنائمي، ينبني على التواصل معهم، ومحاولة كسب ودّهم، بتقديم وعود وهمية بتحسين أوضاعهم في أثناء الحملات الانتخابية، والاستغناء عنهم بعد نهاية الموسم الانتخابي، وهو ما جعل أغلبية الطيف الشبابي لا تثق في الخطاب الحزبي الواعد، ولا تلتفت إليه. كما أنّ عدم مبادرة الأحزاب الفائزة في المعترك الانتخابي (2011 - 2014) بتحقيق أهداف الثورة (توفير فرص العمل، مكافحة الفساد، تأمين توزيع عادل للثروة، العدالة الانتقالية، التنمية الشاملة…)، وعدم جدّيتها في الضغط على صانع القرار، لاتخاذ تدابير لخدمة الشباب، وتيسير اندماجهم في مفاصل الدولة زاد من تشكيك الأجيال الصاعدة في نجاعة الأداء الحزبي، وتراخيهم في الانتظام ضمنه. يضاف إلى ذلك أنّ تفشّي شبهات الفساد، وانتشار خطاب الكراهية وظاهرة السياحة الحزبية، بلور لدى الرأي العام الشبابي صورة قاتمةً بشأن الطبقة السياسية عموما، والمنظومة الحزبية خصوصا. كما أنّ إمساك الشيوخ وكبار السن المراكز القيادية في الدولة والأحزاب السياسية، واحتكارهم الخبرة والدراية بالشأن العام، وتحييدهم الشباب عن المناصب الحيوية والمتقدمة في سلم صناعة القرار، زاد من إحساس الشباب بالدونية والإحباط، وعزّز من نفورهم من المشاركة في المشهد السياسي السائد. يضاف إلى ذلك جميعا محدوديّة الوعي السياسي لدى بعض الشباب، ووجود قناعاتٍ خاطئةٍ عندهم، مفادها اعتقادهم مسبقا بأن أصواتهم لن تكون مسموعة، وجهودهم لن تكون مثمّنة، ومشاركتهم في
تكمن خطورة تدنّي المشاركة الشبابية في المشهد السياسي في أنها تزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي، وتجعل الشباب يشعر بأنه مهمش ومغيب، ولا يستشار في تدبير شؤونه وفي إدارة الشأن العام. وينذر ذلك بتعميق الفجوة بين الطبقة السياسية والأجيال الصاعدة، ويدفع قطاعا من الشباب إلى انتهاج أساليب احتجاجية تصعيدية، للتعبير عن سخطه، ولإيصال صوته إلى صنّاع القرار، ذلك أن الشباب كتلة ديمغرافية دينامكية، وطاقة كامنة، إذا لم تُسخّر لها السياسات والإمكانات الضرورية لإشراكها في البناء قد تتحوّل إلى قوةٍ هائلةٍ، تنتفض ضد كل أشكال التهميش والإقصاء، على نحو قد ينعكس سلبا على السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي في البلاد. كما أن تهميش الأجيال الشابة يتعارض مع مبدأ الديمقراطية التشاركية، ويصب في خانة ما يصطلح عليه الإقصاء الاجتماعي الموجه ضد الشباب. لذلك، من المهمّ بمكان بلورة إستراتيجية وطنية واضحة المعالم، لإدماج الشباب في الحياة العامة، وتأهيلهم للحياة المهنية، حتّى لا يشعروا بالتمييز السّالب، وحتّى يكون لهم دور فاعل في إقامة أركان دولة ديمقراطية/ مواطنية/ تعدّدية جامعة.