03 يوليو 2019
عن المحتالين العرب في أوكرانيا
على مدى العقدين الأخيرين اللذيْن سبقا انهيار الاتحاد السوفييتي، أي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، استقبلت جامعاته، وتخرج منها ألوف الطلاب العرب. كان الفلسطينيون، من بين هؤلاء، يذهبون إلى هناك، بمنح دراسية مخصصة لفصائل منظمة التحرير، وكان جلهم ينحدرون من فئات اجتماعية فقيرة، لا يستطيع الأهل فيها تغطية نفقات أبنائهم التعليمية، في أي جامعة عربية، أو أوروبية، أو أميركية، فيجدون في الدول الشيوعية ممراً لتغيير واقعهم الاجتماعي، بدراسة تخصصات مغرية للفقراء، كالطب أو الهندسة.
ولست أعرف، في الواقع، معطيات إحصائية محددة، عن أعداد الخريجين الفلسطينيين، أو العرب العائدين من جامعات الدول الاشتراكية، إبّان تلك الحقبة، وإن التقيت كثيرين منهم، بعد أن عادوا، ليعملوا في تخصصاتهم، أو لينخرطوا مناضلين في صفوف فصائل منظمة التحرير التي أوفدتهم أصلاً للدراسة.
لكن ما صرت أعرفه، بعد زيارة إلى أوكرانيا، استغرقت ثمانية أيام، أن ثمة مئات، وربما أكثر، من الطلاب الفلسطينيين والعرب الذين جاؤوها للدراسة، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وبعده، استقروا فيها، لأسباب عديمة الشبه بأسباب هجرة أمثالهم إلى أميركا، أو دول أوروبا الغربية، واستقرارهم الأبدي فيها.
لماذا يبقون، هنا، حيث الفقر والبطالة والفساد، عند كل زاوية ومنعطف. هل في الأمر سر خفي، لا يراه العابر مثلي، وماذا يفعل الغريب، ليعيش، في بلاد طاردة لأبنائها، وتهجرها حتى نساؤها، إلى شتى أصقاع الأرض، ليأكلن، غالباً، بأثدائهن؟
في محاولة العثور على أجوبة لأسئلة كهذه، ستجد قصص نجاح قليلة، لفلسطينيين وسوريين وعراقيين عصاميين، منعتهم من العودة، ظروف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وكذا أحوال القمع في بلاد عربية أخرى، فلم يتوانوا عن شق طريق أخرى في الحياة، ليصيروا سادة ذوي مكانة اجتماعية، واحترام في محيطهم، على الرغم من أنف الواقع الصعب، غير أن مدن أوكرانيا، وهي ليست إلا مثالاً، على أحوال مشابهة، في دول الاتحاد السوفييتي الغابر، تزخر بقصص فشل لفلسطينيين وسوريين وعراقيين آخرين، قرّروا البقاء فيها طوعاً، أو كرهاً، ووجدوا أنفسهم، على هامش الحياة. تسألهم؛ لماذا لا تعودون، فتتعدد الأجوبة، وإن كان أكثرها صراحة ذاك الذي رد به شاب حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، منذ خمس سنوات، ويعمل نادلاً في مقهى، بأجر لا يزيد على ثمانية دولارات يومياً؛ "العاهرة التي تورطت في الزواج منها قبل تخرجي بفترة وجيزة ترفض العودة، ولدي منها ابنتان، لا أستطيع أخذهما رغماً عنها، ولا تركهما. هذه ليست حالي وحدي، وإنما حال معظم هؤلاء العرب الذين تراهم هنا، وإن ادعوا سوى ذلك".
أما قاع هذه الهاوية، أو قل الجزء الذي يمكن لعابر سبيل مثلي، أن يراه بوضوح، فلا تعكسه قصة المهندس الذي صار نادل مقهى، بقدر ما يعبر عنه احتراف عرب كثيرين باقين في أوكرانيا، للنصب والاحتيال، طريقة حياة. ما أن تلتقي أحدهم، حتى يتطوع، ليقدم لك عروضاً مغرية لمساعدتك على السياحة أو الاستثمار أو الهجرة عبر الحدود إلى أوروبا الغربية، وإذ توشك على أن تصدقه، تحت سطوة لقب الدكتور أو المهندس الذي يسبق اسمه، قد يأتيك "ابن حلال" ليحذرك منه، ويحدثك بقصصٍ لا حصر لها، عن عمليات سرقة، أنجزها بعض هؤلاء، بالتعاون مع "مافيات" الفساد المحلية، ولم يقتصر ضحاياها على السياح والمستثمرين العرب، بل بلغت حد سلب لاجئين سوريين وعراقيين كل ما يملكون، في مقابل وعود بتهريبهم إلى هنغاريا، ثم إلقائهم في قرى أوكرانية نائية، بعد رفع علم هنغاريا على أحد مبانيها.
هي ظاهرة قد يحتاج فهمها إلى ما هو أكثر من مقالٍ قصير، لكنها تبدو، بشكل مختصر، ثمرة زواج غير شرعي بين السقوط العربي الذي نعرف عند شواطئ المتوسط، والهزيمة الأوكرانية الماثلة الآن على البحر الأسود.
ولست أعرف، في الواقع، معطيات إحصائية محددة، عن أعداد الخريجين الفلسطينيين، أو العرب العائدين من جامعات الدول الاشتراكية، إبّان تلك الحقبة، وإن التقيت كثيرين منهم، بعد أن عادوا، ليعملوا في تخصصاتهم، أو لينخرطوا مناضلين في صفوف فصائل منظمة التحرير التي أوفدتهم أصلاً للدراسة.
لكن ما صرت أعرفه، بعد زيارة إلى أوكرانيا، استغرقت ثمانية أيام، أن ثمة مئات، وربما أكثر، من الطلاب الفلسطينيين والعرب الذين جاؤوها للدراسة، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وبعده، استقروا فيها، لأسباب عديمة الشبه بأسباب هجرة أمثالهم إلى أميركا، أو دول أوروبا الغربية، واستقرارهم الأبدي فيها.
لماذا يبقون، هنا، حيث الفقر والبطالة والفساد، عند كل زاوية ومنعطف. هل في الأمر سر خفي، لا يراه العابر مثلي، وماذا يفعل الغريب، ليعيش، في بلاد طاردة لأبنائها، وتهجرها حتى نساؤها، إلى شتى أصقاع الأرض، ليأكلن، غالباً، بأثدائهن؟
في محاولة العثور على أجوبة لأسئلة كهذه، ستجد قصص نجاح قليلة، لفلسطينيين وسوريين وعراقيين عصاميين، منعتهم من العودة، ظروف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وكذا أحوال القمع في بلاد عربية أخرى، فلم يتوانوا عن شق طريق أخرى في الحياة، ليصيروا سادة ذوي مكانة اجتماعية، واحترام في محيطهم، على الرغم من أنف الواقع الصعب، غير أن مدن أوكرانيا، وهي ليست إلا مثالاً، على أحوال مشابهة، في دول الاتحاد السوفييتي الغابر، تزخر بقصص فشل لفلسطينيين وسوريين وعراقيين آخرين، قرّروا البقاء فيها طوعاً، أو كرهاً، ووجدوا أنفسهم، على هامش الحياة. تسألهم؛ لماذا لا تعودون، فتتعدد الأجوبة، وإن كان أكثرها صراحة ذاك الذي رد به شاب حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، منذ خمس سنوات، ويعمل نادلاً في مقهى، بأجر لا يزيد على ثمانية دولارات يومياً؛ "العاهرة التي تورطت في الزواج منها قبل تخرجي بفترة وجيزة ترفض العودة، ولدي منها ابنتان، لا أستطيع أخذهما رغماً عنها، ولا تركهما. هذه ليست حالي وحدي، وإنما حال معظم هؤلاء العرب الذين تراهم هنا، وإن ادعوا سوى ذلك".
أما قاع هذه الهاوية، أو قل الجزء الذي يمكن لعابر سبيل مثلي، أن يراه بوضوح، فلا تعكسه قصة المهندس الذي صار نادل مقهى، بقدر ما يعبر عنه احتراف عرب كثيرين باقين في أوكرانيا، للنصب والاحتيال، طريقة حياة. ما أن تلتقي أحدهم، حتى يتطوع، ليقدم لك عروضاً مغرية لمساعدتك على السياحة أو الاستثمار أو الهجرة عبر الحدود إلى أوروبا الغربية، وإذ توشك على أن تصدقه، تحت سطوة لقب الدكتور أو المهندس الذي يسبق اسمه، قد يأتيك "ابن حلال" ليحذرك منه، ويحدثك بقصصٍ لا حصر لها، عن عمليات سرقة، أنجزها بعض هؤلاء، بالتعاون مع "مافيات" الفساد المحلية، ولم يقتصر ضحاياها على السياح والمستثمرين العرب، بل بلغت حد سلب لاجئين سوريين وعراقيين كل ما يملكون، في مقابل وعود بتهريبهم إلى هنغاريا، ثم إلقائهم في قرى أوكرانية نائية، بعد رفع علم هنغاريا على أحد مبانيها.
هي ظاهرة قد يحتاج فهمها إلى ما هو أكثر من مقالٍ قصير، لكنها تبدو، بشكل مختصر، ثمرة زواج غير شرعي بين السقوط العربي الذي نعرف عند شواطئ المتوسط، والهزيمة الأوكرانية الماثلة الآن على البحر الأسود.