عن النسخة التركية من جبران باسيل (1/2)
نعم وبدون مقدمات، هذا التحريض الصريح ليس فقط على كراهية السوريين وإنما على طردهم وإمكانية التسبب بالدعوة إلى قتلهم كما سيتبين لاحقاً، أطلقه نائب سابق في البرلمان التركي يقدم نفسه كقومي محافظ ويتابعه على موقع التدوين المصغر "تويتر" أكثر من مليون إنسان.
سنان أوغان، سياسي تركي ولد في ولاية إغدر عام 1967، حائز على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من إحدى الجامعات الروسية، ويدير حالياً مركزاً للدراسات يعنى بالقضايا السياسية و"قضايا اللجوء".
طُرِد سنان أوغان من حزب الحركة القومية الذي يترأسه السياسي التركي المخضرم دولت بهتشلي مرتين، الأولى في عام 2015 في خضم جولات الانتخابات البرلمانية التي جرت ذلك العام، ليعود إليه بشكل غير رسمي إثر وساطات من قبل بعض القوميين لدى زعيم الحزب قبل أن يطرد مرة أخرى في عام 2017 فيما فسر لاحقاً بمعارضة أوغان لسياسة التقارب التي انتهجها بهتشلي تجاه حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ومنذ طرد أوغان من حزبه تفرغ بشكل تام لمهاجمة اللجوء السوري في تركيا، حيث حول حسابه الرسمي الموثق على موقع تويتر إلى منصة للتحريض على السوريين من دون أن يوفر أطفالهم من خطابه القائم على احتقار السوريين واعتبارهم بشراً من درجة أدنى.
عنصرية فقط أم "ممانعة"؟
عند تفكيك خطاب سنان أوغان حول السوريين نجده يرتكز على محورين أساسيين ينتهيان بالمحصلة إلى نتيجة واحدة وهي الحؤول دون تعاطف الشارع التركي ليس مع اللاجئين فقط وإنما مع الثورة السورية ضد نظام الأسد، والمحوران هما:
- إظهار السوريين على أنهم شعب سيئ بالتكوين وبالمجمل بالتعريض بنظرية "العرب الخونة" والتي يتبناها العديد من القومجيين المتطرفين.
- إظهار الوجود السوري على أنه خطر وجودي يهدد الجمهورية التركية.
قد يظن القارئ العربي -صاحب النظرة الوردية لتركيا- أن في ما سبق مبالغةً وأن المشهد السياسي التركي لا يمكن أن يحتوي على اتجاه بهذه العنصرية، لكن استعراض منهجية أوغان - يظهر أمامها الوزير اللبناني جبران باسيل هاوياً في ميدان العنصرية- تدلل بوضوح على أن هذا الرجل لا يعمل وحده وإنما هو جزء من مشروع المعارضة التركية الموالية لـمحور "الممانعة". إلا أن خطورة سنان أوغان أنه وبخلاف بقية "الممانعين" الأتراك الذين أعلن بعضهم من دون خجل أنه سيقف مع الأسد أو إيران في حال اندلاع حرب بينهما وبين بلادهم تركيا، فإن سنان أوغان يقدم نفسه كأحد صقور القوميين الأتراك الذين يتخذون دائماً مواقف قوية تجاه أعداء الجمهورية التركية.
لكن بعض التدقيق يؤكد أن أعلى شعب الإيمان عند الرجل استبعاد بشار الأسد وإيران من دائرة العداء لتركيا، والتركيز على السوريين وكل القوى المناهضة لمحور "الممانعة".
الانتخابات التركية والتصعيد الروسي في إدلب:
شهدت فترة الانتخابات البلدية التركية التي أجريت في آذار/مارس الماضي نشاطاً منقطع النظير لسنان أوغان ومجموعاته في الهجوم على السوريين والدعوة لطردهم من البلاد، وتكرر الأمر في جولة الإعادة لبلدية إسطنبول الكبرى والتي تزامنت مع بدء حملة الروس والنظام الأخيرة على إدلب.
بالنظر إلى موقف "باسيل تركيا" من هذين الحدثين، قد لا يجد المتابع العربي صعوبة في تفسير سلوك سياسي طائفي اتخذ من القومية غطاءً شعاراتياً لتمرير مشروعه، فقد خبره السوريون واللبنانيون مذ تعرفوا إلى "الممانع" حافظ الأسد قبل عقود ثم صدقهم كثير من العرب بعد اندلاع الثورة السورية. أما في تركيا فيعد الحديث عن الطائفية والمذهبية من المحرمات التي يفرضها المجتمع لا الدولة تحت طائلة المزايدة بشعارات الهوية التركية التي يجب أن تذوب وتضمر دونها كل الانتماءات.
خلال هذه الفترة تصدّر حملة أوغان "الغوبلزية" نوعان من المنشورات، الأول يركز على دعم مرشح حزب الشعب الجمهوري لانتخابات بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، والثاني هو الهجوم على السوريين والدعوة إلى طردهم باستغلال حوادث متفرقة ومقتطعة من سياقها ليذهب في تغريدة نشرها بتاريخ 28 أيار الفائت إلى أن الوجود السوري أصبح خطراً يهدد "بقاء تركيا" حيث غرد قائلاً: "عدد الجنود في تركيا 340850 فرداً، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن عدد السوريين من حملة السلاح والذين تتراوح أعمارهم بين 19-54 عاماً بلغ رسمياً مليون فرد ينتشرون في 81 ولاية تركية، هذه قضية لا يمكن القبول بها بالنسبة للأمن القومي، إلى الباحثين عن مسألة البقاء في الانتخابات البلدية، هذه هي مسألة البقاء الحقيقية"!
لم يقل سنان أوغان في تغريدته "السوريون القادرون على حمل السلاح" وإنما قال "حملة السلاح"، وأرفقها بصورة لمجموعة من الشباب على أحد الشواطئ التركية يقال إنهم سوريون، فالرجل يرسل إيحاء بنكهة كوميدية سوداء لكنه يجد صداه عند مئات الآلاف من متابعيه الذين يؤكدون أن تركيا أصبحت تحت احتلال "عربي" سوري!
ورغم عدم الربط الظاهري من قبله بين المسألتين -الانتخابات والوجود السوري- فإن سنان أوغان كان يتعمد الترتيب والتبديل بين المنشورات بهدف تأجيج مشاعر الكراهية لدى الشبيبة القومية وسحب تأييد من يستطيع منهم لمرشح الحزب الحاكم عن طريق تحميل الحزب مسؤولية استقبال ذلك "الخطر الوجودي" على الدولة التركية والمتمثل بالسوريين.
كما أن الهجوم المركز على السوريين يعفي أوغان من الإجابة عن السؤال البديهي الذي يجب أن يوجه له من شبيبة التيار القومي المحافظ، وهو كيف لسياسي "قومي" أن يدعم مرشحاً دخل بشراكة انتخابية علنية مع حزب الشعوب الديمقراطي والذي يعلن بصراحة تأييده لحزب العمال الكردستاني المسؤول عن قتل عشرات الآلاف من الأتراك خلال سنوات الصراع الطويلة وفرعه السوري وحدات الحماية الكردية التي ما تزال تقاتل الجيش التركي حتى الآن، كما أن زعماء ذلك الحزب أعلنوا بصراحة دعوتهم إلى تقسيم تركيا ولا يتحرجون من إطلاق اسم كردستان على مناطق جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية.