عن تسخير الفن طائفياً
على الرغم من أنني من المغرمين بالأفلام والمسلسلات التاريخية العربية والإسلامية، وبالأعمال الفنية التاريخية عموماً، فإنني خرجت هذا الموسم عن المألوف، وعن المعتاد في متابعاتي الفنية، بعد أن خلت الساحة، في السنوات الأخيرة، من كل المشاريع الفنية التاريخية ذات المستوى المعتبر، كما كان في فترة الثمانينيات والتسعينيات، والتي أثرت فينا وفي جيلنا، بشكل كبير، وجعلتنا ننظر إلى تاريخنا بشكل مختلف عن الذي قدم لنا في المناهج التربوية التعليمية الرسمية "الجافة".
وأستحضر هنا أساساً، أعمالاً ما زالت أمجادها تتراقص أمامي، مثل مسلسل "الفرسان" الذي يحكي عن سيرة المظفر قطز، بمعية "الظاهر بيبرس" الذي قاد الأمة إلى إيقاف زحف "التتار" في معركة بطولية اسمها "عين جالوت"، والمسلسل الرائع "عمر بن عبد العزيز" الذي يتحدث عن سيرة الخليفة العادل حفيد الصحابي الجليل، عمر بن الخطاب، وما تلا ذلك من مسلسلات مشرقية، تتحدث عن المغرب الأقصى وبطولات أبنائه (معركة الزلاقة جنوب أوروبا، ومعركة وادي المخازن شمال المغرب، وبسط المغاربة سيطرتهم على كل الغرب الإسلامي الذي امتد من الأندلس شمالاً إلى وادي السنغال جنوبا) في قالب فني رائع ومتميز.
الاستثناء أنني استثمرت مناسبة احتفال "الشيعة" بعاشوراء على طريقتهم، وما يوازيه من عرض عشرات الأعمال الفنية على قنواتهم التلفزيونية التي تنهل من تاريخ "الشيعة"، وتمجد الشخصيات المؤسسة لتيارهم لدرجة الأسطورة، وتعمل كل ما في وسعها، لإظهار "أهل السنة" أهل ضلالة وجهالة، ما يؤكد أن جهات تعتمد على الفن أسلوباً في التأثير والتجييش والاستقطاب المذهبي المقيت. العمل الفني الذي تقدمه قنوات تقدم نفسها على أنها "شيعية" يثير الإعجاب حقيقة باستعماله لمختلف التعبيرات الفنية المتاحة، من أجل فكره ومذهبه، فهو يعتمد على المظلومية منهجاً، وعلى محاولة دغدغة العواطف أسلوباً، مع جعل شعار "الثأر للحسين" العمود الفقري لفكرة أي عمل فني.