تنتظم الأربعاء المقبل في تونس جلسة برلمانية تبحث عريضة تقدمت بها كتل، بعضها من المعارضة وأخرى في الحكم (الحزب الحر الدستوري وقلب تونس والإصلاح والمستقبل)، وتساندها في المبدأ أحزاب من الائتلاف الحكومي، الشعب والتيار الديمقراطي. وستنظر الجلسة في الدبلوماسية البرلمانية وعلاقتها بالملف الليبي، وهي تسمية مقنّعة تعني في الحقيقة مساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي وحزبه حركة النهضة، بسبب اتصاله برئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج.
وستنتصب مائدة نهش اللحم المتبادل، التي يبدو أنها أصبحت هواية حزبية في تونس بمناسبة ومن دون مناسبة. وسينزل الجميع ضرباً بالجميع، لتنتهي جلسة الصراخ كسابقاتها على لا شيء. ولا يتعلق الأمر بمساءلة الغنوشي من عدمها، أو بأحقيته في الاتصال بالسراج من عدمه، وإذا كان أخطأ في ذلك أم لا، فقد يكون كل ذلك صحيحاً ومحقاً، لكن الجميع تأذى من عملية النهش المتبادلة المستمرة منذ سنوات، دون كلل أو ملل، ودون أن ينتبه المدافعون عن الثورة خصوصاً إلى أنهم بصدد هتك أنفاسهم الأخيرة، أمام ما يتهددها من الداخل والخارج. لكن العمى الإيديولوجي، والخلافات المجمدة في كتب بالية منذ عقود، تمنعهم على الأرجح من النظر إلى حقيقة الأمور، وإلى أن الجميع سيخسر.
والمتابع لعلاقات الائتلاف الحاكم اليوم في تونس يلحظ ما هو فوق السياسة بكثير، يصل إلى مراتب الحقد المتبادل والشماتة، إذ يفتح، مع أول سقطة الكل نار ذبابهم الإلكتروني على الجميع، لتُهتك الأعراض بين أنصارهم وتسمع ما لا يصدق ولا يمتّ للسياسة بصلة. وحتى أن المتابع يتساءل أحياناً، ماذا يفعل هؤلاء بمعارفهم السياسية وكتبهم ونظرياتهم التي درسوها عن المجتمعات وتنميتها والرقي بها؟ وأين ذهب كل ذلك الأدب أمام قلة الأدب التي نقرأها للبعض أحياناً؟
تُضيّع أحزاب الثورة الفرصة بعد الأخرى، لتثبت للمشككين فيها أنهم مخطئون، وتمنحهم فرصة بعد الأخرى للعب على تناقضاتهم واستغلالها وغرس مزيد من الأسافين بينهم، وهم لا يدركون أنهم جميعاً يخسرون مساحات سياسية لا تُسترجع، وأن التونسيين يتابعون هذه السجالات والخلافات التي تسقط أحياناً تحت خط المتقبل وحتى الأخلاقي، وأن غير التونسيين أيضاً يتابعون، بعضهم يتلهف لتنجح هذه التجربة حتى تصلهم نسائمها، وآخرون لا يهدؤون ليل نهار، ويبذلون الغالي لإسقاطها نهائياً وطي فكرة أن ينتخب عربي يوماً حكامه.