23 اغسطس 2024
عن حديث المصالحة الوطنية يمنياً
حديث المصالحة الوطنية ذو شجون في هذه اللحظة اليمنية الأكثر تعقيدا، ومدلولات هذا الحديث الذي يتعلق بتحولات مجتمعات ما بعد الحرب والاقتتال، تلك المجتمعات المثخنة بجراحاتٍ وتشظيات كبيرة في صلب النسيج المجتمعي اليمني الذي دمرته الحرب، وساهمت الأطراف المفجرة للحرب في تطييفه دافعة بالمجتمع اليمني إلى مربعات ما قبل الدولة.
ثم فجأة، وبغير سابق إنذار، تقفز على سطح المشهد دعوات لمصالحة وطنية في حربٍ لم تنته بعد، بقدر ما دخلت طوراً جديدا أكثر تعقيدا من بداياتها. هذا المسار اليوم، على الرغم من كل الدوافع التي يراد الضغط من خلالها باتجاه الذهاب نحو مسار التسوية المنقوصة، تحت شعار المصالحة الوطنية وستارها، فيما الأمر أكبر من مجرد مصالحة وطنية، وإنما شرعنة الانقلاب، والقبول بشبه دولة محكومة، وتديرها مليشيات طائفية مذهبية، لا وجود ولا إيمان لديها بمفهوم الدولة في أدبياتها.
لكن، لا تخفي دعوة المصالحة فكرة البحث عن مخرج لهذه الحرب، من دون انتصار طرفٍ على آخر على الأقل، كأهم هدف وراء الحديث عن مصالحة وطنية في ظل كل هذه التعقيدات بالنسبة للانقلابيين أولاً الذين يخسرون يوميا، وعلى كل المستويات، وأهمها المستوى السياسي الذي حرمهم من أي اعترافاتٍ دولية بهم كسلطة أمر واقع، عدا عن حالة الشد والجذب بين طرفي هذا الحلف الانقلابي، كلما طالت الحرب، وضاق الخناق من حول الانقلابيين الذين لا يخدمهم شيء، مثلما يخدمهم قرار عدم الحسم العسكري، وفشل أداء الشرعية في مناطق وجودها المحرّرة، وكولسات أجندة التحالف العربي ذاته.
إذن، جزء من الحديث عن مصالحة وطنية نابع من مطلب داخلي لأحد أطراف التحالف الانقلابي، كما هو مطلب خارجي لطرفٍ في التحالف العربي، يرى أن معظم أجنداته تحققت. والمقصود هنا الإمارات التي ترى أن الحرب حتى اللحظة ضمنت لها نفوذا كبيرا في جنوب اليمن، وأن بقاء نفوذها جنوبا مرهونٌ بترتيب مصالحة وطنية شمالاً، تضمن عودة نظام علي عبدالله صالح، من خلال ولده المقيم لديها في أبو ظبي، والذي تقدّمه الإمارات منقذا للمأزق اليمني شمالاً.
فمن ملامح هذا التوجه، بادر جزء من البرلمان المؤيد للانقلاب في صنعاء بإعلان مبادرة
مصالحة وطنية، لا تستثني أحدا، تلك المبادرة التي رفضتها تماما جماعة الحوثي، وشنت حملة شعواء عليها، لإدراكها أنها، أي الجماعة الحوثية، ستكون الخاسر من أي مصالحةٍ خارج إطار الاعتراف بمكاسبها والبناء عليها. أما صالح الذي لوّح بهذه المبادرة، من خلال أنصاره في مجلس النواب، فهو يدرك أنه خسر سياسياً الكثير، وأنه لا بد أن يخضع ويسجل نقطة حضور، من خلال التلويح بالمصالحة والسلام، ولكن من دون رؤية واضحة لماهية هذه المصالحة التي لم تتطرق بنودها لأي شيء سابق لهذه المبادرة، وخصوصا ما يتعلق بعدم تطرّقها لمسألة المرجعيات الثلاث التي عمدت بقرار دولي واضح، ممثلاً بالقرار 2216، وما سبقه ولحقه من بيانات للأمم المتحدة ومبعوثيها إلى اليمن، والتي تركز معظمها على المرجعيات الثلاث التي أجمعت حول الانسحاب وتسليم السلاح وعودة المسار السياسي.
لكن الإشكالية اليوم أن الطرف الداخلي، ممثلا بالرئيس المخلوع صالح، يسعى جاهدا إلى الحفاظ على نفوذ سياسي لأسرته في المرحلة المقبلة، هذا النفوذ الذي يعزّزه الموقف الإماراتي، واشتغالها عليه، فيما يتعلق بسير الحرب وفواعلها الرئيسيين، ومستقبل الأطراف المغضوب عليهم إماراتيا، وهذا يزيد أكثر في تعقيد المشهد المعقد أصلاً.
عدا عن ذلك، داخليا، شروط إيقاف الحرب ليست بذلك التعقيد الذي قد يظهر لبعضهم،
وخصوصا أن من يعلن ويرفع راية المصالحة بيده مشعلا للحرب، بيده إيقافها من خلال وقف الأعمال القتالية من طرف واحد، وفك الحصار عن المدن المحاصرة، مثل تعز، وانسحاب مليشياته منها، وبعد ذلك ستكون الدعوة إلى المصالحة أكثر مصداقيةً وجديةً منها الآن، حيث لا تعني شيئا بالنسبة لمن يعانون ويلات هذه الحرب، ويذوقون مراراتها يوميا.
من هذا المدخل، ومنه فقط، يمكن الحديث عن إمكانية مصالحة وطنية، تضمن عدالة تصالحية للجميع. بغير هذا، ستزداد الأمور تعقيدا أكثر مما هي عليه الآن، خصوصا أن كثيرا من أجندات بعض أطراف التحالف بدأت بالانكشاف، وبدأت خيوطها المخفية بالظهور للعلن، تلك الأجندات التي تمثل جزءاً من سير معركة الثورة المضادة ضد ثورات الربيع الديمقراطي العربي الذي انطلقت شرارته من تونس.
خارجيا، سيكون تضارب أجندات شركاء التحالف، وإن لم تظهر على السطح حتى اللحظة، أهم عقبة أمام أي توجه إلى مصالحة يمنية يمنية، بالنظر إلى أن أولويات شركاء التحالف متناقضة ومتضاربة، خصوصا فيما يتعلق بملف الجنوب ومستقبله، أو الشمال وحكامه، عدا عن هذا، الأهم هو عدم حسم المعركة عسكريا حتى الآن، ما يجعل فكرة المصالحة الوطنية في ظل تناقضات الفاعلين المحليين، ومن يقف خلفهم، فكرة غير قابلة للتحقيق مطلقا. ولا يعني هذا قطعا أن اليمنيين جميعهم، شرعية وانقلابا، فقدوا البوصلة وإلى النهاية، بقدر ما يعني أن تناقضاتهم واستمرارها عقبة كبيرة أمام إنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية، فضلا عن إعاقته أي مسار تفاوضي تصالحي قادم، ما لم يأخذ في اعتباره تعقيدات المشهد الداخلي اليمني، واستحقاقات هذه المرحلة بكل تناقضاتها وسياقاتها، وإلا فإنها، أي الأزمة اليمنية، ستكون بمثابة متاهة كبيرة للجميع في الداخل والخارج، وإن المتضرّر الأكبر من هذه المتاهة وحدها هي العربية السعودية، الهدف المباشر للنفوذ الإيراني والأجندات الإماراتية، كليهما معا.
ثم فجأة، وبغير سابق إنذار، تقفز على سطح المشهد دعوات لمصالحة وطنية في حربٍ لم تنته بعد، بقدر ما دخلت طوراً جديدا أكثر تعقيدا من بداياتها. هذا المسار اليوم، على الرغم من كل الدوافع التي يراد الضغط من خلالها باتجاه الذهاب نحو مسار التسوية المنقوصة، تحت شعار المصالحة الوطنية وستارها، فيما الأمر أكبر من مجرد مصالحة وطنية، وإنما شرعنة الانقلاب، والقبول بشبه دولة محكومة، وتديرها مليشيات طائفية مذهبية، لا وجود ولا إيمان لديها بمفهوم الدولة في أدبياتها.
لكن، لا تخفي دعوة المصالحة فكرة البحث عن مخرج لهذه الحرب، من دون انتصار طرفٍ على آخر على الأقل، كأهم هدف وراء الحديث عن مصالحة وطنية في ظل كل هذه التعقيدات بالنسبة للانقلابيين أولاً الذين يخسرون يوميا، وعلى كل المستويات، وأهمها المستوى السياسي الذي حرمهم من أي اعترافاتٍ دولية بهم كسلطة أمر واقع، عدا عن حالة الشد والجذب بين طرفي هذا الحلف الانقلابي، كلما طالت الحرب، وضاق الخناق من حول الانقلابيين الذين لا يخدمهم شيء، مثلما يخدمهم قرار عدم الحسم العسكري، وفشل أداء الشرعية في مناطق وجودها المحرّرة، وكولسات أجندة التحالف العربي ذاته.
إذن، جزء من الحديث عن مصالحة وطنية نابع من مطلب داخلي لأحد أطراف التحالف الانقلابي، كما هو مطلب خارجي لطرفٍ في التحالف العربي، يرى أن معظم أجنداته تحققت. والمقصود هنا الإمارات التي ترى أن الحرب حتى اللحظة ضمنت لها نفوذا كبيرا في جنوب اليمن، وأن بقاء نفوذها جنوبا مرهونٌ بترتيب مصالحة وطنية شمالاً، تضمن عودة نظام علي عبدالله صالح، من خلال ولده المقيم لديها في أبو ظبي، والذي تقدّمه الإمارات منقذا للمأزق اليمني شمالاً.
فمن ملامح هذا التوجه، بادر جزء من البرلمان المؤيد للانقلاب في صنعاء بإعلان مبادرة
لكن الإشكالية اليوم أن الطرف الداخلي، ممثلا بالرئيس المخلوع صالح، يسعى جاهدا إلى الحفاظ على نفوذ سياسي لأسرته في المرحلة المقبلة، هذا النفوذ الذي يعزّزه الموقف الإماراتي، واشتغالها عليه، فيما يتعلق بسير الحرب وفواعلها الرئيسيين، ومستقبل الأطراف المغضوب عليهم إماراتيا، وهذا يزيد أكثر في تعقيد المشهد المعقد أصلاً.
عدا عن ذلك، داخليا، شروط إيقاف الحرب ليست بذلك التعقيد الذي قد يظهر لبعضهم،
من هذا المدخل، ومنه فقط، يمكن الحديث عن إمكانية مصالحة وطنية، تضمن عدالة تصالحية للجميع. بغير هذا، ستزداد الأمور تعقيدا أكثر مما هي عليه الآن، خصوصا أن كثيرا من أجندات بعض أطراف التحالف بدأت بالانكشاف، وبدأت خيوطها المخفية بالظهور للعلن، تلك الأجندات التي تمثل جزءاً من سير معركة الثورة المضادة ضد ثورات الربيع الديمقراطي العربي الذي انطلقت شرارته من تونس.
خارجيا، سيكون تضارب أجندات شركاء التحالف، وإن لم تظهر على السطح حتى اللحظة، أهم عقبة أمام أي توجه إلى مصالحة يمنية يمنية، بالنظر إلى أن أولويات شركاء التحالف متناقضة ومتضاربة، خصوصا فيما يتعلق بملف الجنوب ومستقبله، أو الشمال وحكامه، عدا عن هذا، الأهم هو عدم حسم المعركة عسكريا حتى الآن، ما يجعل فكرة المصالحة الوطنية في ظل تناقضات الفاعلين المحليين، ومن يقف خلفهم، فكرة غير قابلة للتحقيق مطلقا. ولا يعني هذا قطعا أن اليمنيين جميعهم، شرعية وانقلابا، فقدوا البوصلة وإلى النهاية، بقدر ما يعني أن تناقضاتهم واستمرارها عقبة كبيرة أمام إنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية، فضلا عن إعاقته أي مسار تفاوضي تصالحي قادم، ما لم يأخذ في اعتباره تعقيدات المشهد الداخلي اليمني، واستحقاقات هذه المرحلة بكل تناقضاتها وسياقاتها، وإلا فإنها، أي الأزمة اليمنية، ستكون بمثابة متاهة كبيرة للجميع في الداخل والخارج، وإن المتضرّر الأكبر من هذه المتاهة وحدها هي العربية السعودية، الهدف المباشر للنفوذ الإيراني والأجندات الإماراتية، كليهما معا.