03 سبتمبر 2024
عن حل المجلس التشريعي الفلسطيني
سامية عيسى
في غياب أي إرادةٍ سياسيةٍ، أو شعبيةٍ، لوقف التدهور الذي تشهده الساحة الفلسطينية على المستويات كافة، هل تشكل خطوة حل المجلس التشريعي (المنتهية ولايته أصلا)، غير القانونية، الشعرة التي ستقصم ظهور الفلسطينيين، وتؤسس لمرحلة جديدة من الخراب، ربما لن يتمكّن الشعب الفلسطيني بعدها من الوقوف على قدميه، سيما مع انتهاء ولاية الرئاسة الفلسطينية أيضاً، أم هي الشعرة التي ستقصم بعير الخراب، وتمهد لصحوة فلسطينية شاملة؟
السؤال بحد ذاته مرعب، ولكنه مشروع بامتياز، فأساس أي دولةٍ أن تحتكم للقانون الذي يخضع له الجميع. ووفق عقد اجتماعي ينظم آليات الحكم، تحت مبدأ فصل السلطات في النظم الديمقراطية. ويفترض أن السلطة الفلسطينية في مرحلة انتقالية، للوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ذات نظام ديمقراطي. وفي النظم الديمقراطية كافة، يعتبر البرلمان، أو المجلس التشريعي المنتخب من الشعب، هو أعلى سلطة. ووظيفته أن يشرّع، وأن يراقب تنفيذ التشريعات، ويحاسب كل مسؤول عن أي خرق للقانون.
ما حدث ويحدث منذ انتخب المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية كبيرة لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هو انقلاب خطير، وبداية التأسيس للخراب، خراب مشروع بناء الدولة
الفلسطينية الديمقراطية المستقلة، بغض النظر عن حيثيات اتفاق أوسلو المشؤوم وتربّص إسرائيل الدائم والمتوقع لإفشال هذا المشروع، وتواطؤ التحالفات والتقاطعات الإقليمية والدولية، ضمنا أو علنا، مع إسرائيل. كانت لدى السلطة فرصة أن تبني الدولة الفلسطينية المستقلة، لكنها أخفقت، حين رفضت الامتثال لنتائج انتخابات المجلس التشريعي، ومن ثم قامت بتجميد دوره المناط به. كانت نقطة البداية للتأسيس لخراب المشروع، طبعا ضمن عوامل أخرى سياسية وذاتية، لا تسمح هذه المقاربة بذكرها تجنّبا للتشتيت.
ربما كثيرون لا يؤيدون حركة حماس، لكن هذا لا يعفي المواطنين الفلسطينيين والقوى السياسية من غض الطرف واللامبالاة إزاء القفز على نتائج الانتخابات، كما يفترض أن يحدث في أي بلد ديمقراطي، فكيف يحدث هذا في ديمقراطيةٍ ناشئةٍ، تتنازع أصلا مع عدو يتقدم عليها في ديمقراطيته، على الرغم من جرائمه واحتلاله وعنصريته الفاقعة. لهذا تشكلت من حال اللامبالاة وغض الطرف عن خرق القانون، فضلا عن الفساد المستشري وإساءة استخدام السلطة، والتخبط السياسي والانقسام الذي كان النتيجة المنطقية للانقلاب على نتائج الانتخابات أساسا، تشكلت كرة من نار، تحرق المشروع رويدا رويدا، وهو لا يزال في مرحلة الحبو. وقام من انقلبوا على نتائج الانتخابات (رفضتها إسرائيل أولا) بحشد الدعم الدولي لهذا الانقلاب على الديمقراطية الفلسطينية الناشئة، بدءا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وليس انتهاء بدول عربية ما تزال نشاطاتها، الخفية أو المعلنة، تساهم في دعم الانقلاب على المشروع الفلسطيني، لبناء ديمقراطيته الوطنية، شرطا أساسا يمنح الفلسطينيين القوة الذاتية لتقرير مصيرهم كله مستقبلا. أعني بذلك عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتثبيت بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ورعاية مصالح الفلسطينيين في كل تجمعاتهم، لتشكل بذلك مرجعيةً قانونيةً لهم على مستويي الداخل والشتات. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك، حين يقوم القيمون على تنفيذ مشروع بناء هذه الدولة بانقلابٍ غير قانوني آخر وأكثر خطورة؟ وعلى أهم مؤسساتها، وهي مؤسسة المجلس التشريعي، الممثل لإرادة الشعب؟ ليست المسألة تأييد حركة حماس أو حركة فتح. المسألة هي تأييد إرادة الشعب الفلسطيني، وخياراته الانتخابية مهما كانت. المسألة أن أي شعبٍ يُفترض أن يناضل من أجل دعم ديمقراطيته، واحترام من يختلف معه في السياسة أو العقيدة. ولهذا، كان غض الطرف عن خرق القانون، وقفز أبناء الشعب الفلسطيني على نتائج الانتخابات، نوعا من تدنٍّ في الوعي الديمقراطي، إن لم نقل تخاذلا خطيرا تقف وراءه لقمة عيش زائف، وغياب بصيرة واستسلام لقوى الأمر الواقع، ومن وراءها من المانحين الذين يقفون خلف سلطة رام الله، ليس حبا فيها، بل لدفعها إلى تنفيذ ما خفي من العوامل، أو الدوافع التي قام اتفاق أوسلو من أجلها، وفي مقدمتها تمزيق الإرادة الجامعة للشعب الفلسطيني، ورهن خياراته ولقمة عيشه بالمانحين، وإيجاد العوامل المؤدية إلى الانقسام بين سلطةٍ في رام الله بقيادة حركة فتح وسلطة في غزة بقيادة "حماس". كلاهما تواطآ على الانقسام الذي يتجلى يوما بعد يوم أنه تواطؤ على تقاسم المنافع، بات واضحا للعيان وضوح الشمس وأشياء أخرى، لها علاقة وثيقة بما تسمى صفقة القرن، يشترك فيها كل داعمي طرفي الانقسام.
حل المجلس التشريعي خطوة مريبة ومتقدمة جدا في تكريس الانقسام جغرافيا وسياسيا، بما يمهد لإنهاء القضية الفلسطينية بعد عقود من التجارب النضالية المتعثرة التي قدم فيها الشعب الفلسطيني تضحيات خيرة أبنائه وبناته، وخسارات تفوق المخيلة الإنسانية، في سياق يبدو ممتدا ولا يتوقف إلى أن يعم خرابٌ لا عودة منه ولا مفر. فيما الشعب الفلسطيني ما زال يتخبط ويتذمر تذمر العاجز فاقد البصر والبصيرة، وإنْ تحرّك لفعل شيء فغالبا ما يطغى على تحرّكاته الطابع العاطفي والآني قصير الأمد، أو تحرّكاتٍ خبط عشواء من تصب! لا تصب حتى في تراكم كمّي، وفق خطةٍ واضحةٍ طويلة الأجل، تؤدّي إلى تحوّل نوعي، فعلى مستوى الشارع، أو الطليعة الشبابية الصامتة، غالبا كانت النضالات تأخذ طابعا موسميا، يفتقد التنظيم طويل الأمد، لكن ما يحدث من تطوراتٍ مرعبة على المستوى العربي ينذر بمزيدٍ من التدهور ويتطلب من الفلسطينيين مزيدا من العمل النضالي النوعي لاستباق ما يخطط لهم في الخفاء.
حل المجلس التشريعي غير القانوني خطوة متقدمة في رفع منسوب التدهور في حياة
الفلسطينيين، وفي مسار القضية الفلسطينية. هي أمر جلل، والسكوت عنه، وعدم إعلان عصيانه قبل توفير مجلس تشريعي جديد منتخب يبدو بمثابة استسلامٍ لنهج ساسة فلسطينيين فاسدين في غزة ورام الله ومنظمة التحرير. ومعه قد تصبح كل الاعتراضات والانتقادات، المعلنة وغير المعلنة، غير ذات قيمة إنْ لم تُقرن بالعصيان الشعبي، المتزامن، لسلطتي رام الله وغزة، الذين يخدمون بانقسامهم مصالح إسرائيل، وعوا ذلك أم لم يعوا. تنذر الأوضاع بهذا العصيان. الكلام الجميل والتحليلات المنمّقة لم تعد تجدي الآن، بعد هذه الخطوة الخطيرة. سيما أن الخراب الشامل الذي تحمله معها هو فرصة أخيرة لجرسٍ يقرع بشدة من أجل "صحوة فلسطينية"، تنتظر شعاع فجر جديد.
قد يكون النداء الأخير، سيما أن الشارع الفلسطيني سئم من نفسه، ومن مواصلة حالة اللامبالاة، وبحسب مراقبين كثيرين، سواء في الضفة أو غزة وحتى مخيمات اللجوء، المهملة والمهمشة ليس محليا أو دوليا، بل فلسطينيا أيضا. على الرغم من الخشية من أن يؤدي العصيان الشعبي إلى منزلقاتٍ خطيرة، في ظل الظروف السياسية والمعيشية والمعنوية الصعبة والمعقدة، والذي يتطلب استعدادا وتنظيما نوعيين، كي لا يؤول مآل "العصيان" أو "الانتفاضة القادمة على قوى الأمر الواقع" إلى المآلات التي آل إليها الربيع العربي. ولكن هناك من يدرك خطورة هذه المنزلقات، لكنه يعي أيضا أن الشعب الفلسطيني لم يعد يملك شيئا ليخسره، أو يخشى من المجازفة به، سيما حين تحسب المجازفة بدقة، وقبل فوات الأوان. الشارع الفلسطيني يغلي، ولسان حال طليعته المستترة التي تعد العدة لتنظيم نفسها، وتوحيد صفوفها يقول: لم يعد لدينا ما نخسره. إننا أساسا في القاع.
ما حدث ويحدث منذ انتخب المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية كبيرة لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هو انقلاب خطير، وبداية التأسيس للخراب، خراب مشروع بناء الدولة
ربما كثيرون لا يؤيدون حركة حماس، لكن هذا لا يعفي المواطنين الفلسطينيين والقوى السياسية من غض الطرف واللامبالاة إزاء القفز على نتائج الانتخابات، كما يفترض أن يحدث في أي بلد ديمقراطي، فكيف يحدث هذا في ديمقراطيةٍ ناشئةٍ، تتنازع أصلا مع عدو يتقدم عليها في ديمقراطيته، على الرغم من جرائمه واحتلاله وعنصريته الفاقعة. لهذا تشكلت من حال اللامبالاة وغض الطرف عن خرق القانون، فضلا عن الفساد المستشري وإساءة استخدام السلطة، والتخبط السياسي والانقسام الذي كان النتيجة المنطقية للانقلاب على نتائج الانتخابات أساسا، تشكلت كرة من نار، تحرق المشروع رويدا رويدا، وهو لا يزال في مرحلة الحبو. وقام من انقلبوا على نتائج الانتخابات (رفضتها إسرائيل أولا) بحشد الدعم الدولي لهذا الانقلاب على الديمقراطية الفلسطينية الناشئة، بدءا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وليس انتهاء بدول عربية ما تزال نشاطاتها، الخفية أو المعلنة، تساهم في دعم الانقلاب على المشروع الفلسطيني، لبناء ديمقراطيته الوطنية، شرطا أساسا يمنح الفلسطينيين القوة الذاتية لتقرير مصيرهم كله مستقبلا. أعني بذلك عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتثبيت بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ورعاية مصالح الفلسطينيين في كل تجمعاتهم، لتشكل بذلك مرجعيةً قانونيةً لهم على مستويي الداخل والشتات. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك، حين يقوم القيمون على تنفيذ مشروع بناء هذه الدولة بانقلابٍ غير قانوني آخر وأكثر خطورة؟ وعلى أهم مؤسساتها، وهي مؤسسة المجلس التشريعي، الممثل لإرادة الشعب؟ ليست المسألة تأييد حركة حماس أو حركة فتح. المسألة هي تأييد إرادة الشعب الفلسطيني، وخياراته الانتخابية مهما كانت. المسألة أن أي شعبٍ يُفترض أن يناضل من أجل دعم ديمقراطيته، واحترام من يختلف معه في السياسة أو العقيدة. ولهذا، كان غض الطرف عن خرق القانون، وقفز أبناء الشعب الفلسطيني على نتائج الانتخابات، نوعا من تدنٍّ في الوعي الديمقراطي، إن لم نقل تخاذلا خطيرا تقف وراءه لقمة عيش زائف، وغياب بصيرة واستسلام لقوى الأمر الواقع، ومن وراءها من المانحين الذين يقفون خلف سلطة رام الله، ليس حبا فيها، بل لدفعها إلى تنفيذ ما خفي من العوامل، أو الدوافع التي قام اتفاق أوسلو من أجلها، وفي مقدمتها تمزيق الإرادة الجامعة للشعب الفلسطيني، ورهن خياراته ولقمة عيشه بالمانحين، وإيجاد العوامل المؤدية إلى الانقسام بين سلطةٍ في رام الله بقيادة حركة فتح وسلطة في غزة بقيادة "حماس". كلاهما تواطآ على الانقسام الذي يتجلى يوما بعد يوم أنه تواطؤ على تقاسم المنافع، بات واضحا للعيان وضوح الشمس وأشياء أخرى، لها علاقة وثيقة بما تسمى صفقة القرن، يشترك فيها كل داعمي طرفي الانقسام.
حل المجلس التشريعي خطوة مريبة ومتقدمة جدا في تكريس الانقسام جغرافيا وسياسيا، بما يمهد لإنهاء القضية الفلسطينية بعد عقود من التجارب النضالية المتعثرة التي قدم فيها الشعب الفلسطيني تضحيات خيرة أبنائه وبناته، وخسارات تفوق المخيلة الإنسانية، في سياق يبدو ممتدا ولا يتوقف إلى أن يعم خرابٌ لا عودة منه ولا مفر. فيما الشعب الفلسطيني ما زال يتخبط ويتذمر تذمر العاجز فاقد البصر والبصيرة، وإنْ تحرّك لفعل شيء فغالبا ما يطغى على تحرّكاته الطابع العاطفي والآني قصير الأمد، أو تحرّكاتٍ خبط عشواء من تصب! لا تصب حتى في تراكم كمّي، وفق خطةٍ واضحةٍ طويلة الأجل، تؤدّي إلى تحوّل نوعي، فعلى مستوى الشارع، أو الطليعة الشبابية الصامتة، غالبا كانت النضالات تأخذ طابعا موسميا، يفتقد التنظيم طويل الأمد، لكن ما يحدث من تطوراتٍ مرعبة على المستوى العربي ينذر بمزيدٍ من التدهور ويتطلب من الفلسطينيين مزيدا من العمل النضالي النوعي لاستباق ما يخطط لهم في الخفاء.
حل المجلس التشريعي غير القانوني خطوة متقدمة في رفع منسوب التدهور في حياة
قد يكون النداء الأخير، سيما أن الشارع الفلسطيني سئم من نفسه، ومن مواصلة حالة اللامبالاة، وبحسب مراقبين كثيرين، سواء في الضفة أو غزة وحتى مخيمات اللجوء، المهملة والمهمشة ليس محليا أو دوليا، بل فلسطينيا أيضا. على الرغم من الخشية من أن يؤدي العصيان الشعبي إلى منزلقاتٍ خطيرة، في ظل الظروف السياسية والمعيشية والمعنوية الصعبة والمعقدة، والذي يتطلب استعدادا وتنظيما نوعيين، كي لا يؤول مآل "العصيان" أو "الانتفاضة القادمة على قوى الأمر الواقع" إلى المآلات التي آل إليها الربيع العربي. ولكن هناك من يدرك خطورة هذه المنزلقات، لكنه يعي أيضا أن الشعب الفلسطيني لم يعد يملك شيئا ليخسره، أو يخشى من المجازفة به، سيما حين تحسب المجازفة بدقة، وقبل فوات الأوان. الشارع الفلسطيني يغلي، ولسان حال طليعته المستترة التي تعد العدة لتنظيم نفسها، وتوحيد صفوفها يقول: لم يعد لدينا ما نخسره. إننا أساسا في القاع.
مقالات أخرى
02 اغسطس 2024
22 يوليو 2024
13 ابريل 2024