"الحق على جورج الريف، لأنه سمع كلمة مرته هالمشلّفة (تعبير شعبي سلبي يستخدم لوصف المرأة القوية). هي استدرجته. لو كنت قاضياً، لحكمت على امرأة جورج الريف، لأنها السبب". هذا ما قالته إحدى المحاميات على موقع فيسبوك، تعبيراً عن موقفها من الجريمة التي قُتل فيها جورج في الشارع، بسبب إشكال على أفضلية المرور.
قيل الكثير عن جريمة جورج الريف. وقد أدت إلى ردات فعل انفعالية وشعبية قوية، تراوحت بين استنكار شديد، وغضب عارم، وخوف وقلق، ورغبة بالاقتصاص من القاتل بأقصى عقوبة ممكنة، وهي "الإعدام". بين جميع ردات الفعل الانفعالية التي تراوحت بين لوم الآخرين الذين كانوا حاضرين ولم يحركوا ساكناً، أو لوم القاتل والمطالبة بإعدامه، تستوقفنا ردة الفعل التي صبّت غضبها في غير محله، وسعت إلى لوم الضحية.
لدينا عادة قاتلة بلوم الضحية. غالباً ما يستخدم الموقف نفسه حيال النساء إذا تعرضن للاغتصاب أو العنف الأسري. "كلو من إيدا". تكمنُ جذور هذه الثقافة في رغبة لاواعية بتخفيف الشعور بالذنب. كما أنها تستخدم كآلية دفاعية لتخفيف شعور القلق بأن العالم ظالم. لوم الضحية ينبع من إيمان بمقولة "تحصد ما تفعل". بالتالي، يخفف لوم الضحية من الشعور بأننا جميعاً معرضون للمصير نفسه. "المجرم ليس مجرماً بالمطلق، بل الضحية هي التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة".
لم تستطع هذه المحامية أن ترى فظاعة الجريمة بتجرّد. الفعل غير مبرر. هنا ينتهي البيان. لكن ألا نكتفي بلوم الضحية، ونُطالب باقتصاص القضاء من الزوجة، لأنها "حرّضت" زوجها ليطارد القاتل، فهذا أمر خارج نطاق الاستيعاب. والأنكى أن يخرج من شخص يُتوقّع منه أن ينطلق من منظومة حقوقية موضوعية ومجرّدة في تقدير الأمور.
ليس هذا كل شيء. هناك أيضاً اللوم الشعبي للرجال الـ13 الذين كانوا حاضرين في ساحة الجريمة. كانوا 13 رجلاً وامرأتين. تساءلت ردات الفعل الشعبية: "أين كانوا هؤلاء الرجال؟ أين النخوة؟". وصفت الرجال بـ"أشباه الرجال"، لأنهم لم يستطيعوا ردع القاتل عن ارتكاب جريمته. لو قلبنا السيناريو ووُجد 13 امرأة ورجلان في مسرح الجريمة، يمكن تخيّل ردات الفعل: "يا له من جبان هذا القاتل. ارتكب جريمته أمام مجموعة نساء". ببساطة لم نكن لنتوقع من النساء الدفاع عن الضحية. لكن منظومتنا الفكرية والثقافية تحمّل الرجال عبء الدفاع والحماية. الرجال الـ13 فعلوا ما ظنوا أنه صواب. هم لم يخذلوا جورج الريف. هم خذلوا توقعاتنا منهم بأنّ من واجبهم الدفاع والحماية. هم أيضاً ليسوا المذنبين. هناك مذنب واحد في هذه الجريمة: القاتل. ولتسقط الحجج والتبريرات. علّ القضاء يكون منصفاً ومجرداً أيضاً.
اقرأ أيضاً: نساء الحارة