19 يناير 2024
عن سياسة أميركية جديدة في سورية
غابت السياسة الأميركية تماماً في سورية، في ظل هجمة عسكرية ودبلوماسية روسية، عبر سيطرتها التامة على مسار أستانة، وبناء تحالف سياسي – عسكري مع تركيا، لضمان تأثيرها على المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري. ولذلك، حاول وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، في جامعة ستانفورد يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2018 تقديم ما أسماها سياسة الولايات المتحدة الجديدة تجاه سورية. في خطابٍ، مثل عودة محدودة للسياسة الأميركية في الملف السوري، لكنها تبدو محدودة وجزئية، إذ لم يتطرق الوزير لمسار أستانة، ولو أنه تحدث عن ضرورة الحفاظ على تخفيض العنف في مناطق خفض التصعيد، كما أقرتها مفاوضات أستانة. ولم يشر من قريب أو بعيد إلى مؤتمر سوتشي، في موقف يعكس تحفظاً أميركياً من خطوات روسيا الأحادية في فرض أجندتها السياسية على المسار السوري. حيث عملت روسيا، بشكل منهجي، على إفشال المفاوضات التي تعقدها الأمم المتحدة في جنيف، عبر دفع وفد النظام السوري إلى إثارة قضايا هامشية، وعدم الدخول بجدية في أية مفاوضات سياسية حقيقية بشأن المرحلة الانتقالية، أو الدستور أو الانتخابات، كما أقرها مجلس الأمن في القرار 2254.
في المقابل، وكما أن الخطاب حدد أهدافاً سياسية واضحة، مثل العمل على بناء سورية موحدة ومستقلة وديمقراطية، وضمان عودة اللاجئين، وتنفيذ القرار 2254، لم يشر تيلرسون إلى الخطوات التي يمكن أن تتبعها وزارته، لضمان تحقيق هذه الأهداف، في ظل سيطرة الجانب الروسي على المسار السياسي في أستانة، ولا جدوى المحادثات أو عقمها تماماً في جنيف، أظهر تيلرسون دعمه المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، لكنه لم يتحدث، لا بالسلب أو الإيجاب، عن مسار جنيف الذي لم يصبح له أي تأثير أو معنى، وهو حقيقة بحكم الميت، من دون رغبة الأطراف في إعلان ذلك. وفي الوقت نفسه، لم يشر الوزير الأميركي إلى أية خطوات دبلوماسية جديدة، يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة في المستقبل، لضمان تحقيق هذه الأهداف، وهو ما يدفع كثيرين إلى القول إن هذه الأهداف ربما تتحول تماماً إلى سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها الرئيس السابق، باراك أوباما، في أغسطس/ آب 2011، وهي أن الرئيس السوري، بشار الأسد، فقد شرعيته. وما زال المسؤولون الأميركيون يرددون الكلمات نفسها، من دون أن يكون لها معنى على صراع فقد فيه أكثر من نصف مليون سوري حياتهم، كما شرد أكثر من سبعة ملايين لاجئ، فضلاً عن أن نحو ثمانية ملايين نازح شردوا من بيوتهم وقراهم داخل سورية، ويمنع عليهم الخروج أو اللجوء، بسبب إغلاق دول الجوار حدودها مع سورية، ومنع عبور أي لاجئ إلى أراضيها منذ سنتين أو أكثر، بسبب استضافة هذه البلدان ملايين من اللاجئين، ولا تستطيع أن تتحمل أكثر من هذا العدد.
ولا شيء يظهر حجم المأساة السورية اليوم أكثر من تعداد الأرقام المخيفة التي تكشف واقع الاقتصاد السوري اليوم، فحسب الموازنة التي قدمتها الحكومة السورية أخيراً، تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 30 مليارا عام 2017. ولترتفع خسائر الحرب عن 275 مليار دولار بحسب إحصاءات سورية رسمية، وكلفة إعادة الإعمار
عن 300 مليار دولار، بحسب منظمات دولية. ويقول تقرير للأمم المتحدة، صادر في سبتمبر/ أيلول 2017، إن نحو 85 % من السكان في سورية فقراء، منهم 6.7 ملايين سوري، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون مساعدة إنسانية طارئة، بعد أن ارتفعت الأسعار بمعدل 1100% وتثبيت الأجور عند 30 ألف ليرة (نحو 75 دولارا). وذكرت دراسة البنك الدولي أن 6 من بين كل 10 سوريين في فقر مدقع. وفي السنوات الأربع الأولى، فقد نحو 538 ألف وظيفة سنوياً، ما نتج عنه وصول عدد السوريين الذين لا يعملون، أو غير المنخرطين في أي شكل من الدراسة أو التدريب، إلى 6.1 ملايين شخص. وبلغ معدل البطالة بين الشباب 78%، لتترتب، وعلى المدى الطويل، على هذا الخمول في النشاط خسارة جماعية لرأس المال البشري، ما يؤدي إلى نقص في المهارات.
وتوضح الأرقام أن سورية ربما تحتاج إلى أكثر من 30 عاماً للتعافي، والعودة إلى وضعها الاقتصادي ما قبل عام 2011. هذا إذا توقفت الحرب تماماً هذا العام، وبدأت عمليات إعادة الإعمار على قدم وساق، بعد ضمان الاستقرار الأمني بشكل تام، وفي كل الأراضي السورية. وكل متابع للحرب السورية يعرف أن كل هذه التمنيات هي من ضرب الخيال تماماً. ولذلك يبدو الشرط الذي كرّره تيلرسون أن الولايات المتحدة لن تساهم في جهود إعادة الإعمار في سورية إذا لم تبدأ المرحلة الانتقالية في سورية ما بعد الأسد مؤثراً للغاية، في ظل مؤشرات الاقتصاد السوري، سيما أن الموقف الأوروبي يساند هذا الموقف الأميركي ويدعمه، وهو ما ردّده وزير الخارجية الفرنسي. لكن يبقى السؤال إن نظام الأسد الذي اتخذ قراراً واضحاً في استخدام سلاح الجو السوري، بكل قدراته وإمكاناته لقصف القرى والمدن السورية، هل سيكترث لقدرته أو عدم قدرته على إعادة الإعمار، لا تبدو هذه الورقة ضاغطة بشكل كاف على نظام الأسد، ليقبل بالعروض السخية من الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل تمويل عمليات إعادة الإعمار في المدن السورية المدمرة والمهجرة.
في المقابل، وكما أن الخطاب حدد أهدافاً سياسية واضحة، مثل العمل على بناء سورية موحدة ومستقلة وديمقراطية، وضمان عودة اللاجئين، وتنفيذ القرار 2254، لم يشر تيلرسون إلى الخطوات التي يمكن أن تتبعها وزارته، لضمان تحقيق هذه الأهداف، في ظل سيطرة الجانب الروسي على المسار السياسي في أستانة، ولا جدوى المحادثات أو عقمها تماماً في جنيف، أظهر تيلرسون دعمه المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، لكنه لم يتحدث، لا بالسلب أو الإيجاب، عن مسار جنيف الذي لم يصبح له أي تأثير أو معنى، وهو حقيقة بحكم الميت، من دون رغبة الأطراف في إعلان ذلك. وفي الوقت نفسه، لم يشر الوزير الأميركي إلى أية خطوات دبلوماسية جديدة، يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة في المستقبل، لضمان تحقيق هذه الأهداف، وهو ما يدفع كثيرين إلى القول إن هذه الأهداف ربما تتحول تماماً إلى سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها الرئيس السابق، باراك أوباما، في أغسطس/ آب 2011، وهي أن الرئيس السوري، بشار الأسد، فقد شرعيته. وما زال المسؤولون الأميركيون يرددون الكلمات نفسها، من دون أن يكون لها معنى على صراع فقد فيه أكثر من نصف مليون سوري حياتهم، كما شرد أكثر من سبعة ملايين لاجئ، فضلاً عن أن نحو ثمانية ملايين نازح شردوا من بيوتهم وقراهم داخل سورية، ويمنع عليهم الخروج أو اللجوء، بسبب إغلاق دول الجوار حدودها مع سورية، ومنع عبور أي لاجئ إلى أراضيها منذ سنتين أو أكثر، بسبب استضافة هذه البلدان ملايين من اللاجئين، ولا تستطيع أن تتحمل أكثر من هذا العدد.
ولا شيء يظهر حجم المأساة السورية اليوم أكثر من تعداد الأرقام المخيفة التي تكشف واقع الاقتصاد السوري اليوم، فحسب الموازنة التي قدمتها الحكومة السورية أخيراً، تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 30 مليارا عام 2017. ولترتفع خسائر الحرب عن 275 مليار دولار بحسب إحصاءات سورية رسمية، وكلفة إعادة الإعمار
وتوضح الأرقام أن سورية ربما تحتاج إلى أكثر من 30 عاماً للتعافي، والعودة إلى وضعها الاقتصادي ما قبل عام 2011. هذا إذا توقفت الحرب تماماً هذا العام، وبدأت عمليات إعادة الإعمار على قدم وساق، بعد ضمان الاستقرار الأمني بشكل تام، وفي كل الأراضي السورية. وكل متابع للحرب السورية يعرف أن كل هذه التمنيات هي من ضرب الخيال تماماً. ولذلك يبدو الشرط الذي كرّره تيلرسون أن الولايات المتحدة لن تساهم في جهود إعادة الإعمار في سورية إذا لم تبدأ المرحلة الانتقالية في سورية ما بعد الأسد مؤثراً للغاية، في ظل مؤشرات الاقتصاد السوري، سيما أن الموقف الأوروبي يساند هذا الموقف الأميركي ويدعمه، وهو ما ردّده وزير الخارجية الفرنسي. لكن يبقى السؤال إن نظام الأسد الذي اتخذ قراراً واضحاً في استخدام سلاح الجو السوري، بكل قدراته وإمكاناته لقصف القرى والمدن السورية، هل سيكترث لقدرته أو عدم قدرته على إعادة الإعمار، لا تبدو هذه الورقة ضاغطة بشكل كاف على نظام الأسد، ليقبل بالعروض السخية من الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل تمويل عمليات إعادة الإعمار في المدن السورية المدمرة والمهجرة.