30 ديسمبر 2021
عن عالم الورق وكتب التاريخ ونصائح الأطلال ومختارات أخرى
ـ "الكلام على الورق جميل، الآمال الكبار تبدو كأنها أعمال سهلة، في متناول اليد، لا شيء يمنع من تحقيقها، ثم يتبين أن هذا الكلام عرضة لأن يبهت ويتضعضع، أن يهتز ويترنح عند الانتقال من عالم الورق إلى عالم الواقع، فحينئذ لا بد من مصارعة طبائع الأشياء والناس، ولعل طبائع الناس أشد عسراً، لأن طبائع الأشياء ثابتة، تخمين مسلكها يحيد عن الخطأ الجسيم، أما طبائع الناس فزئبقية، وهي شتّى صعب تجانسها، فتخمين مسلكها هو نوع من الرجم بالغيب، وتزداد فرص التطابق بين عالم الورق وعالم الواقع بمقدار التزام المجتمع بالنظرة العلمية الجادة، وقدرته على تنمية روح المثابرة، بحساب الفرد وحساب تتابع الأجيال، فالذي يرسي الدعائم، ما أضيع عمله إذا لم يثق أنه سيأتي من بعده، بعد زواله هو، بالموت أو التنحي عن المنصب، من يضع حجرا فوق حجره، وهكذا دواليك إلى أن يتم البناء، فلا ينكص عن وضع حجره بدعوى أنه ليس هو الذي أرسى الدعائم وانقضت أيامه، فيحسن به أن يبدأ هو من جديد، ليستقل وحده بالفضل كله، مجتمع تحسبه عش نحل".
يحيى حقي من مقال بعنوان (الثقافة ووجع الدماغ) نشره سنة 1967 وأعيد نشره في كتابه (في السينما).
ـ "العائلة هي مهد المعلومات الخاطئة. لا بد من وجود أمر في الحياة العائلية يولّد القابلية على فعل الأخطاء. القرب الشديد، صخب وحرارة الكينونة، ولعله أمر أعمق، مثل الحاجة إلى البقاء. يقول مري إننا مخلوقات هشة محاطون بعالم من الوقائع العدائية، تهدد الوقائع سعادتنا وأمننا، وكلما تعمقنا في طبيعة الأشياء، تزايدت احتمالية تفكك بُنيتنا. تعمل العملية العائلية على إحكام إغلاق العالم. تتنامى الأخطاء الصغيرة، وتتوالد التخيلات. أقول لمري إن الجهل والخلط لا يمكن أن يكونا القوتين الدافعتين الكامنتين وراء التضامن العائلي. يا لها من فكرة. يا له من تخريب. يسألني لم توجد الوحدات العائلية الأقوى في أقل المجتمعات تطوراً. عدم المعرفة سلاح نجاة، كما يقول، يعزّز السحر والخرافة بوصفهما العقيدة الأقوى للعصبة. تكون العائلة أقوى حيث تتزايد احتمالية إساءة تأويل الواقع الموضوعي".
الكاتب الأميركي دون ديليليو من روايته (ضوضاء بيضاء) ترجمة يزن الحاج.
يحيى حقي من مقال بعنوان (الثقافة ووجع الدماغ) نشره سنة 1967 وأعيد نشره في كتابه (في السينما).
ـ "العائلة هي مهد المعلومات الخاطئة. لا بد من وجود أمر في الحياة العائلية يولّد القابلية على فعل الأخطاء. القرب الشديد، صخب وحرارة الكينونة، ولعله أمر أعمق، مثل الحاجة إلى البقاء. يقول مري إننا مخلوقات هشة محاطون بعالم من الوقائع العدائية، تهدد الوقائع سعادتنا وأمننا، وكلما تعمقنا في طبيعة الأشياء، تزايدت احتمالية تفكك بُنيتنا. تعمل العملية العائلية على إحكام إغلاق العالم. تتنامى الأخطاء الصغيرة، وتتوالد التخيلات. أقول لمري إن الجهل والخلط لا يمكن أن يكونا القوتين الدافعتين الكامنتين وراء التضامن العائلي. يا لها من فكرة. يا له من تخريب. يسألني لم توجد الوحدات العائلية الأقوى في أقل المجتمعات تطوراً. عدم المعرفة سلاح نجاة، كما يقول، يعزّز السحر والخرافة بوصفهما العقيدة الأقوى للعصبة. تكون العائلة أقوى حيث تتزايد احتمالية إساءة تأويل الواقع الموضوعي".
الكاتب الأميركي دون ديليليو من روايته (ضوضاء بيضاء) ترجمة يزن الحاج.
ـ "لم يكن غريباً أن يكون شباب جيلنا المعاصر محصناً ضد التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه، لماذا؟ لأن كتب التاريخ في مدارسنا لم تعد كتب تاريخ، ولكن كتبا سياسية حية، لم تعد تعريفا بما حدث عبر آلاف السنين جيلا بعد جيل، بل غدت آراء وتعليقات وتفسيرات وتحليلات حول شخصيات وأحداث تاريخية مختارة لأسباب سياسية، داخل إطار مفرغ من كل سياق تاريخي، مجرد مدائح في رمسيس الثاني وصلاح الدين وعمر مكرم تلوي عنق الأحداث لتثبت أشياء يعتقد المؤرخ المعاصر أنه مطالب سياسيا بها".
صلاح عيسى من كتابه (الكارثة التي تهددنا) صدر عن مكتبة مدبولي سنة 1987.
ـ "تنصحنا الأطلال بأن نطرح عنا كَدَحنا وأوهامنا عن الكمال والإنجاز، تذكّرنا بأننا لا نستطيع أن نتحدى الزمن، وأننا لسنا سوى دُمى بين أيدي قوى الدمار التي قد تُمهلنا قليلاً في أفضل الأحوال لكنها أبداً لا تُقهر. ربما نستطيع التمتع بانتصارات صغيرة، وربما نسعى لعيش بضع سنوات نفرض فيها درجة من النظام على الفوضى، غير أننا في نهاية المطاف سوف ننزلق جميعاً عائدين إلى صحن الحساء البدائي. إذا استطاع هذا المنظور أن يعزّينا، فلعل هذا لأن معظم قلقنا ينبع من إحساس مبالغ فيه بأهمية مشاريعنا ومشاغلنا. إننا معذّبون بأفكارنا المثالية وبإدراكنا السامي ـ وكأنه عقوبة ـ لجدية وجسامة ما نقوم به من أعمال".
آلان دو بوتون من كتابه (قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا أو المهانة)، ترجمة محمد عبد النبي.
ـ "كثيرا ما يتأفف المؤلف من قرائه، من بعضهم على الأقل، بل قد يثور ويغضب لأنهم حوّروا مقصوده وفهموا ما كتبه على غير وجهه وتأولوه إلى غير معناه، بتعبير ابن حزم، لكن أليس في الأمر ما يجعله يعتز به ويحمده، إذ إن فيه على أية حال، حياةً لما كتب وإثراء له؟ وما يؤيد هذا أن الاتفاق التام بين المؤلف وقرائه لا يحدث إلا حين يكون النص ضعيفاً أو متوسطاً، تتصفحه ثم تلقي به جانبا وتنساه في حينه. حاصل الكلام، فإما أن يكون هناك سوء فهم وإلا فالنص لا ضرورة له، ألا ترى أن المؤلفين الكبار هم الذين لم يُفهموا لأول وهلة؟ ... بل إن سوء الفهم أو القراءة الخاطئة حسب تعبير البعض هو الذي يضمن تطور الأدب، مثلما يرعى علاقة المحبين، فلولاه لما حدثت ثورات أدبية ولما حصلت اكتشافات جديدة ولما ظهرت صيغ وأساليب فريدة".
عبد الفتاح كيليطو من كتابه (بحبر خفي).
ـ "بدل الغور في اليأس، نعرف نوعا من النشوة المتولدة عن التأملات الصارمة حول الحياة وكل شيء، ما نسميه تشاؤما إن هو إلا طريقة تعين على الحياة، قرأت كثيرا في الأدب المتشائم، وأؤكد لك أنه ساعدني على أن أحيا بدل أن أنهار، وبالعكس إنها الكتب المتفائلة حتى الغباء هي التي تبعثني على الحزن والوهن".
سيوران في حوار مع الكاتب المغربي سالم بنحميش.
ـ "ولسنا نتخذ من الثبات على رأي مفخرة، فإنه لا يخفى علينا إن هذا قد يكون مرده في بعض الأحيان إلى الإفلاس العقلي إن صح هذا التعبير أو إلى ضعف الخيال، أو غير ذلك مما أترك للقارئ استقصاءه إذا شاء، فقد علمتني الأيام أن أكون أرفق بنفسي من أن أرهقها أو أحمل عليها، إكراما لسواد عيون القراء، ولماذا لا يتكلف القارئ شيئا من النصب، ولله فاعلم، معشر فقراء العقول، يفرح أحدهم أن يكون له رأي ما، فيضن به ويحرص عليه، ولسنا من هؤلاء في ما نرجو".
إبراهيم عبد القادر المازني من كتابه (قبض الريح).
ـ "كانت تخيم على جو المساء عذوبة خارقة لهزيمة. يزدحم التاريخ بالدرجة نفسها من المبادرات والتخليات. وتأتي أحيانا بعض اللحظات التي لا يستحق فيها شيء هزة كتف، وذلك خلافا لأي توقع ومن دون أن يكون ثمة ما ينبئ بها، حينئذ فقط تتهدم المسافة التراتبية، المباقة بشكل مصطنع بين حركة الديكتاتور واللامبالاة المؤثرة لمانيكانات الأزياء، في ضباب ابتسامة، لأن تلك هي أيضا ساعة الابتسام لمرارة الماضي... يصبح كل شيء عملة خالصة، حين يهدأ جو المساء، وتجعل عذوبة الهزيمة آخر رجفات دواعي المصلحة العليا أمرا مزعجا. يبدأ الجو يصير رماديا ـ أزرق داخل الحدائق، وتستعيد المدينة وهي تتمرد أحجام كسلها المهدئة، ومع ذلك فإن هاتف الديكتاتور تختلط فيه رنات عنيدة وضرورية ومجنونة، لو كانت الحياة لا تزال تسير وفقاً لمجراها المعتاد، لجرى الرد عليها، لكن لم يعد يجري التعبير عن الحياة إلا بهز للأكتاف، له معنى بالنسبة لأولئك الذين يمسكون الناس على الطائر، وتافه بالنسبة لمن يشترطون أن يكونوا جديين حتى الموت، الحياة لا مبالية بشكل مطلق بالديكتاتورية وباللون الحالي للحدائق. تنهك خيوط السلطة الأخيرة نفسها، في نداءات غير مجدية، على هذا الهاتف الذي يرفض عمدا أن يجيب، يفكر الديكتاتور في شيء آخر، لا يفكر الديكتاتور إطلاقا".
الكاتب المصري جورج حنين من (ملاحظات عن بلد غير نافع) ترجمة ساران ألكسندريان.