برحيل الفنّان والممثل التلفزيوني المغربي عبد العظيم الشناوي (1939 - 2020)، قبل أيام، تكون الساحة الفنية المغربية، قد فقدت أحد ألمع علاماتها المُضيئة في تاريخ التلفزيون المغربي. عايش الفنان الراحل نشوء التلفزيون، وتتبع مساره منذ بداياته الجريحة خلال الستينيات، بعد أن تم إغلاق الشركة الفرنسية "تيلما" في الدار البيضاء، التي ظلّ الشناوي يشتغل فيها منذ الخمسينيات، بعد عودته من مصر لدراسة الإخراج السينمائي، في وقت ظلّ فيه الشناوي يُناضل رفقة آخرين من أجل تكريس وبلورة ثقافة التلفزيون داخل المجتمع المغربي الغارق في ثنائية التقليد والحداثة. هكذا، إلى أنْ تم فتح التلفزيون المغربي مع ستينيات القرن الماضي لتتبلور تجربة فنية غنيّة ساهمت في إبراز العديد من الممثلين والفنانين والمغنيين، الذين حرص الشناوي على الاهتمام بهم، ولا سيما داخل مجال المسرح، الذي مارسه الشناوي منذ بداية الأربعينيات تمثيلاً، والخمسينيات إخراجاً، لعدد من المسرحيات المغربية الجريئة، التي ظلّت تُناهض الاستعمار وتُحاول فرض مشروع فنيّ حداثي قِوامه الجرأة والتميّز.
هذا إضافة إلى العديد من البرامج الفنية والثقافية التي قدمها عبد العظيم الشناوي منذ التحاقه بإذاعة "ميدي 1" وقدرته كممثل ومنشط فني على إبراز العديد من الوجوه، التي تُشكّل اليوم ركيزة قوية للتلفزيون المغربي. ومن جهة أخرى، دأب الرجل على المُزاوجة بين الاشتغال في الإعلام المرئي والتمثيل في المسرح والتلفزيون والسينما، وله في هذا الصدّد الكثير من الأعمال التلفزيونية، التي ما يزال يتردّد صداها داخل التلفزيون المغربي في مرحلة من مراحله القوية خلال السبعينيات والثمانينيات، في وقت كان هذا الجهاز، يُشكّل للمغاربة قيمة مُضافة داخل بيوتهم، ويرنون إليه كلّما ضاقت بهم سبل الحياة اليومية الرتيبة لمشاهدة نخبة من الأعمال التلفزيونية الصادقة والمُعبرة عن وجدان المغاربة، لما كان يشهده الجسد المغربي آنذاك من بوادر للفقر وتهميش وتباين طبقي أمام برجوازية تقليدية وسياسية صاعدة مُتغلغلة في النسيج الاجتماعي منذ نشوء الحركة الوطنية. لعب التلفزيون دوراً كبيراً في تسجيل وبث هذه الأعمال على قنواته بشكل أسبوعي، نقلت معه الحياة الفنية المغربية من سُلطة المكتوب والمباشر إلى رحابة البصري وإلى عالم التلفزيون، وقد كانت حقيقة هذا السفر الفني في ذلك الحين إحدى البوادر المهمة لحداثة هذا الجهاز مع عبد العظيم الشناوي وباقي جيله، قبل أن يطفو الترفيه والاستهلاك وتعم التفاهة المُقننة والتصفيق المجاني مع بداية التسعينيات. إنّ المسار الفني عند عبد العظيم الشناوي يحبل بالكثير من المسرات والألم الذي نخر جيلاً بأكمله، لم يكن يؤمن بالحدود الفاصلة بين التلفزيون والسينما والمسرح والإعلام والكتابة والتأليف، فعشق الفنّ ينفلت من أجسادهم في غفلة منهم، وتتسرب الكتابة التلفزيونية من بين أصابعهم حتى تتحقق على شكل مشاريع مسرحية وتلفزيونية، تخترق المجتمع المغربي وتصنع له نوعاً من الفرجة العَالمة المؤسسة على المعرفة بقواعد المهنة وجماليّات الأداء وبلاغة السخرية والضحك. بل إنّ الممارسة الفنية لدى الشناوي لا تعدو أنْ تكون تلقائية، لا تحدها الحدود ولا تُقيّدها السياجات الضيّقة، فهو ينتقل بسهولة بين المسلسلات التلفزيونية وفرقة الكواكب المسرحية للبشير لعلج، ثم إلى السينما وأخيراً إلى مجال التنشيط الفني والثقافي.
كل هذه الممارسات الفنية، لم يكن الشناوي ليتصنعها أو يدعي الإلمام بتفاصيلها وقدرته على تطويع لغة جسده داخل صنوف مُتعدّدة من الفنون، بل هو يجعلها تخرج بشكل فطري، خاصة أنها تنطلق في أساسها من عشق طفولي ومن تكوين علمي وممارسة دائمة داخل جمعيات فنية وثقافية بمدينة الدار البيضاء. غير أنّها ممارساتٌ، لم تكن تشي، إلا بتعدّد مواهب الشناوي وزخم حياته المهنية وقدرته على خلق مشروع فني متكامل له كممثل، بالنظر إلى مهنته كإعلامي، خاصة أنّ تجربته فاقت 70 سنة، تعوّد من خلالها أنْ يُعرف كإعلامي ومُنشط للبرامج الفنية الترفيهية التي ظللنا في صغرنا ننتظرها كل مساء السبت وصباح الأحد، والتي كانت تبثها القناة الأولى والثانية، وكان عبد العظيم الشناوي بلغته الفصيحة وأسلوبه الهادئ وضحكته الطفولية يرسم البسمة على قلوبنا العطشى في مدن سفلى من مغرب منسي خلال التسعينيات.
كما تجدر الإشارة أنه إلى جانب مهنته كإعلامي، فقد ظلّ عبد العظيم الشناوي حريصاً على المشاركة في أكبر الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية لمخرجين مغاربة، مثل أحمد قاسم أكدي في "مأساة الأربعين ألف" وفوزي بنسعيدي في "ألف شهر" ثم في "سميرة في الضيعة" للطيف لحلو. هذا إضافة إلى أعمال تلفزيونية أخرى مثل "على ضفة القلب" لمحمد منخار، "الحب القاتل" لحميد الزوغي، و"خيوط العنكبوت" لشكيب بنعمر.