عن عبد المنعم أبو الفتوح
فرنسوا بورغا وبجورن أولاف أوتفيك
مدير أبحاث في المعهد الوطني للبحوث العلمية في باريس، أستاذ في مركز دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة أوسلو.
اعتُقل القيادي السابق لنقابة الأطباء المصريين والمرشَّح للانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012، عبد المنعم أبو الفتوح، يوم الأربعاء 14 فبراير/ شباط 2018، معه خمسةٌ من مساعديه من حزب مصر القوية الذي أنشأه إثر انشقاقه عن جماعة الإخوان المسلمين. وبعد الحجز على أملاك الرجل، قرر النائب العام المصري في 20 يونيو/ حزيران الماضي تمديد اعتقاله، وهو الذي كان قد اتهم بالتواصل مع "الإخوان المسلمين"، وأيضا، وفق المصطلح السائد لدى جهاز القمع المصري، بـ"نشر أخبار كاذبة من شأنها الضرر بسمعة البلاد". وذلك لأنه ندّد "بنقص مصداقية" الانتخابات الرئاسية (مارس/ آذار 2018) التي كانت طور التحضير آنذاك، مناديًا بمقاطعتها.
ومنذ ذلك الحين، تدهورت الحالة الصحية للرئيس السابق لاتحاد الأطباء العرب بشكل بالغ، لا سيما وأن ظروف سجنه جد قاسية على رجلٍ يقارب السبعين، فهو مودَعٌ في الحبس الانفرادي، ومحروم من الصحف، ومن الخروج للفسحة، وحتى من صلاة الجماعة في أيام الجمعة. وفي جو دوليٍّ يتسم بالمجاملة تجاه السلطات المصرية، تحاول عائلته، من دون جدوى، لفت انتباه الرأي العام العالمي.
ولعل التذكير بالمسار الإصلاحي لأبو الفتوح، إن كان ذلك ضروريا، يُظهر أن ما يدّعيه النظام تحت راية "الحرب ضد الإرهاب" يتجاوز الجماعات المتطرّفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو
القاعدة. وقد يوضِّح أيضا أنه على الرغم من عدم جدوى هذه "الحرب" التي تم شنّها بغرض التغطية على هشاشة القاعدة السياسية للنظام، فإنها تحظى بسلبيةٍ مؤيِّدة من المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة وفرنسا.
وقد أصبح عبد المنعم أبو الفتوح (ولد في القاهرة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1950)، وسط سبعينيات القرن الماضي، أحد أبرز قادة الحركة الطلابية الإسلامية في مصر. وبعد أن قرر الرئيس الأسبق، أنور السادات، فتح أبواب الجامعة أمام الطبقات الشعبية، كان الوافدون الجدد يتسمون بتديّن تقليدي، جعلهم في تضاد مع مثقفي الوسط الجامعي الأكثر ميلا إلى العلمانية. في هذا السياق، وعلى نمط (سلفي) غير مسيس، بدأ بعض الطلبة الانتظام في جماعاتٍ إسلاميةٍ، حيث كانوا ينظمون أنشطةً دينيةً بحتة، كالصلوات وتلاوة القرآن. وكان أبو الفتوح، طالب الطب في بداية السبعينيات، أحد المبادرين لهذه التعبئة الناشئة، وقد ترأس ابتداء من 1973 جماعة كلية طب قصر العيني، وعمل، برفقة عصام العريان وإبراهيم الزعفراني، على توسيعها على مستوى مصر كلها.
وقد تسيّس تدريجيا مستلهما الإخوان المسلمين الذين كان السادات، المراهن على استقطابهم، قد بدأ بإخراجهم من السجون التي ألقاهم فيها سلفه جمال عبد الناصر. وقبل الشروع في الاستحواذ على النقابات المهنية، بدأ الجيل الإسلاموي الجديد داخل الجامعات في مواجهةٍ مع اليسار في المجال الطلابي، خرج منها منتصرا، حيث أصبح، في نهاية السبعينيات، يحظى بالأغلبية في ثماني جامعات من اثنتي عشرة.
وقد اكتسب أبو الفتوح الذي كان آنذاك رئيسا لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة شعبية من خلال مهاجمة الرئيس السادات في 1975، حيث وجه له اللوم خصوصا في نقاش تلفزيوني مشهود بأنه منع الشيخ محمد الغزالي من حرية الكلام.
وفي داخل التيار الإسلامي، كان التقارب مع الحركة الإصلاحية لجماعة الإخوان المسلمين يغذي آنذاك انشقاقا بقي حاضرا باستمرار. وهو انشقاقٌ بين أصحاب التيار الجهادي الذين كانوا يدافعون عن عملٍ مسلحٍ نخبويٍّ للاستيلاء على السلطة "من أعلى" وأولئك الذين اختاروا عملا إصلاحيا شعبيا طويل المدى، من دون التخلي عن هدف السيطرة على الدولة. آنذاك، أفصح أبو الفتوح الذي كان على رأس التيار الإصلاحي عن تقرّبه من "الإخوان" ليلتحق بهم رسميا في 1979. فهو مع أغلبية من مناصري الإصلاح الذين اصطحبهم معه، أعطى لجماعة إخوانية هرمة أنهكها القمع الناصري نفسا ثانيا حاسما. وسرعان ما صُعّد أبو الفتوح إلى موقع "عضو مكتب الإرشاد" الذي انضم إليه سنة 1987.
ومثل عديدين من أفراد جيله، نشط في المجال النقابي على المستوى الوطني، أولا أمينا عاما لنقابة الأطباء المصريين، ثم على المستوى العربي، حيث أصبح أمينا عاما لاتحاد الأطباء لعرب. تدريجيا، وفق مسارٍ يستبق، في نواحٍ كثيرة، تطور جماعة الإخوان وتشكيلات منبثقة عنها (مثل حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي في تونس)، عمل على تطوير متطلبات العقيدة الدينية، بعيدا عن التفسير الحرفي، حيث عمل على أخذ السياق بالاعتبار، ليتحرّر من القراءة الأصولية. وقد ارتكز بصفةٍ أوضح على "مقاصد" الإيمان، بدلا من الفهم الحرفي لتعابير العقيدة التي اعتمدتها المجتمعات التي سبقت.
وهكذا لعب أبو الفتوح دورا رائدا بارزا في استيعاب "الإخوان" تدريجيا، سواء في مصر أو في المنطقة، لمتطلبات الديمقراطية والتعدّدية. وقد حث على إقامة علاقات مع التشكيلات الحزبية الأخرى، المقرّبة نوعا ما من التيار الإسلامي، مثل حزب العمال برئاسة عادل حسين والحزب الليبرالي الذي تحالف معه الإخوان الممنوعون من تقديم مرشحين خلال الانتخابات التشريعية سنة 1987.
وبسبب التزاماته، وإن كانت معتدلة، وبروزه في الساحة، أصبح هدفا دائما لقمع نظام حسني مبارك الذي اعتقله مرة أولى في 1981. وفي سنة 2000، وبعد انتهاء فترة خمس سنوات سجنا، نجم عن موقفه المتفتح سياسيا توترات جديدة، ليس مع التيار الجهادي أو السلفي، بل مع الجناح المحافظ الذي كان لا يزال مسيطرا على جماعة الإخوان. وفي عام 2007 أفصح علنًا عن رفضه مشروع إنشاء حزب كانت أقرته قيادة الإخوان المسلمين، من دون استشارة جميع القادة. وقد انتقد القرار من حيث الشكل، كونه يفتقد للديمقراطية، كما انتقد برنامج الإخوان من حيث الجوهر. وهو برنامج يؤكد خصوصا أنه "لا يمكن سوى لمسلم أن يكون رئيسا"، كما يقترح أيضا مراقبة مجلس من علماء الشريعة العمل التشريعي للبرلمان. وفي سنة 2009، ونتيجة منطقية لموقفه النقدي، لم يتم انتخابه في مكتب الإرشاد.
بعد استقالة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، في 2010، ووصول خَلَفه المحافظ المتشدد محمد بديع، عبر أبو الفتوح عن خلافه بشكل أكثر حدة. وفي السنة نفسها، دعا إلى فصل واضح بين كل من الأجندة الدينية والسياسية لأعضاء جماعة الإخوان. وإذا كان ما يزال مؤيدا لتجند "الإخوان" حول القضايا الوطنية والاجتماعية الكبرى، فهو يؤيد فكرة أن أعضاء الجماعة يمكنهم اختيار الحزب الذي يريدون الانتماء إليه، وهو بالتالي يحصر عملهم في مجال الدعوة فقط.
في سنة 2011 كان أبو الفتوح من الذين أيدوا، على الفور وبكل حماس، انتفاضة الشباب ضد نظام حسني مبارك، على خلاف "الإخوان" التاريخيين الذين تردّدوا في الأيام الأولى. وهكذا كان أحد أولى الشخصيات المعارضة التي التحقت بالمتظاهرين بميدان التحرير. وفي يونيو/ حزيران 2011، وعلى خلاف الخيار الذي تبناه الإخوان (حتى وقتها) بعدم تقديم مرشح، قرر الترشح في الانتخابات الرئاسية الأولى، ما حَسَم مسألة فَصْله من الجماعة. وبعد أن احتل، فترة لا بأس بها، أعلى مرتبة في استطلاعات الرأي، قبل الناصري حمدين صباحي وفي مستوى العسكري أحمد شفيق، تمكّن من استقطاب دعم من أطراف متباينة، مثل الناشط في مواقع الإنترنت، وائل غنيم، الذي كان يرى فيه حلا وسطا بين ورثة السلطة والإسلاميين، والسلفي، نادر بكار، الناطق الرسمي الشاب لحزب النور الذي كان يبحث عن حلفاء في منافسة الإخوان.
وقد ظهر أبو الفتوح فعليا مع وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية،
عمرو موسى، في أول "مناظرة رئاسية" مصرية متلفزة، لكنهما انهزما أمام المرشح الرسمي لجماعة الإخوان ورئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عنها، محمد مرسي الذي كان مرشح اللحظة الأخيرة، خلفا لخيرت الشاطر الذي تم إبطال ترشحه من طرف اللجنة الانتخابية. احتل أبو الفتوح المرتبة الرابعة في الانتخابات، لكنه مع ذلك حصل على 17% من الأصوات.
واصل أبو الفتوح العمل في صيف 2012 على تجنيد مؤيديه في الانتخابات، لإنشاء حزب مصر القوية. وكان هدفه تقريب الإسلاميين من المعارضين العلمانيين حول برنامج يدعو إلى التحديث الاقتصادي والاندماج الاجتماعي. وانضم حزبه بعد ذلك إلى حملة الانتقادات التي ارتفعت ضد رئاسة محمد مرسي. ثم شارك في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، والتي تم توظيفها في 3 يوليو/ تموز لإضفاء الشرعية على الانقلاب العسكري، لكنه سرعان ما دان هذا الانقلاب، وأعرب عن إرادته في المساهمة في العودة إلى المسار الديمقراطي.
ولما تبين جليا أن عبد الفتاح السيسي يجر البلاد في اتجاهٍ مختلفٍ عن خطابه المعلن عن تعميق الديمقراطية، اصطف أبو الفتوح بوضوح في معسكر المعارضة. ومع ذلك، لم يلتحق حزب مصر القوية بـ "جبهة الدفاع عن الشرعية" التي كان يقودها الإخوان المسلمون، للمطالبة بعودة مرسي إلى الرئاسة، وإلغاء التدابير التي فرضها الجيش. ومع كل استحقاق انتخابي (استفتاء 2014 حول الدستور الجديد، الانتخابات الرئاسية لعامي 2014 و2018 أو الانتخابات التشريعية لـ 2015) يؤكد حزب مصر القوية أنه في غياب أي إمكانية للتعبير، أو العمل السياسي المستقل، الحل الوحيد في المقاطعة.
وفي يونيو/ حزيران 2018، يشير اعتقال أبو الفتوح، والمعاملة السيئة المستمرة التي تمارَس ضده، وهو من ضمن آلاف السجناء السياسيين، إلى رفض النظام أي تعبير مستقل، حتى وإن كان يحمل رسالة اعتدال ومصالحة، فبين التذكير بمتطلبات الديمقراطية، مهما كانت شرعيتها، والتي يوجهها الغربيون بانتظام إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وصمتهم المطبق أمام الانحرافات الخطيرة لشريكهم المصري، يبدو التباين واضحا. ويشير ذلك إلى فارق قديم، يجعل أخلاق المهيمنين تتغير، حين تكون الانحرافات السلطوية آتيةً من دائرة منافسيهم "المتمرّدين" (مثل أردوغان) أو من زبائنهم "الخاضعين"، كما هو الحال بسجان عبد المنعم أبو الفتوح.
(ترجمة حميد العربي)
ومنذ ذلك الحين، تدهورت الحالة الصحية للرئيس السابق لاتحاد الأطباء العرب بشكل بالغ، لا سيما وأن ظروف سجنه جد قاسية على رجلٍ يقارب السبعين، فهو مودَعٌ في الحبس الانفرادي، ومحروم من الصحف، ومن الخروج للفسحة، وحتى من صلاة الجماعة في أيام الجمعة. وفي جو دوليٍّ يتسم بالمجاملة تجاه السلطات المصرية، تحاول عائلته، من دون جدوى، لفت انتباه الرأي العام العالمي.
ولعل التذكير بالمسار الإصلاحي لأبو الفتوح، إن كان ذلك ضروريا، يُظهر أن ما يدّعيه النظام تحت راية "الحرب ضد الإرهاب" يتجاوز الجماعات المتطرّفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو
وقد أصبح عبد المنعم أبو الفتوح (ولد في القاهرة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1950)، وسط سبعينيات القرن الماضي، أحد أبرز قادة الحركة الطلابية الإسلامية في مصر. وبعد أن قرر الرئيس الأسبق، أنور السادات، فتح أبواب الجامعة أمام الطبقات الشعبية، كان الوافدون الجدد يتسمون بتديّن تقليدي، جعلهم في تضاد مع مثقفي الوسط الجامعي الأكثر ميلا إلى العلمانية. في هذا السياق، وعلى نمط (سلفي) غير مسيس، بدأ بعض الطلبة الانتظام في جماعاتٍ إسلاميةٍ، حيث كانوا ينظمون أنشطةً دينيةً بحتة، كالصلوات وتلاوة القرآن. وكان أبو الفتوح، طالب الطب في بداية السبعينيات، أحد المبادرين لهذه التعبئة الناشئة، وقد ترأس ابتداء من 1973 جماعة كلية طب قصر العيني، وعمل، برفقة عصام العريان وإبراهيم الزعفراني، على توسيعها على مستوى مصر كلها.
وقد تسيّس تدريجيا مستلهما الإخوان المسلمين الذين كان السادات، المراهن على استقطابهم، قد بدأ بإخراجهم من السجون التي ألقاهم فيها سلفه جمال عبد الناصر. وقبل الشروع في الاستحواذ على النقابات المهنية، بدأ الجيل الإسلاموي الجديد داخل الجامعات في مواجهةٍ مع اليسار في المجال الطلابي، خرج منها منتصرا، حيث أصبح، في نهاية السبعينيات، يحظى بالأغلبية في ثماني جامعات من اثنتي عشرة.
وقد اكتسب أبو الفتوح الذي كان آنذاك رئيسا لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة شعبية من خلال مهاجمة الرئيس السادات في 1975، حيث وجه له اللوم خصوصا في نقاش تلفزيوني مشهود بأنه منع الشيخ محمد الغزالي من حرية الكلام.
وفي داخل التيار الإسلامي، كان التقارب مع الحركة الإصلاحية لجماعة الإخوان المسلمين يغذي آنذاك انشقاقا بقي حاضرا باستمرار. وهو انشقاقٌ بين أصحاب التيار الجهادي الذين كانوا يدافعون عن عملٍ مسلحٍ نخبويٍّ للاستيلاء على السلطة "من أعلى" وأولئك الذين اختاروا عملا إصلاحيا شعبيا طويل المدى، من دون التخلي عن هدف السيطرة على الدولة. آنذاك، أفصح أبو الفتوح الذي كان على رأس التيار الإصلاحي عن تقرّبه من "الإخوان" ليلتحق بهم رسميا في 1979. فهو مع أغلبية من مناصري الإصلاح الذين اصطحبهم معه، أعطى لجماعة إخوانية هرمة أنهكها القمع الناصري نفسا ثانيا حاسما. وسرعان ما صُعّد أبو الفتوح إلى موقع "عضو مكتب الإرشاد" الذي انضم إليه سنة 1987.
ومثل عديدين من أفراد جيله، نشط في المجال النقابي على المستوى الوطني، أولا أمينا عاما لنقابة الأطباء المصريين، ثم على المستوى العربي، حيث أصبح أمينا عاما لاتحاد الأطباء لعرب. تدريجيا، وفق مسارٍ يستبق، في نواحٍ كثيرة، تطور جماعة الإخوان وتشكيلات منبثقة عنها (مثل حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي في تونس)، عمل على تطوير متطلبات العقيدة الدينية، بعيدا عن التفسير الحرفي، حيث عمل على أخذ السياق بالاعتبار، ليتحرّر من القراءة الأصولية. وقد ارتكز بصفةٍ أوضح على "مقاصد" الإيمان، بدلا من الفهم الحرفي لتعابير العقيدة التي اعتمدتها المجتمعات التي سبقت.
وهكذا لعب أبو الفتوح دورا رائدا بارزا في استيعاب "الإخوان" تدريجيا، سواء في مصر أو في المنطقة، لمتطلبات الديمقراطية والتعدّدية. وقد حث على إقامة علاقات مع التشكيلات الحزبية الأخرى، المقرّبة نوعا ما من التيار الإسلامي، مثل حزب العمال برئاسة عادل حسين والحزب الليبرالي الذي تحالف معه الإخوان الممنوعون من تقديم مرشحين خلال الانتخابات التشريعية سنة 1987.
وبسبب التزاماته، وإن كانت معتدلة، وبروزه في الساحة، أصبح هدفا دائما لقمع نظام حسني مبارك الذي اعتقله مرة أولى في 1981. وفي سنة 2000، وبعد انتهاء فترة خمس سنوات سجنا، نجم عن موقفه المتفتح سياسيا توترات جديدة، ليس مع التيار الجهادي أو السلفي، بل مع الجناح المحافظ الذي كان لا يزال مسيطرا على جماعة الإخوان. وفي عام 2007 أفصح علنًا عن رفضه مشروع إنشاء حزب كانت أقرته قيادة الإخوان المسلمين، من دون استشارة جميع القادة. وقد انتقد القرار من حيث الشكل، كونه يفتقد للديمقراطية، كما انتقد برنامج الإخوان من حيث الجوهر. وهو برنامج يؤكد خصوصا أنه "لا يمكن سوى لمسلم أن يكون رئيسا"، كما يقترح أيضا مراقبة مجلس من علماء الشريعة العمل التشريعي للبرلمان. وفي سنة 2009، ونتيجة منطقية لموقفه النقدي، لم يتم انتخابه في مكتب الإرشاد.
بعد استقالة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، في 2010، ووصول خَلَفه المحافظ المتشدد محمد بديع، عبر أبو الفتوح عن خلافه بشكل أكثر حدة. وفي السنة نفسها، دعا إلى فصل واضح بين كل من الأجندة الدينية والسياسية لأعضاء جماعة الإخوان. وإذا كان ما يزال مؤيدا لتجند "الإخوان" حول القضايا الوطنية والاجتماعية الكبرى، فهو يؤيد فكرة أن أعضاء الجماعة يمكنهم اختيار الحزب الذي يريدون الانتماء إليه، وهو بالتالي يحصر عملهم في مجال الدعوة فقط.
في سنة 2011 كان أبو الفتوح من الذين أيدوا، على الفور وبكل حماس، انتفاضة الشباب ضد نظام حسني مبارك، على خلاف "الإخوان" التاريخيين الذين تردّدوا في الأيام الأولى. وهكذا كان أحد أولى الشخصيات المعارضة التي التحقت بالمتظاهرين بميدان التحرير. وفي يونيو/ حزيران 2011، وعلى خلاف الخيار الذي تبناه الإخوان (حتى وقتها) بعدم تقديم مرشح، قرر الترشح في الانتخابات الرئاسية الأولى، ما حَسَم مسألة فَصْله من الجماعة. وبعد أن احتل، فترة لا بأس بها، أعلى مرتبة في استطلاعات الرأي، قبل الناصري حمدين صباحي وفي مستوى العسكري أحمد شفيق، تمكّن من استقطاب دعم من أطراف متباينة، مثل الناشط في مواقع الإنترنت، وائل غنيم، الذي كان يرى فيه حلا وسطا بين ورثة السلطة والإسلاميين، والسلفي، نادر بكار، الناطق الرسمي الشاب لحزب النور الذي كان يبحث عن حلفاء في منافسة الإخوان.
وقد ظهر أبو الفتوح فعليا مع وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية،
واصل أبو الفتوح العمل في صيف 2012 على تجنيد مؤيديه في الانتخابات، لإنشاء حزب مصر القوية. وكان هدفه تقريب الإسلاميين من المعارضين العلمانيين حول برنامج يدعو إلى التحديث الاقتصادي والاندماج الاجتماعي. وانضم حزبه بعد ذلك إلى حملة الانتقادات التي ارتفعت ضد رئاسة محمد مرسي. ثم شارك في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، والتي تم توظيفها في 3 يوليو/ تموز لإضفاء الشرعية على الانقلاب العسكري، لكنه سرعان ما دان هذا الانقلاب، وأعرب عن إرادته في المساهمة في العودة إلى المسار الديمقراطي.
ولما تبين جليا أن عبد الفتاح السيسي يجر البلاد في اتجاهٍ مختلفٍ عن خطابه المعلن عن تعميق الديمقراطية، اصطف أبو الفتوح بوضوح في معسكر المعارضة. ومع ذلك، لم يلتحق حزب مصر القوية بـ "جبهة الدفاع عن الشرعية" التي كان يقودها الإخوان المسلمون، للمطالبة بعودة مرسي إلى الرئاسة، وإلغاء التدابير التي فرضها الجيش. ومع كل استحقاق انتخابي (استفتاء 2014 حول الدستور الجديد، الانتخابات الرئاسية لعامي 2014 و2018 أو الانتخابات التشريعية لـ 2015) يؤكد حزب مصر القوية أنه في غياب أي إمكانية للتعبير، أو العمل السياسي المستقل، الحل الوحيد في المقاطعة.
وفي يونيو/ حزيران 2018، يشير اعتقال أبو الفتوح، والمعاملة السيئة المستمرة التي تمارَس ضده، وهو من ضمن آلاف السجناء السياسيين، إلى رفض النظام أي تعبير مستقل، حتى وإن كان يحمل رسالة اعتدال ومصالحة، فبين التذكير بمتطلبات الديمقراطية، مهما كانت شرعيتها، والتي يوجهها الغربيون بانتظام إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وصمتهم المطبق أمام الانحرافات الخطيرة لشريكهم المصري، يبدو التباين واضحا. ويشير ذلك إلى فارق قديم، يجعل أخلاق المهيمنين تتغير، حين تكون الانحرافات السلطوية آتيةً من دائرة منافسيهم "المتمرّدين" (مثل أردوغان) أو من زبائنهم "الخاضعين"، كما هو الحال بسجان عبد المنعم أبو الفتوح.
(ترجمة حميد العربي)
فرنسوا بورغا وبجورن أولاف أوتفيك
مدير أبحاث في المعهد الوطني للبحوث العلمية في باريس، أستاذ في مركز دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة أوسلو.
فرنسوا بورغا وبجورن أولاف أوتفيك