30 ديسمبر 2021
عن مدرسة حسني مبارك الإعدادية وقصص أخرى
مصائب قوم
فوجئ الجميع بتبدُّل أحواله الدراسية في آخر سنتين له بكلية الحقوق، نجح في كليهما بتفوق، بعد أن كان "التبليط في الخط" حاله وديدنه، يكفي أنه قضى ثلاث سنوات متتالية يحاول عبور الفرقة الثانية التي بدت له أحياناً نهاية الدنيا.
الكل اتهم المخدرات التي أدمن أشد أنواعها فتكاً بالدماغ، وقد كانوا محقين في ذلك، لكنهم لم يدركوا أنها أيضاً كانت سبباً في نجاحه، فبفضلها كانت كل أسئلة الامتحانات تأتيه قبل موعدها، مصحوبة بالإجابات النموذجية، مقابل أن يكتم سراً وحيداً، لم يكن يحتاج إلى توقيع شيكات وكمبيالات على نفسه لكي يلتزم بكتمانه، لكن خوف صاحب السر من الفضيحة كان أقوى من أي اعتبار، وذلك الخوف أعان صاحبنا على تخطي عقبة الحصول على الشهادة الجامعية قبل فوات الأوان القانوني، بل وضمن له مستقبله المهني، حين جلب له وظيفة صورية دائمة في مكتب المحاماة الذي يمتلكه وكيل الكلية، والذي لم يكن أحد ليتصور أبداً أنه كان زميل صاحبنا في المصحة التي كان يفترض بها أن تعالجه من الإدمان، ظل صاحب المركز المرموق يتأرجح بين أنواع المخدرات ويتردد على أطباء وأخصائيين مختلفين، لكنه ظل زبوناً وفياً لـ "ديلره" القديم الذي لا ترتاح دماغه إلا لديه، لكنه لم يعد بحاجة لمخاطرة التعامل معه مباشرة، فقد كانت تلك مهمة صاحبنا الوحيدة في مكتب أستاذه الذي نجح في كل شيء إلا "التبطيل".
تيّار وعي
أخذت أنظر إليها متصنعاً التأثر، وهي تشكو لي من حيرتها وأساها، لأن الشاب الذي تحبه لا يرد على مكالماتها، كنت أجاهد لكي أخفي كل ما بداخلي نحوها من ولع ووله وشغف واشتهاء، وكلها مشاعر لو تركت لها العنان لما اكتفت باحتلال وجهي فقط لتفضح ما بداخلي، بل لتدفقت على لساني دون أن تعبأ بأي مصير محتمل، ولم يمنعني من ذلك التدفق الحالم إلا خطوبتان كريهتان وثلاث زيجات فاشلة.
خيالات مقيمة
أصبح الخروج معه مكلفاً ومزعجاً، منذ أن صارت كل مقاهينا القديمة بالنسبة له مرفوضة، لأنها تحتوي على كراسي خشبية أو كراسي ذات قوائم معدنية، حتى "الكافيه" الذي استقر عليه أخيراً ليكون مكاناً للقائنا الأسبوعي، لم نصل إليه بسهولة، وإنما بعد أن عبرنا بأربع أو خمس كافيهات، رفضها كلها لأنها تخلو من "الكَنَب" وتُجلس زبائنها على الكراسي، التي أصبحت بالنسبة له من المحظورات.
كان لا بد أن يخبرنا بسر تلك الكراهية المباغتة للكراسي، لكي نتجاوب معه في مشاوير البحث عن كافيه لا كراسي فيه، ولولا أننا وجدنا السر وجيهاً لكان لنا معه شيء آخر، لكن المشكلة أننا أصبحنا جميعاً لا نطيق الجلوس على الكراسي في أي مكان، وما إن نجلس عليها حتى تداهمنا تلك الصورة البشعة التي نرى فيها أحداً ما يمسك بقوائم الكرسي، ويقوم بغرزها بوحشية في كعوب أقدامنا، فتقشعر أبداننا من هول الخيال المقيت، الذي بدأ يستولي على صديقنا، منذ أن قرأ مذكرات معتقل سياسي، تحدث فيها عن تفاصيل التعذيب البشعة التي تعرض لها من زبانية الأمن، الذين أدركوا بالتجربة بشاعة آلام الضرب بجسم حاد على الكعبين، وللأسف لم يحتفظ صديقنا لنفسه بما قرأه، ولكي لا ننفرد بعذابنا الذي نقله إلينا، أصبحنا لا نترك أحداً إلا وحكينا له ذلك الخيال الذي يسخر منه البعض في البدء، قبل أن يكتشفوا قدرته الشيطانية على التسلل إلى الرأس والكعبين.
قضية عامة
دخلت صديقتنا إلى نقطة شرطة الزمالك وهي تُقدِّم فخذاً وتؤخر أخرى، فقد كانت تلك المرة الأولى التي تدخل فيها مكاناً له علاقة بالبوليس، زال توترها بعد أن أحاطتها حفاوة كل من في القسم، وهي حفاوة كانت تعرف أن سببها هو شكلها وملابسها وماركة سيارتها، التي سمح لها أمين شرطة لزج بركنها في المكان المخصص للضباط، قبل أن يصطحبها متقافزاً حولها بفرحة للقاء الضابط المناوب، وبعد أن أخذت رشفة من فنجان القهوة الذي ألح الضابط في عمله لها من "بُنِّه" المخصوص، قالت له إنها جاءت للإبلاغ عن قضية عامة وليست شخصية، مع أنها كانت ستتضرر منها بشكل شخصي، وأن الموضوع ببساطة يتعلق بنِصف رجل، يفترش رصيف "مَنزَل" كوبري ستة أكتوبر المتجه إلى نادي الجزيرة، وحين استغرب الضابط تعبير "نِصف رجل" وظن أن له علاقة بواقعة تحرش، قالت له إنها تعني الوصف حرفياً، وأنها تتحدث عن متشرد مخيف المظهر لا يمتلك سوى نصفه العلوي لسبب ما، وأنها لكي لا يفهمها خطئاً متعاطفة مع حالته، ولا تطلب له أي ضرر، بل على العكس هي مستعدة لمساعدته بشتى الطرق، المهم فقط ألا يتم السماح له بالبقاء في ذلك المكان، لأن ظهوره بشكل مفاجئ في مجال رؤية السائقين خلال نزولهم من الكوبري، يمكن أن يصيبهم بالذعر، فيتعرضوا لحادثة مؤسفة كالتي نجت منها بأعجوبة، حين رأته فجأة أمامها، فكادت ترتطم بحاجز الكوبري، مضيفة أنه إذا لم يكن هذا المسكين يخاف على نفسه، فمن باب أولى أن تخاف الدولة عليه وعلى السائقين وعلى حاجز الكوبري، والضابط حدثها طويلاً عن معاناته مع المتسولين والمتشردين الذين أصبحوا على كل صنف ولون، ثم اتخذ من السؤال عن مهنتها مدخلاً إلى حياته الشخصية بعد أن شجعه على ذلك خلو يديها من مؤشرات الارتباط، وخلال الأعوام التالية لذلك اللقاء أصبح لديها قصة ثابتة تسعدها وتصدعنا وترضي غروره كلما روتها، وكثيراً ما كانت ترويها، قصة تبدأها بعبارة تشويقية، تقول إنها بفضل نِصف رجُل تعرفت على أعظم رجل في الدنيا.
قدّر ولطف
بابتسامة عذبة زينت ملامحه الوقورة، قال لي إنه ظل غاضباً مني لسنوات، ثم تبدل غضبه مني إلى امتنان عميق ومزيد من المحبة، لم أطلب منه شرحاً لما قاله، فقد تعلمت بالتجربة ألا أدخل في التفاصيل حفاظاً على الوقت وصوناً للمزاج، لكنه بادرني بالإجابة، وهو يسرع في كلامه، لكي نلحق بالقطار الذي لاح من بعيد قادماً نحو المحطة: "كنت بعثت لك من كذا سنة رسالة عن إبني طالب الهندسة اللي استشهد يوم جمعة الغضب في طنطا، كان عنده 19 سنة، بعثت لك مع الرسالة صورته وشهادة الوفاة وتقرير الطب الشرعي، وقلت لك يا ريت تتبنى حملة إنهم يطلقوا اسمه على المدرسة اللي درس فيها، مدرسة حسني مبارك الإعدادية للبنين اللي في شارع توت عنخ آمون في طنطا، عشان ما ينفعش مدرسته يفضل عليها اسم اللي قتله، كنت بازعل منك جداً لما تكتب عن كذا شهيد من بتوع القاهرة، وتنسى إنت وزمايلك شهداء الأقاليم، احنا استشهد عندنا في طنطا 25 شهيد وما حدش افتكرهم، قلت ممكن تكون الرسالة ما تكونش وصلتك بالبريد، خليت بنتي تبعتها لك على الإيميل، وبعتنا معاها الصورة برضه، كان نفسي صورة ابني تتنشر في جرنان زي غيره، لعل يوم حد يفتكره وحقه ييجي".
كان القطار قد توقف على الرصيف، ولم يكن الوقت يحتمل مزيداً من الشرح، ولذلك قرر أن يختم كلامه بالمختصر المفيد: "طبعاً انت فاهم دلوقتي ليه ما بقيتش زعلان منك وليه باشكرك إنك ما نشرتش الرسالة"، في الحقيقة لم أكن قد فهمت مغزى كلامه لأنني أقسمت أنني لم أتلق رسالة كهذه وإلا كنت نشرتها، وقبل أن أسترسل في ذكر أمثلة على تيه الرسائل الورقية والإلكترونية، قاطعني مطلقاً ضحكة عصبية وقال: "خلاص يبقى نشكر ربنا إنه كرمنا والرسالة ما وصلتكش، لإن لو كانت وصلتك ونشرتها، كان زمانهم طلعوا أحمد من القبر وضربوه بالرصاص تاني"، ثم ربّت على كتفي داعياً لي بالخير، وابتعد.
فوجئ الجميع بتبدُّل أحواله الدراسية في آخر سنتين له بكلية الحقوق، نجح في كليهما بتفوق، بعد أن كان "التبليط في الخط" حاله وديدنه، يكفي أنه قضى ثلاث سنوات متتالية يحاول عبور الفرقة الثانية التي بدت له أحياناً نهاية الدنيا.
الكل اتهم المخدرات التي أدمن أشد أنواعها فتكاً بالدماغ، وقد كانوا محقين في ذلك، لكنهم لم يدركوا أنها أيضاً كانت سبباً في نجاحه، فبفضلها كانت كل أسئلة الامتحانات تأتيه قبل موعدها، مصحوبة بالإجابات النموذجية، مقابل أن يكتم سراً وحيداً، لم يكن يحتاج إلى توقيع شيكات وكمبيالات على نفسه لكي يلتزم بكتمانه، لكن خوف صاحب السر من الفضيحة كان أقوى من أي اعتبار، وذلك الخوف أعان صاحبنا على تخطي عقبة الحصول على الشهادة الجامعية قبل فوات الأوان القانوني، بل وضمن له مستقبله المهني، حين جلب له وظيفة صورية دائمة في مكتب المحاماة الذي يمتلكه وكيل الكلية، والذي لم يكن أحد ليتصور أبداً أنه كان زميل صاحبنا في المصحة التي كان يفترض بها أن تعالجه من الإدمان، ظل صاحب المركز المرموق يتأرجح بين أنواع المخدرات ويتردد على أطباء وأخصائيين مختلفين، لكنه ظل زبوناً وفياً لـ "ديلره" القديم الذي لا ترتاح دماغه إلا لديه، لكنه لم يعد بحاجة لمخاطرة التعامل معه مباشرة، فقد كانت تلك مهمة صاحبنا الوحيدة في مكتب أستاذه الذي نجح في كل شيء إلا "التبطيل".
تيّار وعي
أخذت أنظر إليها متصنعاً التأثر، وهي تشكو لي من حيرتها وأساها، لأن الشاب الذي تحبه لا يرد على مكالماتها، كنت أجاهد لكي أخفي كل ما بداخلي نحوها من ولع ووله وشغف واشتهاء، وكلها مشاعر لو تركت لها العنان لما اكتفت باحتلال وجهي فقط لتفضح ما بداخلي، بل لتدفقت على لساني دون أن تعبأ بأي مصير محتمل، ولم يمنعني من ذلك التدفق الحالم إلا خطوبتان كريهتان وثلاث زيجات فاشلة.
خيالات مقيمة
أصبح الخروج معه مكلفاً ومزعجاً، منذ أن صارت كل مقاهينا القديمة بالنسبة له مرفوضة، لأنها تحتوي على كراسي خشبية أو كراسي ذات قوائم معدنية، حتى "الكافيه" الذي استقر عليه أخيراً ليكون مكاناً للقائنا الأسبوعي، لم نصل إليه بسهولة، وإنما بعد أن عبرنا بأربع أو خمس كافيهات، رفضها كلها لأنها تخلو من "الكَنَب" وتُجلس زبائنها على الكراسي، التي أصبحت بالنسبة له من المحظورات.
كان لا بد أن يخبرنا بسر تلك الكراهية المباغتة للكراسي، لكي نتجاوب معه في مشاوير البحث عن كافيه لا كراسي فيه، ولولا أننا وجدنا السر وجيهاً لكان لنا معه شيء آخر، لكن المشكلة أننا أصبحنا جميعاً لا نطيق الجلوس على الكراسي في أي مكان، وما إن نجلس عليها حتى تداهمنا تلك الصورة البشعة التي نرى فيها أحداً ما يمسك بقوائم الكرسي، ويقوم بغرزها بوحشية في كعوب أقدامنا، فتقشعر أبداننا من هول الخيال المقيت، الذي بدأ يستولي على صديقنا، منذ أن قرأ مذكرات معتقل سياسي، تحدث فيها عن تفاصيل التعذيب البشعة التي تعرض لها من زبانية الأمن، الذين أدركوا بالتجربة بشاعة آلام الضرب بجسم حاد على الكعبين، وللأسف لم يحتفظ صديقنا لنفسه بما قرأه، ولكي لا ننفرد بعذابنا الذي نقله إلينا، أصبحنا لا نترك أحداً إلا وحكينا له ذلك الخيال الذي يسخر منه البعض في البدء، قبل أن يكتشفوا قدرته الشيطانية على التسلل إلى الرأس والكعبين.
قضية عامة
دخلت صديقتنا إلى نقطة شرطة الزمالك وهي تُقدِّم فخذاً وتؤخر أخرى، فقد كانت تلك المرة الأولى التي تدخل فيها مكاناً له علاقة بالبوليس، زال توترها بعد أن أحاطتها حفاوة كل من في القسم، وهي حفاوة كانت تعرف أن سببها هو شكلها وملابسها وماركة سيارتها، التي سمح لها أمين شرطة لزج بركنها في المكان المخصص للضباط، قبل أن يصطحبها متقافزاً حولها بفرحة للقاء الضابط المناوب، وبعد أن أخذت رشفة من فنجان القهوة الذي ألح الضابط في عمله لها من "بُنِّه" المخصوص، قالت له إنها جاءت للإبلاغ عن قضية عامة وليست شخصية، مع أنها كانت ستتضرر منها بشكل شخصي، وأن الموضوع ببساطة يتعلق بنِصف رجل، يفترش رصيف "مَنزَل" كوبري ستة أكتوبر المتجه إلى نادي الجزيرة، وحين استغرب الضابط تعبير "نِصف رجل" وظن أن له علاقة بواقعة تحرش، قالت له إنها تعني الوصف حرفياً، وأنها تتحدث عن متشرد مخيف المظهر لا يمتلك سوى نصفه العلوي لسبب ما، وأنها لكي لا يفهمها خطئاً متعاطفة مع حالته، ولا تطلب له أي ضرر، بل على العكس هي مستعدة لمساعدته بشتى الطرق، المهم فقط ألا يتم السماح له بالبقاء في ذلك المكان، لأن ظهوره بشكل مفاجئ في مجال رؤية السائقين خلال نزولهم من الكوبري، يمكن أن يصيبهم بالذعر، فيتعرضوا لحادثة مؤسفة كالتي نجت منها بأعجوبة، حين رأته فجأة أمامها، فكادت ترتطم بحاجز الكوبري، مضيفة أنه إذا لم يكن هذا المسكين يخاف على نفسه، فمن باب أولى أن تخاف الدولة عليه وعلى السائقين وعلى حاجز الكوبري، والضابط حدثها طويلاً عن معاناته مع المتسولين والمتشردين الذين أصبحوا على كل صنف ولون، ثم اتخذ من السؤال عن مهنتها مدخلاً إلى حياته الشخصية بعد أن شجعه على ذلك خلو يديها من مؤشرات الارتباط، وخلال الأعوام التالية لذلك اللقاء أصبح لديها قصة ثابتة تسعدها وتصدعنا وترضي غروره كلما روتها، وكثيراً ما كانت ترويها، قصة تبدأها بعبارة تشويقية، تقول إنها بفضل نِصف رجُل تعرفت على أعظم رجل في الدنيا.
قدّر ولطف
بابتسامة عذبة زينت ملامحه الوقورة، قال لي إنه ظل غاضباً مني لسنوات، ثم تبدل غضبه مني إلى امتنان عميق ومزيد من المحبة، لم أطلب منه شرحاً لما قاله، فقد تعلمت بالتجربة ألا أدخل في التفاصيل حفاظاً على الوقت وصوناً للمزاج، لكنه بادرني بالإجابة، وهو يسرع في كلامه، لكي نلحق بالقطار الذي لاح من بعيد قادماً نحو المحطة: "كنت بعثت لك من كذا سنة رسالة عن إبني طالب الهندسة اللي استشهد يوم جمعة الغضب في طنطا، كان عنده 19 سنة، بعثت لك مع الرسالة صورته وشهادة الوفاة وتقرير الطب الشرعي، وقلت لك يا ريت تتبنى حملة إنهم يطلقوا اسمه على المدرسة اللي درس فيها، مدرسة حسني مبارك الإعدادية للبنين اللي في شارع توت عنخ آمون في طنطا، عشان ما ينفعش مدرسته يفضل عليها اسم اللي قتله، كنت بازعل منك جداً لما تكتب عن كذا شهيد من بتوع القاهرة، وتنسى إنت وزمايلك شهداء الأقاليم، احنا استشهد عندنا في طنطا 25 شهيد وما حدش افتكرهم، قلت ممكن تكون الرسالة ما تكونش وصلتك بالبريد، خليت بنتي تبعتها لك على الإيميل، وبعتنا معاها الصورة برضه، كان نفسي صورة ابني تتنشر في جرنان زي غيره، لعل يوم حد يفتكره وحقه ييجي".
كان القطار قد توقف على الرصيف، ولم يكن الوقت يحتمل مزيداً من الشرح، ولذلك قرر أن يختم كلامه بالمختصر المفيد: "طبعاً انت فاهم دلوقتي ليه ما بقيتش زعلان منك وليه باشكرك إنك ما نشرتش الرسالة"، في الحقيقة لم أكن قد فهمت مغزى كلامه لأنني أقسمت أنني لم أتلق رسالة كهذه وإلا كنت نشرتها، وقبل أن أسترسل في ذكر أمثلة على تيه الرسائل الورقية والإلكترونية، قاطعني مطلقاً ضحكة عصبية وقال: "خلاص يبقى نشكر ربنا إنه كرمنا والرسالة ما وصلتكش، لإن لو كانت وصلتك ونشرتها، كان زمانهم طلعوا أحمد من القبر وضربوه بالرصاص تاني"، ثم ربّت على كتفي داعياً لي بالخير، وابتعد.