03 يوليو 2019
عن هفوة صابر الرباعي
في وسعك أن تصدّق، أو لا تصدّق، زعم الفنان التونسي، صابر الرباعي، أنه لم يكن يعلم بهوية الضابط الإسرائيلي الذي طلب منه التقاط صورةٍ تذكاريةٍ إلى جانبه، ثم نشرها على موقع "تويتر"، فأثارت ما أثارت من الجدل بين أهل تونس، كما بين كثير من العرب، حول التطبيع مع دولة الاحتلال.
ويمكنك أن توافق، أيضاً، أو لا توافق، على قول الفنانين والأدباء العرب الذين يزورون الضفة الغربية بأنهم يبتغون التواصل مع الشعب الفلسطيني، لأنهم يعتقدون أن "زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجَان"، على حد ما قال الرباعي لاحقاً لتبرير موقفه.
وتستطيع أن تقتنع كذلك، أو لا تقتنع، بالمنطق القائل إن للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال الإسرائيلي حق انتزاع لحظات فرح إنساني، كهذه التي قد يوفرها، أحياناً، حفل غنائي يقيمه فنان عربي، مثل الرباعي، على أرض مدينةٍ من مدنهم المطوقة بحواجز الموت.
لكن، ما يصعب على أحد أن يصدّقه، أو يوافق عليه، أو يقتنع به، هو أن تصير القيادة الفلسطينية أشبه بمتعهد حفلاتٍ غنائية، فتنهمك في العمل على استقدام مطربٍ ليغني على مسارح إحدى المناطق الواقعة تحت سلطة الاحتلال، بكل ما تستدعيه "هذه العملية" من تنسيقٍ مع المحتلين، ثم بكل ما قد يترتب عليها لاحقاً من شبهات تعريب التطبيع التي تجسّدت، أخيراً، بالمعنى الفعلي، لا الرمزي فحسب، في صورة تجمع فناناً تونسياً بضابط إسرائيلي.
ليأت الرباعي، أو سواه من الفنانين والأدباء العرب، إلى فلسطين، إن استطاع المرور عبر معابر الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن يقع في رجس التطبيع، ولتقم شركاتٌ فنية، ومتعهدو حفلاتٍ، بتنظيم رحلته، ونشاطاته، عبر التنسيق مع مؤسسات السلطة، على غرار ما يحدث في كل بلدان العالم، وليستقبله وزير الثقافة، إذا كان يرى فيه فناناً أو أديباً مرموقاً، وجاء تضامناً مع فلسطين.
أما أن يحظى "أمير الطرب العربي"، ومع كل التقدير له فناناً ذا شعبية واسعة، باستقبال في مكتب الرئاسة الفلسطينية، لا يحظى بمثله عادة لدى أيٍّ الرؤساء والأمراء والملوك، فهو أمر يكرّس شراكتها، بل شراكة الرئيس محمود عباس شخصياً، في المسؤولية التضامنية والفعلية عن مشهد التطبيع الذي تُوّجت به الزيارة.
صحيح أن لفلسطين هنا خصوصيتها التي تستدعي تخليَ الرئيس عن الشكليات البروتوكولية، لحساب المصلحة الوطنية، كلما اقتضى الأمر، غير أن ما حدث قبل (وبعد) الاستقبال الرئاسي الذي حضره وزير الثقافة، إيهاب بسيسو، ورجل الأعمال بشار المصري، خلا للأسف من أية التفاتةٍ تشير إلى أن المضيفين كانوا مهتمين حقاً بحماية ضيفهم من هفوة التطبيع العفوية التي اقترفها، أو باستثمار زيارته لخدمة شعارات دعم صمود الشعب الفلسطيني التي ما انفكّت تتردّد عند كل جدلٍ تثيره زيارة فنانٍ أو مثقف عربي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلا فلماذا لم ينبهه مرافقوه الفلسطينيون، أو حتى يحذّروه من الضابط الإسرائيلي حين همّ بالتقاط الصورة معه، وماذا كان في برنامج الربّاعي أصلاً سوى الغناء على مسرح فخم، لمن يستطيعون شراء تذاكر الدخول الباهظة الثمن نسبياً؟
ليس مطلوباً من الربّاعي، طبعاً، ولا من أي فنان أو مثقف آخر، أن يذهب ليشارك الشبان الفلسطينيين قذف حواجز الاحتلال بالحجارة على مداخل القدس، ليثبت أنه يدعم صمود الشعب الفلسطيني. يكفي منه أن يفعل ما فعل، حين ارتدى الكوفية الفلسطينية، وغنّى لفلسطين أغنية "الظلم مهما يطول.."، وإن كنت أتمنى شخصياً لو أني رأيته، في مواقف ذات دلالةٍ رمزية، كأن يصدح بمقطعٍ من هذه الأغنية، عند جدار الفصل العنصري، أو في منزل أحد الشهداء. وذاك، في رأيي، لم يكن تقصيراً منه، وإنما هي بعض أخطاء السلطة التي استضافته، من دون أي متطلباتٍ ترتبط بدورها الوطني المفترض، وتصرّفت كأنها متعهد حفلات، حتى لا أقول مقاول تطبيع.
ويمكنك أن توافق، أيضاً، أو لا توافق، على قول الفنانين والأدباء العرب الذين يزورون الضفة الغربية بأنهم يبتغون التواصل مع الشعب الفلسطيني، لأنهم يعتقدون أن "زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجَان"، على حد ما قال الرباعي لاحقاً لتبرير موقفه.
وتستطيع أن تقتنع كذلك، أو لا تقتنع، بالمنطق القائل إن للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال الإسرائيلي حق انتزاع لحظات فرح إنساني، كهذه التي قد يوفرها، أحياناً، حفل غنائي يقيمه فنان عربي، مثل الرباعي، على أرض مدينةٍ من مدنهم المطوقة بحواجز الموت.
لكن، ما يصعب على أحد أن يصدّقه، أو يوافق عليه، أو يقتنع به، هو أن تصير القيادة الفلسطينية أشبه بمتعهد حفلاتٍ غنائية، فتنهمك في العمل على استقدام مطربٍ ليغني على مسارح إحدى المناطق الواقعة تحت سلطة الاحتلال، بكل ما تستدعيه "هذه العملية" من تنسيقٍ مع المحتلين، ثم بكل ما قد يترتب عليها لاحقاً من شبهات تعريب التطبيع التي تجسّدت، أخيراً، بالمعنى الفعلي، لا الرمزي فحسب، في صورة تجمع فناناً تونسياً بضابط إسرائيلي.
ليأت الرباعي، أو سواه من الفنانين والأدباء العرب، إلى فلسطين، إن استطاع المرور عبر معابر الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن يقع في رجس التطبيع، ولتقم شركاتٌ فنية، ومتعهدو حفلاتٍ، بتنظيم رحلته، ونشاطاته، عبر التنسيق مع مؤسسات السلطة، على غرار ما يحدث في كل بلدان العالم، وليستقبله وزير الثقافة، إذا كان يرى فيه فناناً أو أديباً مرموقاً، وجاء تضامناً مع فلسطين.
أما أن يحظى "أمير الطرب العربي"، ومع كل التقدير له فناناً ذا شعبية واسعة، باستقبال في مكتب الرئاسة الفلسطينية، لا يحظى بمثله عادة لدى أيٍّ الرؤساء والأمراء والملوك، فهو أمر يكرّس شراكتها، بل شراكة الرئيس محمود عباس شخصياً، في المسؤولية التضامنية والفعلية عن مشهد التطبيع الذي تُوّجت به الزيارة.
صحيح أن لفلسطين هنا خصوصيتها التي تستدعي تخليَ الرئيس عن الشكليات البروتوكولية، لحساب المصلحة الوطنية، كلما اقتضى الأمر، غير أن ما حدث قبل (وبعد) الاستقبال الرئاسي الذي حضره وزير الثقافة، إيهاب بسيسو، ورجل الأعمال بشار المصري، خلا للأسف من أية التفاتةٍ تشير إلى أن المضيفين كانوا مهتمين حقاً بحماية ضيفهم من هفوة التطبيع العفوية التي اقترفها، أو باستثمار زيارته لخدمة شعارات دعم صمود الشعب الفلسطيني التي ما انفكّت تتردّد عند كل جدلٍ تثيره زيارة فنانٍ أو مثقف عربي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلا فلماذا لم ينبهه مرافقوه الفلسطينيون، أو حتى يحذّروه من الضابط الإسرائيلي حين همّ بالتقاط الصورة معه، وماذا كان في برنامج الربّاعي أصلاً سوى الغناء على مسرح فخم، لمن يستطيعون شراء تذاكر الدخول الباهظة الثمن نسبياً؟
ليس مطلوباً من الربّاعي، طبعاً، ولا من أي فنان أو مثقف آخر، أن يذهب ليشارك الشبان الفلسطينيين قذف حواجز الاحتلال بالحجارة على مداخل القدس، ليثبت أنه يدعم صمود الشعب الفلسطيني. يكفي منه أن يفعل ما فعل، حين ارتدى الكوفية الفلسطينية، وغنّى لفلسطين أغنية "الظلم مهما يطول.."، وإن كنت أتمنى شخصياً لو أني رأيته، في مواقف ذات دلالةٍ رمزية، كأن يصدح بمقطعٍ من هذه الأغنية، عند جدار الفصل العنصري، أو في منزل أحد الشهداء. وذاك، في رأيي، لم يكن تقصيراً منه، وإنما هي بعض أخطاء السلطة التي استضافته، من دون أي متطلباتٍ ترتبط بدورها الوطني المفترض، وتصرّفت كأنها متعهد حفلات، حتى لا أقول مقاول تطبيع.