يبدو قرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مساء الأحد خلال اجتماع الهيئة العامة للائتلاف، بعدم المشاركة في المشاورات التي دعا لها المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في جنيف، بمثابة ترجمة فعلية للزخم الكبير الذي أعطاه التقارب بين الفصائل العسكرية على الأرض والائتلاف، والتوافق الدولي الحاصل بين كل من السعودية وتركيا وقطر على إعطاء دور أكبر للجهة التمثيلية السياسية للمعارضة وربطها بالمكونات العسكرية على الأرض، فجاء القرار كأول رفض للائتلاف إزاء مبادرة من الأمم المتحدة بعد أن كان دوره يقتصر على الترحيب بكل الدعوات والمبادرات التي تُطرح من الأمم المتحدة أو برعايتها.
ولكي يرفع الائتلاف المعارض الحرج السياسي عنه برفض المشاركة في مبادرة أممية، استعاض عن المشاركة بمشاورات جنيف بإرسال رسالتين إلى كل من دي ميستورا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يشرح من خلالهما موقف الائتلاف من هذه المشاورات، كما وجّه دعوة إلى المبعوث الأممي لمتابعة التشاور في إسطنبول خلال شهر يونيو/حزيران المقبل، مؤكداً استمرار التعاون بين الائتلاف والأمم المتحدة.
وكشفت مصادر من داخل الائتلاف لـ "العربي الجديد"، أن الرسالتين تعبّران عن استياء أعضاء الائتلاف من الطريقة التي قامت على أساسها المشاورات، وقيام دي ميستورا بدعوة الائتلاف مع 40 جهة سورية معارضة أخرى، وهذا ما يخالف بيان جنيف، والاعتراف الذي حصل عليه الائتلاف من 114 دولة، واعتبار الائتلاف الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري والمحاور بالنيابة عنه.
وأضافت المصادر أن الائتلاف أراد بهذا القرار الالتصاق بالفصائل العسكرية التي امتنعت عن الذهاب للمشاورات، بعد أن حصل تقارب كبير بينهم، وجرى الاتفاق لأول مرة على خمس نقاط أساسية خلال اللقاء الذي جمعهم في 22 أبريل/نيسان الماضي.
كذلك علمت "العربي الجديد" أن الرسالتين اللتين صاغهما الائتلاف، سيقوم رئيس اللجنة القانونية هيثم المالح بإيصالهما للمبعوث الأممي ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة من دون التشاور أو التفاوض. وبيّن المصدر أن هذا الموقف أجمع عليه معظم أعضاء الائتلاف، بالإضافة إلى ميشال كيلو ورياض سيف اللذين تم توجيه دعوات لهما بشكل منفرد.
وجاء قرار الهيئة العامة للائتلاف بعدما بعث رئيسه خالد خوجة رسالة إلى فريق دي ميستورا، أعلمه فيها أن وفد الائتلاف لحضور مشاورات جنيف سيكون مؤلفاً من 12 شخصاً، وأن الوفد سيحضر إلى جنيف في 11 مايو/أيار الحالي وسيشارك في الجلسات المخصصة له في 12 و13 و14 من الشهر، قبل أن يتراجع عن هذا القرار ويعيد البت في قرار المشاركة إلى مشاورات الهيئة العامة في الائتلاف.
يبدو أن الائتلاف أصبح يعوّل بشكل أكبر على المبادرة السعودية من خلال مؤتمر الرياض الذي يبدو أكثر نضجاً ويعتمد على رؤية أكثر واقعية من خلال النظر إلى مكوّنات المعارضة والفصل بين المعارضة الفاعلة المرتبطة بقواعد على الأرض، وبين المعارضة المنفصلة عن الواقع، ومن جهة أخرى الفصل بين المعارضة الفعلية والعناصر والجهات الموالية للنظام والمصنّعة من قبله كـ "معارضة داخلية"، الأمر الذي يفسح المجال أمام تشكيل جسم معارض يتشكل من قوى فاعلة حقيقية مرتبطة بالأرض، ومتناغم بين شقه السياسي التمثيلي وشقه العسكري، بعد ضمان تمثيل الفصائل العسكرية الكبرى في الجسم السياسي الجديد، بما يحقق الوصول إلى حل سياسي وآليات عملية مناسبة لتطبيقه بشكل يضمن التحوّل للسلطة وإنشاء هيئة حكم انتقالي تدير المرحلة المقبلة.
وفي الوقت ذاته يسعى الائتلاف من خلال رسالتيه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه دي ميستورا، للمحافظة على علاقة سياسية جيدة مع الأمم المتحدة وتأمين غطاء دولي لمؤتمر الرياض بمساعدة الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة وعلى رأسها السعودية، والتي يرجح أن تؤدي دوراً أكبر في القضية السورية خلال الفترة المقبلة بعد إعادة ترتيب بيتها الداخلي وبعد إنجاز "عاصفة الحزم" وما يليها والإعلان عن توقّف أعمالها في اليمن.
كما أن زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لضريح سليمان شاه داخل الأراضي السورية في قرية أشمة الحدودية، تُشكّل رسالة واضحة للدور التركي الكبير الذي ستؤديه تركيا في القضية السورية في حال نجاح حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية المقبلة، (7 يونيو/حزيران) عدا عن كونها رسالة انتخابية موجّهة للداخل التركي.
اقرأ أيضاً: جناح عسكري للائتلاف السوري... وترجيح مقاطعة جنيف
ويأتي المؤتمر الصحافي المشترك لرئيس الائتلاف خالد خوجة مع رئيس "تيار بناء الدولة" لؤي حسين الذي كان محسوباً على "المعارضة الداخلية" والذي عُقد ظهر أمس في إسطنبول، كنقطة قوة جديدة للائتلاف الذي استطاع أن يتوصّل لرؤى مشتركة بينه وبين هيئات المعارضة التي تعمل ضمن مناطق النظام من جهة، وبينه وبين كبرى الفصائل العسكرية المعارضة التي تحارب النظام من جهة أخرى، يضاف إليه التقارب الذي حصل أخيراً بين الائتلاف و"هيئة التنسيق"، الفصيل الآخر للمعارضة الداخلية الذي ينشط في دمشق، ما يجعل الائتلاف يذهب إلى مؤتمر الرياض وهو قد حقق العديد من أهداف المؤتمر، خصوصاً أن النقاط التي تم التوافق عليها بين الائتلاف وتيارات المعارضة الداخلية في معظمها هي من الثوابت التي يقوم عليها الائتلاف.
ومن الرؤى المشتركة التي توافق عليها "تيار بناء الدولة" والائتلاف، أن "سلطة النظام هي وحدها من يجسد الإجرام والخراب ومن استدعى التطرف والإرهاب، وأسّس لعدم الاستقرار والفوضى في سورية"، وأن "الثورة تقف مع الأمن والاستقرار وسيادة القانون ونبذ العنف، وتسعى إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تنعم بالحياة الدستورية وسيادة القانون، والذي يتساوى أمامه جميع المواطنين، ويتمتعون بمنظومة الحريات العامة والخاصة، وتنصف الضحايا، وتحاسب المرتكبين والمجرمين والفاسدين أمام محاكم عادلة وعلى قاعدة المسؤولية الشخصية".
كذلك أكد الائتلاف والتيار أن "لا حل سياسياً ينقذ سورية مما هي فيه، إلا برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وزمرته، وألا يكون له أي دور في مستقبل سورية، وأن الحوار الوطني الشامل بين السوريين هو المدخل لاجتراح الحلول المقبولة التي تنهي معاناة الشعب، وتوفر الأمن والاستقرار للبلاد".
وتم كذلك التوافق على أن وثيقة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية "وثيقة المبادئ الأساسية" حول التسوية السياسية في سورية، الصادرة في 14 يناير/كانون الثاني 2015، هي وثيقة وطنية جامعة للمعارضة السورية، وتأكيد الالتزام بها وتعهد الحرص على تنفيذها"، داعين "جميع السوريين لمشاركتنا هذا الحرص والالتزام".
كذلك أعلن كل من الائتلاف و"تيار بناء الدولة" أنهما سيعملان سوية على توفير المناطق الآمنة للشعب السوري وتأسيس الإدارة المدنية في تلك المناطق، وأكدا أن "تأسيس جيش وطني للثورة السورية أصبح أمراً ملحاً لمواجهة استحقاقات المستقبل بعد أن تهتّك جيش النظام وبانت بداية نهايته، موضحين أن الانتصار الحقيقي للثورة سيتوج بولادة جيش سورية الجديدة الذي يتولى الدفاع عن الوطن والشعب وحماية السيادة والاستقلال، وتوفير الأمن والاستقرار لجميع المواطنين في جميع المناطق". وتأتي خطوات التوحيد بين فصائل الثورة المقاتلة على الأرض لتكون اللبنة الأولى في بناء هذا الجيش، حيث يكون الثوار وضباط الجيش الحر والسوريون الأحرار في كل مكان عموده الفقري.
اقرأ أيضاً: أبرز فصائل المعارضة السورية المسلحة تخطط للاندماج في "الائتلاف"