لا يستطيع المستوى الرسمي الفلسطيني أن يداري خيبته بفوز زعيم "الليكود" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، وعلى الرغم من التصريحات الصحافية المحايدة التي أصدرتها الرئاسة والخارجية الفلسطينيتان، إلا أن خيبة الأمل واليقين أن هناك المزيد من السنوات العجاف تنتظر الفلسطينيين مع رئيس حكومة الاحتلال القادم الذي رفع شعاراً انتخابياً يتعهد فيه بعدم قيام دولة فلسطينية إن تم انتخابه، تسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني.
وكان المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، نمر حماد، قد قال في تصريحات للإعلام الفلسطيني، "بأن إسقاط اليمين الاسرائيلي المتطرف في الانتخابات الحالية في إسرائيل مهم جداً بالنسبة للفلسطينيين وللعالم"، مشيراً إلى أن هناك فرصة أمام زعيم "المعسكر الصهيوني" يتسحاق هرتسوغ "لتحقيق إنجازات على صعيد السلام مشابهة لرئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق رابين"، حسب ما نقلت صحيفة "القدس" الفلسطينية اليومية.
حالة الوهم سيطرت على القيادة الفلسطينية بانتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية، إذ جمّدت القيادة كل جهودها السياسية وملفاتها الحيوية عبر أشهر من الانتظار الطويل، على أمل أن تفرز الانتخابات الإسرائيلية شريكاً للسلام، تُعوّل عليه القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات من جهة، وهي خيارها الوحيد للتحرر حسب تصريحات عباس، وتجنيبها الحرج أمام الشارع الفلسطيني لعدم قدرتها على تنفيذ قرارات حاسمة أقرها المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، من جهة أخرى.
وسارعت القيادة الفلسطينية بعد ساعات من صدور نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بالدعوة لعقد اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مساء اليوم الخميس، في دعوة تثبت أن الاجتماع يأتي كردة فعل وبهدف بحث النتائج المترتبة لعودة نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال الجديدة.
ويوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع اللجنة التنفيذية يهدف لوضع آليات لتطبيق قرارات المجلس المركزي الأخيرة، والقيام بمراجعة شاملة للعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتالي سيكون هناك عدة قرارات أبرزها متعلقة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال".
ويشير المجدلاني إلى أنه "سيكون هناك قرار في موضوع المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، لأن هذا الملف بات أساسياً في ظل التطورات الأخيرة وفوز اليمين الإسرائيلي".
ويؤكد الحاجة "إلى تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني لأنه بات واضحاً أن حكومة يمينية متطرفة ستحكم إسرائيل على مدى السنوات القليلة المقبلة، ولا تهدف إلى صنع السلام أو قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأقصى ما ستقدّمه هذه الحكومة المتطرفة هو حل انتقالي بعيد المدى أو دولة مؤقتة الحدود".
ويعلن المجدلاني أن القيادة الفلسطينية لديها قناعة تامة بعدم جدوى مواصلة المفاوضات مع حكومة يقودها نتنياهو، وهذه القناعة ليست وليدة الانتخابات أو رفع نتنياهو شعاراً عنصرياً سافراً "انتخبوني لأمنع قيام دولة فلسطينية"، معتبراً أن "هذا الشعار هو سلوك كان يمارسه نتنياهو خلال السنوات القليلة السابقة، وهذا ما دفع القيادة الفلسطينية إلى تغيير مسار العمل السياسي، والتوقف عن العملية التفاوضية بالصيغة القائمة عليها والتفرد الأميركي المنحاز لإسرائيل، والتوجّه إلى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية لتدويل القضية الفلسطينية وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته لإنهاء الاحتلال".
اقرأ أيضاً: الخارجية الفلسطينية: نتنياهو يكشف حقيقته ويدفن حلّ الدولتين
وكان رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات، أكد أمس في تصريحات لوسائل إعلام فلسطينية، أن اللجنة التنفيذية ستضع الآليات لتنفيذ قرارات المجلس المركزي الأخيرة، وهي بمثابة خطة استراتيجية أقرها المجلس المركزي قبل الانتخابات المركزية بأسبوعين، معتبراً أن "هذا يدل على أننا لا نتحرك بردة فعل".
لكن عريقات لم يجب عن سبب تأخر مثل هذا الاجتماع أسبوعين بعد انتهاء اجتماع المجلس المركزي، وجاء قرار انعقاده عشية إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أي أن جميع ما قرره المجلس المركزي بقي قيد التنفيذ انتظاراً لما ستؤول إليه الانتخابات الإسرائيلية.
وقال عريقات: "لدينا استراتيجية قبل الانتخابات الإسرائيلية وليس ردة فعل، ونعرف تكلفة ما نقوله ولكن لا خيار أمامنا إلا عبر تنفيذ هذه القرارات، والتي تتضمن تحميل سلطة الاحتلال كافة مسؤولياتها تجاه دولة فلسطين المحتلة، ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله وهذه الأمور وردت في قرارات المجلس المركزي".
وحول العودة للمفاوضات، قال عريقات: "لا يمكن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، إذا ما أرادت الولايات المتحدة السلام في هذه المنطقة فهي قادرة على إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان".
وتوقّع عريقات "أن تطلب الإدارة الأميركية من القيادة الفلسطينية إعطاء فرصة لحكومة إسرائيل الجديدة، لكن هذا أمر غير ممكن لأن نتنياهو يعمل منذ العام 2009 على تقويض حل الدولتين، فضلاً عن أن الشارع الإسرائيلي صوّت مع دفن هذا الحل، ولصالح الاستمرار بالاحتلال وبناء المزيد من المستوطنات".
لكن المحلل والمحاضر في جامعة القدس أحمد رفيق عوض، يعتبر أنها مسألة وقت قبل أن تعود القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، لكن عبر بوابة عربية أو غربية لتفادي الحرج.
ويتوقّع عوض في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن يكون هناك تدخل عربي ودولي معيّن لـ"تبييض وجه السلطة" بحيث لا تعود وكأنها مرغمة، بل تعود من بوابة عربية أو دولية لبحث تسوية مع نتنياهو الذي سيكون على رأس الحكم لمدة أربع سنوات، وهو سيمارس ذات النهج الذي انتهجه سابقاً".
ويرى أن "السلطة الفلسطينية ستعيد حساباتها، وليست حسابات المواجهة وإنما حسابات التسوية التي ستأتي عبر بوابة عربية أو دولية أو كليهما هذه المرة، من أجل أن يكون هناك مسوغ لدخولها بمستوى آخر من العلاقة مع حكومة نتنياهو".
وحول الاستراتيجية الفلسطينية المتمثلة بقرارات المجلس المركزي الأخيرة، يقول عوض إن "القيادة الفلسطينية اعتبرت قرارات المجلس المركزي توصيات، وهي بالتالي قد لا تفعّل أو لا تترجم على الأرض، إلا في حال قام نتنياهو بتصعيد كبير بحيث لا يبقى للسلطة أي هامش للحركة".
من جهته، يرى نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" صبري صيدم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من المهم تصعيد الجهود الدبلوماسية وعدم التردد بهذه الخطوات من الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية".
ويلفت إلى أنه "لا توجد نتيجة للنشاط الدبلوماسي حتى الآن، وأيضاً للمصالحة الفلسطينية الداخلية، والمطلوب تحقيق نتائج بهذه الملفات وليس الحديث عنها".