01 أكتوبر 2018
غباء الانبطاح
مرّ زمن طويل لم تشهد فيه المنطقة فصول ذلك الاستقطاب الشهير بين محوري الاعتدال والممانعة، محرّك التطورات والأحداث قبل موجة التغيير سنة 2011 التي صنعت واقعاً جديداً، أو بالأحرى رسمت خطوطاً جديدة للانقسام، وفق اعتبارات جديدة، أهمها التكتل الإقليمي ضد عدوان إيران ودورها التخريبي في العراق وسورية واليمن. لكن زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيرا، وما رافقها من صخب ومواقف لا تنسجم مع تطلعات ما بعد 2011، ثم اندلاع الحرب الإعلامية الصاعدة بين دول خليجية.. كلها عوامل تدفع المراقب إلى الخروج بنتيجة واحدة، هي وجود رغبة جامحة في عودة عقارب الساعة إلى الوراء بشكل كامل، في أحسن الأحوال إلى ما قبل 2015، سنة تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور، ومحاولته رسم معالم سياسة إقليمية متقدمة تعدّل أخطاء وفجوات السياسات السابقة المقاومة للتحوّل والراغبة في الحفاظ على وضع قائم يخوّلها إدارة المنطقة، وفق نظام الاستقطاب (اعتدال، ممانعة) مع الانخراط التام في الأجندة الدولية من دون النظر إلى الاستحقاقات الداخلية.
الجديد في عهد ترامب هو الشراسة التي عادت بها إيديولوجيا الانبطاح في المنطقة بدرجاتٍ تفوق بمراحل ما كانت عليه في عز أيامها السالفة، حيث لم تعد تمثل اعتدالاً سياسياً في مواجهة الراديكالية بشتى صنوفها، سواء القومية أو الأصولية ضمن تنافس بين أفكار وبرامج على كبينة القيادة الإقليمية، وإنما أصبحت انبطاحاً كاملاً، يبحث عن الذوبان في إناء النظام الدولي تحت شعار الدفاع عن المصالح الوطنية الضيّقة، وأضحى اللجوء إلى الأساليب الدنيئة أمراً مستساغاً، لا يتوّرع عنه الانبطاحي لتحقيق أهدافه باستغلال وسائل الإعلام وحرية التعبير.
هذا وتدّعي إيديولوجيا الانبطاح دائما إعلاء شأن العقلانية والتقدّم، بينما تمثل منطلقاتها الفكرية أشدّ مظاهر التخلف الفكري والانحطاط القيمي، ما يجعل أصحابها أداة وظيفية لإرهاب الخصوم، وإيصال رسائل سياسية، ولا تمثل في المقابل أيّ مشروع متكامل، يمكن أن يعتد به، والمضحك المبكي أنّ أهل الانبطاح يفرّطون في بعض الثوابت، مثل القضية الفلسطينية وحق المقاومة المشروع والاستقلالية ونبذ التبعية كمواقف رفقة أخرى، يتم تسويقها في سياق معارضة النفوذ الإيراني. لكن هؤلاء لم يوّضحوا لنا ما هو برنامجهم على أرض الواقع للتصدّي لإيران، وإلحاق الهزيمة بمشروعها في مناطق الاشتباك، أم أنّ إيران مجرّد فزاعة يشرعن بها الانبطاحي وجوده، مثلما يشرعن محور الممانعة سياساته الإجرامية بشعار مقاومة إسرائيل؟
ومن الواضح أنّ الزوبعة التي أحدثها أخيرا رعاة إيديولوجيا الانبطاح طمعاً في استعادة عصرهم الذهبي، هي عن قصد أو من دون قصد مشروع لدق إسفين عميق في صفوف التكتل الإقليمي الميداني ضد العدوان الإيراني واستبداله بلعبة الشعارات الفارغة، حيث التخويف من إيران من دون التحرّك الجاد لمواجهتها، لأن الأولوية موجودة في مكان آخر تغذّيها النيران الصديقة.
والأكيد أنّ المستفيد الأكبر من هذا الأمر ليس سوى إيران وحلفائها، حين يرون الطرف المقابل يتخلّى عن ضميره ويحترق بنيران مواجهة عبثية لا معنى لها، أمّا المتضرّر الأكبر فهو ذلك المواطن العربي المغبون الذي يبحث عن الخلاص من البلطجة الإيرانية وجنون الانبطاح.
الجديد في عهد ترامب هو الشراسة التي عادت بها إيديولوجيا الانبطاح في المنطقة بدرجاتٍ تفوق بمراحل ما كانت عليه في عز أيامها السالفة، حيث لم تعد تمثل اعتدالاً سياسياً في مواجهة الراديكالية بشتى صنوفها، سواء القومية أو الأصولية ضمن تنافس بين أفكار وبرامج على كبينة القيادة الإقليمية، وإنما أصبحت انبطاحاً كاملاً، يبحث عن الذوبان في إناء النظام الدولي تحت شعار الدفاع عن المصالح الوطنية الضيّقة، وأضحى اللجوء إلى الأساليب الدنيئة أمراً مستساغاً، لا يتوّرع عنه الانبطاحي لتحقيق أهدافه باستغلال وسائل الإعلام وحرية التعبير.
هذا وتدّعي إيديولوجيا الانبطاح دائما إعلاء شأن العقلانية والتقدّم، بينما تمثل منطلقاتها الفكرية أشدّ مظاهر التخلف الفكري والانحطاط القيمي، ما يجعل أصحابها أداة وظيفية لإرهاب الخصوم، وإيصال رسائل سياسية، ولا تمثل في المقابل أيّ مشروع متكامل، يمكن أن يعتد به، والمضحك المبكي أنّ أهل الانبطاح يفرّطون في بعض الثوابت، مثل القضية الفلسطينية وحق المقاومة المشروع والاستقلالية ونبذ التبعية كمواقف رفقة أخرى، يتم تسويقها في سياق معارضة النفوذ الإيراني. لكن هؤلاء لم يوّضحوا لنا ما هو برنامجهم على أرض الواقع للتصدّي لإيران، وإلحاق الهزيمة بمشروعها في مناطق الاشتباك، أم أنّ إيران مجرّد فزاعة يشرعن بها الانبطاحي وجوده، مثلما يشرعن محور الممانعة سياساته الإجرامية بشعار مقاومة إسرائيل؟
ومن الواضح أنّ الزوبعة التي أحدثها أخيرا رعاة إيديولوجيا الانبطاح طمعاً في استعادة عصرهم الذهبي، هي عن قصد أو من دون قصد مشروع لدق إسفين عميق في صفوف التكتل الإقليمي الميداني ضد العدوان الإيراني واستبداله بلعبة الشعارات الفارغة، حيث التخويف من إيران من دون التحرّك الجاد لمواجهتها، لأن الأولوية موجودة في مكان آخر تغذّيها النيران الصديقة.
والأكيد أنّ المستفيد الأكبر من هذا الأمر ليس سوى إيران وحلفائها، حين يرون الطرف المقابل يتخلّى عن ضميره ويحترق بنيران مواجهة عبثية لا معنى لها، أمّا المتضرّر الأكبر فهو ذلك المواطن العربي المغبون الذي يبحث عن الخلاص من البلطجة الإيرانية وجنون الانبطاح.
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017