أثار توسّع البنوك العاملة في فلسطين، ومنحها قروضًا لأفراد السلطة الوطنية لأغراض شراء السلع المعمّرة والشقق السكنية، تعثرًا كبيرًا بعد قرار خصم الرواتب، الذي أصدرته حكومة رام الله في 4 نيسان/ أبريل لموظفيها في غزّة دون الضفّة الغربية، ويتراوح ما بين 30 و50 في المائة.
هذا القرار، أجبر الموظفين والمقترضين على وجه الخصوص على دفع لقمة عيشهم فاتورة المناكفات السياسية بين حكومتهم وحركة "حماس" المسيطرة على القطاع منذ عشرة أعوام.
أمر الاقتطاع جاء ردًّا على إجراءات "حماس" في تشكيل لجنة إدارية لإدارة القطاع، وأثار قرار الخصم غضب الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، والذين يقدّر عددهم بـ 58 ألف موظّف، يعتمد أكثر من 80 في المائة منهم على القروض الاستهلاكية المقدّمة من بنوك في غزّة.
وكانت سلطة النقد الفلسطينية قد أصدرت بيانًا متعلقًا بخصومات الرواتب، طالبت فيه المؤسّسات المصرفية "البنوك"، ومؤسّسات الإقراض العاملة في المحافظات الجنوبية بخصم ما نسبته 70% من الأقساط الشهرية المستحقّة على المقترضين بدلًا من الخصم الكامل بنسبة 100 في المائة، وذلك مراعاة لظروف موظفي القطاع.
الخبير المالي أمين أبو عيشة في غزّة انتقد القرار واعتبره مجحفًا في حقّ الموظّف الفلسطيني، ويتنافى مع قانون سلطة النقد الذي لا يجيز للقطاع البنكي خصم أكثر من 50 في المائة من الراتب.
وقال المتحدّث: "إن سلطة النقد بهذا القرار لم تقم بواجبها في تحقيق استقرار نقدي وتنموي بما يتواءم مع حجم الخصومات التي أقرّتها الحكومة في حق الموظف، مما يعيق وجود السيولة في القطاع متجاوزة بذلك السقف المحدد للائتمان المصرفي".
وأضاف أبو العيشة أن الموظف وقع في فخ قروض البنوك المصرفية التي تعتمد على الجانب التجاري، وليس التنموي فالمتضرّر بشكل أساسي هو وليس المصرف، مستطردًا أن هناك تخوّفات من إصابة الدورة المالية في قطاع غزّة بالشلل التام مما سينعكس سلبًا على جميع القطاعات، مسببًا ركودًا أكثر مما كان عليه سابقًا، خصوصًا المواطنين المقبلين على إجازات صيفية وشهر رمضان.
وقدّر الخبير المالي إجمالي الودائع في البنوك بما يقارب 1.7 مليار دولار أميركي، وحجم التسهيلات الائتمانية بـ 6.9 ملايين دولار.
ويتوقّع توقف البنوك عن تقديم تسهيلات مقارنة بما كانت تقدمه في الأشهر الماضية تخوّفًا من أي أزمة مالية ستلحق موظفي السلطة.
أزمة حقيقية عاشها الموظّف سائد البنا، نتيجة اقتطاع جزءٍ كبير من راتبه بسبب خصم الحكومة ومستحقّات القرض البنكي بالإضافة للمدين الدوار، ولم يتلق سوى 300 شيكل أي ما يعادل 100 دولار أو أقل.
تحدث قائلًا: "شعرت بالصدمة عندما حصلت على الأموال وليس لدي مصدر دخل آخر يعيل عائلتي المكوّنة من ثمانية أفراد، فما حصلت عليه من الراتب لا يكفي حتى لشراء المستلزمات الأساسية من مأكل، مشرب، ودواء، مضيفًا أن البنوك لم تتعامل معهم من باب المسؤولية الاجتماعية فقط هي تريد جني أرباح بغض النظر عن حجم الضرر الواقع على الموظف".
وبين أن الحكومة بهذا القرار تظلم المواطن الذي ليس له ذنب بما يحصل من مشاكل سياسية في غزّة والضفة.
للمعاناة وجه آخر عايشته المواطنة كريمة العمصي، بعدما حصلت على راتب لم يتجاوز (700 شيكل/ 200 دولار)، اكتفت فقط بتلبية السلة الغذائية للمنزل الذي تعيله وهو مكوّن من ستة أفراد، متغاضية عن الكثير من المصروفات المنزلية من ماء، كهرباء، خدمات، والمتطلبات المدرسية التي تخصّ أطفالها.
حالة من التقشّف واجهت كريمة طيلة شهر أبريل/ نيسان بسبب الخصم، وتأمل أن لا يستمر للشهر القادم فإن حدث ذلك فسيمثل مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم.
نقيب الموظفين العموميين بالسلطة في قطاع غزة عارف أبو جراد، توقّع أن تستمر حكومة رام الله في خصم رواتب موظفي القطاع.
وقال أبو جراد: "إن هناك معلومات شبه مؤكّدة من وزارة المالية برام الله تفيد باستمرار خصم نسبة 30-50% من رواتب الموظفين في القطاع عن راتب الشهر الجاري".
وحول وقف خصم البنوك القروض على الموظفين، ذكر أن ممثلي الموظفين تواصلوا مع البنوك والجامعات لتأجيل الخصم، الأمر الذي رفضته البنوك، مبينًا أن زيادة المدة الزمنية للقرض ستزيد الفائدة على الموظفين، وبالتالي يتورّط الموظف أكثر، لافتًا إلى أن فتح سلطة النقد سابقًا المجال أمام البنوك لإقراض الموظفين أكثر من 40-50 ضعف الراتب.
وعن انعكاسات ما تعرض له الموظفون من المساس بقوت يومهم واقتطاع جزء من رواتبهم، يشير الخبير في الشؤون الاقتصادية في قطاع غزة نهاد شهوان، إلى أن السوق المحليّة باتت تعاني من ركود وهذا خطير جدًا، وفقدان ما قيمته 16 مليون دولار، وهي الخصومة عن الموظف والمخصّصة للإنفاق.
إضافة إلى ذلك توجّه السوق إلى مرحلة التحوّط المالي والمتمثل في وقف الإنفاق وبالتالي وقف دورة رأس المال نتيجة تخوّف المواطن وكذلك التاجر من الظروف الاقتصادية والسياسية المضطربة نتيجة مجزرة الرواتب.
وأوضح أن استمرار السلطة في إجراءاتها من خطوات مسبوقة وغير مسبوقة ضحيتها المواطن بالدرجة الأولى، وهذا يعزّز الفقر والبطالة والكثير من الظواهر المجتمعية التي سوف تطفو نتيجة ندرة المال وتدهور الظروف الاقتصادية.
تخوّفات كبيرة بات يعيشها موظفو سلطة رام الله في غزّة دون الضفّة، من حيث إمكانية تكرار سيناريو الخصم لشهر مايو الجاري، أم أن حكومتهم ستتراجع عن القرار، في حين أن نسبة الفقر وصلت إلى أكثر من 60 بالمائة.