غزة تنتصر في كل الأحوال
بغض النظر عن جواز المقارنة، أو معقوليتها، بين آلة الحرب الصهيونية التي يمتلكها جيش العدو المصنف ضمن أقوى عشرة جيوش في العالم، وبين سلاح المقاومة في غزة المحاصرة، ما يجعل الحديث التقليدي عن الرابح والخاسر في هذه الحرب غير التقليدية، غير دقيق، وغير منطقي أيضاً، فغزة ليست دولة مستقلة لها جيش، حتى تكون الحسابات تقليدية، مثلما يحاول ترويجه الاعلام العربي المتصهين، متجاهلاً ما تكبده الكيان الصهيوني من خسائر مادية وبشرية ونفسية، لم تحدث له من قبل.
وعلى الرغم من أن الحرب لم تضع أوزراها بعد، إلا أننا نستطيع قراءة ملامح انتصار المقاومة الفلسطينية، بغض النظر عن النتائج النهائية التي لن تمنع بالقطع جولة قادمة للحرب، مهما تعهد الصهاينة بذلك، فكل حروب الصهاينة يسبقها تعهدات واتفاقيات، وسرعان ما تخترقها بشن حرب جديدة، غير عابئةٍ بأي شيء، سبق لها التوقيع عليه، بما أنها دولة خارج نطاق عمل القانون الدولي.
وأولى ملامح هذا الانتصار، تتضح من تتبع الهدف الذى من أجله شنت دولة الكيان الصهيوني الحرب على غزة هذه المرة، حيث أعلن أن هدف الحرب هو منع إطلاق الصواريخ من غزة، وتدمير قواعد الاطلاق، ثم تراجع العدو إثر الانسحاب الأحادي الذى قام به على حدود غزة، والمعبر عن فشل جيش الاحتلال في استكمال الاجتياح البري، وحفظ ماء الوجه، لتعلن أن الهدف كان تدمير الانفاق، وقد دمرت ما يزيد عن 31 نفقاً منذ بداية الحرب، لكنها اعترفت بأن حماس قادرة على إعادة بناء الأنفاق من جديد، كما أن لديها مزيداً من الصواريخ التي تستطيع إطلاقها على الأراضي المحتلة، ما يعني أن ما يسمى غلاف غزة، لا يزال في قبضة المقاومة التي حرمت الجنوب الإسرائيلي، طوال أيام المعركة، من الأمن والاطمئنان للعودة الآمنة إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب، فضلاً عن الصواريخ التي طالت كل الأراضي المحتلة .
ومن ملامح النصر العسكري، إلى النصر الإعلامي والمعنوي، الذي عبر عنه كاتب إسرائيلي في صحيفة هآرتس، بقوله: إن أخطر الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، وعددها 3356 منذ بداية الحرب، هو الصاروخ رقم 3357 السري كما سماه، ويعني به ضرب قواعد التأييد التي كانت تتمتع بها إسرائيل في خمس قارات، وقد دلّل على ذلك بمظاهرات حاشدة طافت عدداً من الدول، ومواقف دول أخرى، خصوصاً في أميركا اللاتينية التي لم تكن، من قبل، تهتم كثيراً بتفاصيل القضية الفلسطينية، إلى درجة أن رئيس بوليفيا يعلنها صراحة "إسرائيل دولة إرهابية"، وتسحب البرازيل والبيرو والاكوادور وتشيلي والسلفادور سفراءها من دولة الكيان.
وعلى الصعيد السياسي، فإن إصرار الوسيط المصري، غير المحايد، المتمثل في سلطة الانقلاب، ومن ورائه دولة الكيان الصهيوني، على فرض ما تسمى المبادرة المصرية، بتعديلاتها المختلفة على فصائل المقاومة، يدل على حرص دولة الكيان على إنهاء تلك الحرب التي أنهكتها، وإن كانت لا تريد أن ترتب على خسارتها العسكرية مكاسب سياسية، تضاف إلى جعبة المقاومة الباسلة، فتحرص على مبادرة سلطة الانقلاب الباهتة، التي تريد أن تجعل وقف القتال، من أجل وقف القتال، بعد فشل سلطتي الاحتلال والانقلاب، في تحقيق هدفهما المشترك، حرباً وحصاراً، ما جعلهما يصران معاً على فكرة نزع سلاح المقاومة، الأمر الذي فشل فيه جيش العدو عسكرياً، فأسند المهمة إلى شريكه الانقلابي المصري، لمحاولة تنفيذ المهمة بديبلوماسية باهتة، لا تقل فشلاً عن فشل الصهاينة في الحرب، التي ما اندلعت إلا لهذا الهدف، الذي لا يقوى على تحقيقه إلا المنتصر فعلاً، وهذا ما لم يحدث بالطبع.