24 سبتمبر 2020
غزة وحرب إسرائيل المفتوحة
سقط 34 شهيداً، وأكثر من مائة جريح، ضحايا أحدث عملية عسكرية للعدو الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وأطلق عليها اسم "الحزام الأسود" واستغرقت يومين. بدأت باستهداف أحد أبرز قادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ثاني أكبر حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بهاء أبو العطا، والذي تم ضرب مسكنه بقذيفة دقيقة التوجيه، أودت به وبزوجته، وأصابت أفراد أسرته بإصابات بالغة. وأعقب ذلك توجيه ضربات جوية موجهة شملت أهدافاً عديدة في قطاع غزة، وأدت إلى تلك الخسائر الفادحة في الأرواح، إضافة إلى تدمير مبانٍ ومنشآت ومرافق عديدة، بدعوى أنها تابعة لحركة الجهاد الإسلامي، المتهمة بإطلاق الصواريخ ضد مستوطنات العدو الإسرائيلي في محيط غزة في الفترة الأخيرة.
على الجانب الآخر، جاء رد المقاومة الفلسطينية معبّراً عن وحدة فصائل المقاومة، عبر مركز العمليات المشترك لحركات المقاومة المسلحة، والذي أعلن عن تصدّي كل فصائل المقاومة للعدوان، ومشاركتها في الرد السريع بإطلاق مجموعات من القذائف الصاروخية على الأهداف الإسرائيلية، سواء مستوطنات محيط غزة، أو في العمق الإسرائيلي، والتي وصلت حتى مشارف تل أبيب، وأثارت حالة من الهلع والذعر في أوساط المجتمع الصهيوني. وانتهت الجولة بالسيناريوهات نفسها في الجولات السابقة، وساطات عربية، في الأغلب تقودها مصر، بحكم علاقتها بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بالاتفاق على "تهدئة"، ما يوجب توقّف العدو
الإسرائيلي عن استهداف قطاع غزة باعتداءاته العسكرية، وتوقف المقاومة الفلسطينية في القطاع عن إطلاق صواريخها ومقذوفاتها ضد الأهداف الصهيونية، سواء في محيط غزة أو في العمق الإسرائيلي، وذلك مؤقتا، وفي إطار ترتيبات عسكرية بحتة، وهو الأمر الذي تكرر كثيراً قبل ذلك، وكاد أن يتحول إلى أمر روتيني، يبدأ بادعاء إسرائيلي بأن هناك تهديداً للأمن الإسرائيلي جراء إطلاق صواريخ من داخل قطاع غزة، أو إقامة منشآت عسكرية تمثل خطورة، ثم يعقب ذلك استهداف قيادات بارزة من المقاومة الفلسطينية بعمليات اغتيال، أو استهداف مواقع ومرافق مهمة ومعسكرات تعود إلى المقاومة، وهو ما يدفع المقاومة، بطبيعة الحال، إلى الرد. ويسقط عشرات الشهداء والجرحى، وأحياناً مئات، ثم تأتي الوساطات، وينتهي الأمر بإقرار ما تسمى "التهدئة".
لا تكاد جولة تنتهي حتى تبدأ أخرى، يسقط فيها شهداء جدد وجرحى ومصابون، من الرجال والشباب والنساء والأطفال. وعلى مدى تلك الجولات، شهدت المقاومة الفلسطينية تطوراً هائلاً في الوسائل والأدوات وأساليب القتال، وامتلكت، في حالاتٍ كثيرة، اليد الطولى على الاحتلال. لمحاولة للفهم، علينا البحث عن إجاباتٍ على أسئلة شديدة الأهمية. أولها: هل تم اختزال الصراع "العربي - الإسرائيلي" إلى صراع "فلسطيني - إسرائيلي"، ثم إلى مشكلة فلسطينية؟ ثم أخيراً إلى مشكلة غزة، أو المقاومة الفلسطينية في غزة، والعدو الإسرائيلي؟ وهكذا يصبح حل تلك المشكلة يكمن في التوصل إلى مجرد "تهدئة" بين حركات المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي واحتلاله كل فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، وحصاره قطاع غزة، وتصبح "التهدئة" البديل لتحرير الأرض والمقدسات والحفاظ على العرض والمقدرات.
السؤال الثاني، والأكثر أهمية: لماذا غزة بالتحديد التي أصبحت عنوان القضية؟ للإجابة علينا العودة إلى يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987، وكان قد مضى على هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران أكثر من عشرين عاماً. اعتقد العدو الإسرائيلي خلالها أنه قد أحكم قبضته على كامل التراب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، خصوصا بعد حرب 1973، وما انتهت إليه من معاهدة سلام مع مصر، ومع وجود منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها في تونس، في تلك الظروف، تشتعل في غزة انتفاضة شعبية عارمة، عقب حادث دهس سائق إسرائيلي مواطنا فلسطينيا عند معبر إيريز الذي يربط غزة بفلسطين المحتلة 1948، وسرعان ما تتطور حركة الاحتجاجات الشعبية إلى انتفاضة شاملة. وأصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بياناً يوم 11 ديسمبر، ذكر لأول مرة مصطلح "انتفاضة" الشعب الفلسطيني. وكان سلاح الفلسطينيين في ذلك الوقت مجرّد قطع الحجارة. وشارك في الانتفاضة الكبار والصغار، وأطلق عليها انتفاضة الحجارة، وعلى أطفالها أطفال الحجارة. وقد تطورت بسرعة، وشملت الضفة الغربية، وواجهها العدو الإسرائيلي بكل العنف. وتعدى عدد شهدائها قرابة ألفي شهيد، بينما خسر العدو الإسرائيلي أكثر من 160 قتيلا. واستمرت الانتفاضة، حتى هدأت بعض الشيء في العام 1991، ثم توقفت في 1993، بعد توقيع اتفاقية أوسلو، والتي ذهبت إليها إسرائيل حتى تُنهى الانتفاضة. ويرى بعضهم أنها كانت فخاً، وقعت فيه منظمة التحرير، خصوصا بعد ما آلت إليه أحوال القضية الفلسطينية في ظل اتفاقية أوسلو.
منذ أطلقت غزة شرارة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي من الداخل، في العام 1987، والعدو الإسرائيلي يضع غزة محط اهتمامه البالغ، ويسعى إلى عزل القطاع تماماً عن القضية الفلسطينية، مادياً ومعنوياً، واعتبارها قضية قائمة بذاتها. وظهر ذلك جلياً في أعقاب "أوسلو"، بداية من اتفاق "غزة أريحا أولاً"، ثم تدمير مؤسسات رئاسة السلطة الفلسطينية ومرافقها في غزة، خلال
الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى، في العام 2000، ثم قرار رئيس حكومة الاحتلال في حينه، شارون، الانسحاب من غزة في العام 2005، وتنفيذ الانسحاب في العام التالي. ثم تتابعت الأحداث بشكل دراماتيكي، وانتهت بسيطرة حركة حماس على القطاع تماماً، في العام 2007، وتحولت غزة إلى معقل المقاومة الفلسطينية، وفرضت إسرائيل عليها الحصار، ثم بدأت إسرائيل مخطط تحويل حربها المفتوحة إلى قطاع غزة، بدءاً من حرب العام 2008، فحرب العام 2012، ثم حرب العام 2014، وهي الحروب الرئيسية التي استهدفت القطاع، في محاولة إسرائيلية لتكريس فكرة أن الصراع انحصر بين غزة وإسرائيل. ولتأكيد ذلك، لا تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية المحدودة والمتتابعة، بمبرّرات متعددة، ضد غزة وأهلها الفلسطينيين، وجاءت أخيرا عملية "الحزام الأسود".
السؤال المطروح على الشعب الفلسطيني، ومقاومته المسلحة في قطاع غزة، ومقاومته الصامدة في الضفة الغربية والقدس: متى ستتوحد صفوفكم، وتعود لُحمتكم، لتقولوا للعالم إنكم شعب واحد، وأصحاب قضية واحدة، هي القضية الفلسطينية؟ ويبقى، أيضاً، على الشعوب العربية أن تتنبه جيداً للفخ الذى ينصبه العدو الإسرائيلي أن الصراع العربى - الإسرائيلي قد انتهى، وأن القضية الفلسطينية لم يعد لها وجود بعد تهويد القدس، وبعد فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، ثم على الضفة الغربية كلها باعتبارها "يهودا والسامرة"، وأنها أرض توراتية، وعلى هضبة الجولان السورية.
ليست القضية الفلسطينية فقط قضية غزة، ولا مشكلة السكان في الضفة الغربية والقدس، ولكنها قضية وجود للأمة العربية شعوباً وهوية، فإذا ضاعت، حتما ستضيع الأمة.
لا تكاد جولة تنتهي حتى تبدأ أخرى، يسقط فيها شهداء جدد وجرحى ومصابون، من الرجال والشباب والنساء والأطفال. وعلى مدى تلك الجولات، شهدت المقاومة الفلسطينية تطوراً هائلاً في الوسائل والأدوات وأساليب القتال، وامتلكت، في حالاتٍ كثيرة، اليد الطولى على الاحتلال. لمحاولة للفهم، علينا البحث عن إجاباتٍ على أسئلة شديدة الأهمية. أولها: هل تم اختزال الصراع "العربي - الإسرائيلي" إلى صراع "فلسطيني - إسرائيلي"، ثم إلى مشكلة فلسطينية؟ ثم أخيراً إلى مشكلة غزة، أو المقاومة الفلسطينية في غزة، والعدو الإسرائيلي؟ وهكذا يصبح حل تلك المشكلة يكمن في التوصل إلى مجرد "تهدئة" بين حركات المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي واحتلاله كل فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، وحصاره قطاع غزة، وتصبح "التهدئة" البديل لتحرير الأرض والمقدسات والحفاظ على العرض والمقدرات.
السؤال الثاني، والأكثر أهمية: لماذا غزة بالتحديد التي أصبحت عنوان القضية؟ للإجابة علينا العودة إلى يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987، وكان قد مضى على هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران أكثر من عشرين عاماً. اعتقد العدو الإسرائيلي خلالها أنه قد أحكم قبضته على كامل التراب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، خصوصا بعد حرب 1973، وما انتهت إليه من معاهدة سلام مع مصر، ومع وجود منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها في تونس، في تلك الظروف، تشتعل في غزة انتفاضة شعبية عارمة، عقب حادث دهس سائق إسرائيلي مواطنا فلسطينيا عند معبر إيريز الذي يربط غزة بفلسطين المحتلة 1948، وسرعان ما تتطور حركة الاحتجاجات الشعبية إلى انتفاضة شاملة. وأصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بياناً يوم 11 ديسمبر، ذكر لأول مرة مصطلح "انتفاضة" الشعب الفلسطيني. وكان سلاح الفلسطينيين في ذلك الوقت مجرّد قطع الحجارة. وشارك في الانتفاضة الكبار والصغار، وأطلق عليها انتفاضة الحجارة، وعلى أطفالها أطفال الحجارة. وقد تطورت بسرعة، وشملت الضفة الغربية، وواجهها العدو الإسرائيلي بكل العنف. وتعدى عدد شهدائها قرابة ألفي شهيد، بينما خسر العدو الإسرائيلي أكثر من 160 قتيلا. واستمرت الانتفاضة، حتى هدأت بعض الشيء في العام 1991، ثم توقفت في 1993، بعد توقيع اتفاقية أوسلو، والتي ذهبت إليها إسرائيل حتى تُنهى الانتفاضة. ويرى بعضهم أنها كانت فخاً، وقعت فيه منظمة التحرير، خصوصا بعد ما آلت إليه أحوال القضية الفلسطينية في ظل اتفاقية أوسلو.
منذ أطلقت غزة شرارة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي من الداخل، في العام 1987، والعدو الإسرائيلي يضع غزة محط اهتمامه البالغ، ويسعى إلى عزل القطاع تماماً عن القضية الفلسطينية، مادياً ومعنوياً، واعتبارها قضية قائمة بذاتها. وظهر ذلك جلياً في أعقاب "أوسلو"، بداية من اتفاق "غزة أريحا أولاً"، ثم تدمير مؤسسات رئاسة السلطة الفلسطينية ومرافقها في غزة، خلال
السؤال المطروح على الشعب الفلسطيني، ومقاومته المسلحة في قطاع غزة، ومقاومته الصامدة في الضفة الغربية والقدس: متى ستتوحد صفوفكم، وتعود لُحمتكم، لتقولوا للعالم إنكم شعب واحد، وأصحاب قضية واحدة، هي القضية الفلسطينية؟ ويبقى، أيضاً، على الشعوب العربية أن تتنبه جيداً للفخ الذى ينصبه العدو الإسرائيلي أن الصراع العربى - الإسرائيلي قد انتهى، وأن القضية الفلسطينية لم يعد لها وجود بعد تهويد القدس، وبعد فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، ثم على الضفة الغربية كلها باعتبارها "يهودا والسامرة"، وأنها أرض توراتية، وعلى هضبة الجولان السورية.
ليست القضية الفلسطينية فقط قضية غزة، ولا مشكلة السكان في الضفة الغربية والقدس، ولكنها قضية وجود للأمة العربية شعوباً وهوية، فإذا ضاعت، حتما ستضيع الأمة.