يوماً بعد يوم، تزداد الحياة صعوبة في قطاع غزة. وفي ظلّ ارتفاع أسعار البيوت، يضطر الناس إلى السكن في مناطق غير صالحة، وأحياناً على مقربة من مياه الصرف الصحي.
يزداد عدد السكان في قطاع غزّة، وهو ما يتطلّب بناء مساكن جديدة من دون مراعاة بعض المعايير الأساسية. هذه المعايير سقطت أيضاً من حسابات السكان الذين باتوا لا يترددون في السكن في مناطق ملوثة، وأخرى تشهد فياضانات بسبب البنى التحتية السيئة وغيرها. وقد زاد الوضع سوءاً بعد الانقسام الفلسطيني في عام 2007، وصار عادياً أن يختار بعضهم السكن على مقربة من مكبات النفايات أو مياه الصرف الصحي. وبات الهمّ الأساسي للناس تأمين مأوى.
إحدى المناطق التي تشهد ارتفاعاً في نسبة تشييد البيوت هي منطقة وادي غزة، والتي تعدّ الأكثر تلوثاً، حيث تُرمى النفايات في البحر. لكنّ بعض العائلات لا تستطيع السكن في وسط المدينة، كونها تشهد ارتفاعاً في أسعار الشقق والبيوت، الأمر الذي ينسحب على المخيمات، والتي تشهد كثافة سكانية، عدا عن سوء الخدمات.
كان أحمد أبو أمون (54 عاماً) يسكن في مخيّم الشاطئ، وقد أرهقته الخدمات السيّئة والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. وعلى مدى خمسة أعوام، كانت تصله مياه شديدة الملوحة بسبب اختلاط مياه البحر بالمياه الجوفية، باعتبار أن البنى التحتية في المخيم سيئة. وفي ظلّ استمرار الأزمات، وضيق المساحة السكنية، وجد نفسه مضطراً إلى البحث عن سكن بديل، إلا أن أسعار المنازل في قطاع غزة مرتفعة جداً. فما كان منه إلا اللجوء إلى المناطق الحدودية، على الرغم من أن كثيرين حذّروه من مخاطر بنادق الاحتلال وخطورة المنطقة في حال شنّت إسرائيل عدواناً على القطاع، ما يعني أن منزله سيدمّر بكل تأكيد. بدأ يبحث في منطقة وادي غزة، وشرع في بناء منزل في الربيع الماضي، وأقام فيه قبل شهرين.
وعلى الرغم من انتشار البعوض والحشرات الضارة في المنطقة، استطاع أبو أمون الحدّ من ضررها من خلال وضع نوافذ حماية، إضافة إلى حرصه على تنظيف محيط المنزل. ويقول لـ "العربي الجديد": "تراوح أسعار الشقق في غزة ما بين 35 ألف دولار و100 ألف دولار، وينسحب الغلاء على المخيّمات. نحن أسرة مؤلفة من عشرة أفراد، كما أن القطاع يشهد ارتفاعاً في نسبة السكان. لذلك، اخترت الوادي متحملاً ظروفه، بدلاً من العيش وسط الازدحام ودفع مبالغ مالية كبيرة".
مضطران إلى العيش في هذا المكان (محمد الحجار) |
أما أيمن العريان (43 عاماً)، فانتقل إلى السكن قرب مياه الصرف الصحي غرب مدينة خان يونس بسبب رخص أسعار البيوت، وقد شجع آخرين على الحذو حذوه، على الرغم من التحذيرات من سوء الخدمات في المنطقة والروائح الكريهة. ويأمل البدء في إصلاح البنى التحتية خلال وقت قريب، في ظل توجه الغزيين إلى البناء فيها.
ويُدرك العريان المشاكل التي قد يواجهها في منزله، بسبب البنى التحتية، كما أخبره مهندس بيئي كان يحضر إلى المنطقة لإجراء بعض الفحوصات على المياه والتربة. يضيف العريان لـ "العربي الجديد" أنّ "السكن في كل مناطق قطاع غزة بشكل عام يعد خطراً، سواء بسبب إسرائيل أو المشاكل الاجتماعية والبيئية. وحتى السكن في قلب المدينة بات صعباً بسبب الضوضاء وسوء الخدمات، عدا عن أزمات أخرى في المناطق المزدحمة كل يوم".
ويعتمد العريان وسكان المنطقة على محطات التحلية للشرب والاستحمام وغسل أواني الطعام، إذ إن مياه البلدية شديدة الملوحة. لذلك، يستخدمونها لتنظيف المنزل وغسل الملابس فقط.
أما أحمد نصري (62 عاماً) فيقطن وأسرته المكونة من 18 فرداً في منطقة المغراقة قرب مضخات مياه الصرف الصحي، وتعد من أكثر المناطق التي تشهد فيضانات في قطاع غزة. صحيح أنها من المناطق الزراعية، إلا أنها تغيرت إثر الانقسام الفلسطيني وتوقف المشاريع البيئية الداعمة للمنطقة، وباتت تعاني من مشاكل بيئية.
يسكن نصري في المنطقة منذ مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، بعدما انتهى من بناء منزل مؤلّف من طابق واحد، هو الذي كان قد خسر منزله في حي النصر خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014، وما زال ينتظر إعادة الإعمار. لكنّه لم يعد متفائلاً ببناء منزله نتيجة مماطلة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم السماح بدخول بعض مواد البناء الأساسية لاعتبارات أمنية. ويقول نصري لـ "العربي الجديد": "دفعت أموالاً كثيرة كبدل إيجار. وقد منحني الأرض شقيقي الذي يعمل في السعودية. وعلى الرغم من أن المنطقة ليست مناسبة كثيراً للسكن، إلا أننا مضطرون إلى ذلك. في غزة مشاكل كثيرة وكثافة سكانية. وفي الوقت الحالي، ما من منطقة تعد مناسبة للسكن. أصلاً، لا يبحث الغزيون عن مكان مناسب. الجميع يرغب في السكن وحسب".