وقضت محكمة الجنح بولاية نواكشوط الغربية، فى وقت متأخر من مساء الخميس، بالسجن النافذ ثلاث سنوات على الناشط في "حركة 25 فبراير" الشبابية، الشيخ باي ولد الشيخ محمد، بعد أسبوع على إحالته للقضاء من طرف وكيل الجمهورية، بتهم تتعلق باستخدام العنف المادي وإهانة سلطة عمومية أثناء تأدية مهامها.
وهتف نشطاء حركة 25 فبراير بعد النطق بالحكم منددين بالقرار، قبل أن تلقي الشرطة القبض على عدد منهم، فيما عبرت هيئة الدفاع عن صدمتها من الحكم.
وربط البعض بين واقعة رمي الصحافي والناشط الموريتاني لوزير الثقافة بحذائه، وواقعة رمي الصحافي العراقي منتظر الزيدي للرئيس الأميركي السابق جورج بوش بالحذاء، إذ جرت كلا الواقعتين أمام عدسات الكاميرا.
ويعمل الشيخ باي (21 سنة) فى موقع "ديلول" الإخباري الموريتاني، وهو أحد نشطاء حركة 25 فبراير الشبابية، التي انبثقت من رحم الحراك الشبابي إبان ذروة أحداث الربيع العربي، حيث طالبت بإسقاط النظام الموريتاني، قبل أن ينجح النظام فى استقطاب عدد من قادتها وكوادرها.
وأكدت الحركة فى بياناتها تحملها كامل المسؤولية، عما قام به الشيخ باي، باعتباره تصرفاً حضارياً نضالياً ضد وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، والذي تتهمه الحركة بالكذب والتضليل.
إلى ذلك، طالب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، بإطلاق سراح الشيخ باي والكف عن "ازدواجية المعايير ومحاولة استغلال القضاء لتصفية الحسابات السياسية"، فيما عارض اتحاد الكتاب الموريتانيين، ما قام به الشيخ باي، واصفاً إياه بأنه "تصرف طائش".
وقال رئيس هيئة الدفاع عن الناشط، المحامي إبراهيم ولد أبتي، فى اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه يشعر "بالصدمة والدهشة جراء هذا الحكم الغريب، خاصة أن الوزير لم يرفع شكوى ضد المتهم، كما أن وكيل الجمهورية طالب أثناء مرافعته بالأخذ بالحكم الأخف نظراً لتكييف الواقعة بأنها جنحة".
بدوره، قال العيد ولد محمدن، عضو فريق الدفاع لـ"العربي الجديد" "فوجئنا بهذه العقوبة المبالغ فيها بالنظر إلى وقائع الملف، حيث لا تتعدى الواقعة كونها شكلاً من أشكال التعبير أو الاحتجاج على سياسات معينة، ولم تصل إلى مستوى الجريمة، من حيث الإضرار بشخص الوزير".
وأضاف "نحن متفاجئون أيضاً بالنظر إلى وقائع الجلسة، وما أثاره الدفاع من ملاحظات ومعلومات مستقاة من طبيعة وظروف القضية، ونظراً كذلك إلى مرافعة ممثل الحق العام والذي طالب بتوقيع العقوبة الأدنى نظراً لظروف القضية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النيابة العامة، التي هي سلطة الادعاء في القضية رأت أن الوقائع لا تستلزم التجريم، وإن استحقت التجريم فإنها لا تستحق هذه العقوبة المشددة".
وعن الإجراءات التي سيتخذها فريق الدفاع إزاء هذا الحكم، أكد عضو فريق الدفاع: "الجمعة سنستأنف الحكم وننتظر استلام محكمة الاستنئاف وانتهاء الإجراءات، وسنتقدم بطلب حصول موكلنا على الحرية مؤقتاً، ونرجو أن تكون الإجراءات سريعة ولا تأخذ وقتاً طويلاً بالنظر إلى طبيعة القضية".
بدوره أعرب محمدو ولد الشيخ محمد القاظي، وهو المتحدث باسم أسرة الناشط، لـ"العربي الجديد" عن "صدمته"، فقال "صراحة ما نطق به رئيس المحكمة الجائرة شكل صدمة كبيرة لكل الحضور وخالف كل التوقعات؛ إذ حكمت المحكمة بالحكم النافذ ثلاث سنوات على ابن أختي، وفي نفس الوقت وفي نفس الجلسة برأت أصحاب جنايات".
وتساءل أي عدالة هذه؟ خاصة أن النيابة طلبت من رئيس المحكمة إنزال أخف العقوبات.
وفي إطار ردود الفعل الشاجبة، رأى القيادي فى حركة 25 فبراير، أمين مختار عبيدة، أن الحكم بحق الشيخ باي "جاء ليؤكد حقيقة راسخة لدى المعارضين من الشباب، وهي أن القضاء مسخر للقضاء على أحلامهم بدولة يسودها العدل والمساواة. ويكشف الحكم عن حقيقة مرة، مفادها أن القضاة لا يتورعون عن الحكم بازدواجية على المناضلين الشرفاء، بأقسى العقوبات في تهم تتسم بالرمزية كحادثة رمي الحذاء، في حين يتم إطلاق سراح لصوص قاموا بجرائم مع سبق الإصرار والترصد، كحادثة البقالة الشهيرة المتهم فيها مقرب من رأس النظام".
كما أشار لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحكم جاء أيضاً كرسالة سيئة للقوى الشبابية وعلى رأسها حركة 25 فبراير، مفادها أن السبيل الوحيد لتفادي ظلم الحكومة هو السكوت على كذب النظام، والانجرار وراء الشعارات المرفوعة وتقبل الإهانات من أعضاء الحكومة والحزب الحاكم كما هو حال شباب الأمل (شباب الحزب الحاكم)".
ويعتقد بعض المراقبين أن الحكم المشدد، جاء ردعاً لبعض الحركات الشبابية قبيل انعقاد القمة العربية، وتخويفاً لها من اللجوء إلى مثل هذا النوع من الاحتجاج، خاصة مع بدء عدد من المدونين نشر وسوم للاعتراض على حضور بعض الرؤساء للقمة، مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوري بشار الأسد.