التقى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مساء اليوم الثلاثاء، في رام الله، عدداً من عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحضور كل من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، ورياض منصور، سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة، ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عيسى قراقع.
وحضر اللقاء من عائلات الأسرى كل من السيدة لطيفة أبو حميد (والدة كل من الأسير ناصر أبو حميد، المحكوم سبعة مؤبدات وعشرين سنة، وشريف أبو حميد، المحكوم خمسة مؤبدات، ومحمد أبو حميد، المحكوم مؤبدين وثلاثين سنة، ونصر أبو حميد، المحكوم بخمسة مؤبدات)، كذلك حضر اللقاء والدة الأسير الطفل شادي فراح، ووالدة الأسير محمد إبراش، ووالدة الأسيرة الطفلة ملاك الغليظ، وشقيق الشهيد رائد جبر، والمحتجز جثمانه في مقابر الأرقام الإسرائيلية منذ عام 2001.
وطالبت عائلات الأسرى غوتيريس بضرورة التحرك الجاد والحقيقي لإنقاذ حياة أكثر من 6500 أسير وأسيرة فلسطينية يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي مما يتعرضون له من انتهاكات خطيرة على أيدي مصلحة سجون الاحتلال، كالإهمال الطبي، والاعتقال الإداري، واعتقال النساء والأطفال، والنواب، واحتجاز جثامين الشهداء وغيرها.
وأضافت العائلات "إننا نتطلع إلى دوركم وضمن جوهر مسؤولياتكم المباشرة للعمل بكل الإمكانات المتاحة وبما تمثلون في الوجدان والضمير الإنساني وبناء على التقاليد والأعراف المتبعة في المؤسسة الدولية التي تقفون على رأسها ودورها المناط بها في حماية السلم والأمن الدوليين للعمل من أجل وقف الممارسات الإسرائيلية بحق الأسرى واستهتارها بحياة الإنسان".
وشددت والدة الأسير الطفل فراح على الأوضاع الصعبة والظروف النفسية السيئة التي يعانيها الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال، إذ تتواصل الانتهاكات بحق أكثر من 300 طفل قاصر دون سن 18 سنة، محرومين من حق اللعب والحياة والتعليم والرعاية الصحية ومن أحضان ذويهم.
وقال قراقع في رسالته: "تحتل قضية الأسرى الفلسطينيين مكانة مهمة وأساسية في وجدان المجتمع الفلسطيني، وتعتبر ركنا أساسيا من أركان القضية الفلسطينية، والإفراج عن الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي يُشكل مفتاح السلام الحقيقي، وأحد أهم استحقاقاته الأساسية الذي يعزز الأمل والقناعة لدى شعبنا بأهمية عملية السلام. لذا فهي من القضايا المصيرية في مفاوضات الحل النهائي، وأحد أركان عملية السلام في المنطقة، ولا يمكن للسلام أن يتحقق في ظل استمرار الاعتقالات، وبقاء آلاف الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلا ذنب، أو لأنهم اعتُقلوا بسبب مقاومتهم المشروعة للاحتلال. تلك المقاومة التي أجازتها كافة المواثيق والأعراف الدولية".
وأكدت الرسالة أن "السعي لتوفير حقوق الإنسان كان أحد أهم الأسباب التي قامت من أجلها الأمم المتحدة، وأن ميثاق الأمم المتحدة يُلزم كل الدول بتشجيع الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان، على قاعدة أن تلك الحقوق تُمنح للإنسان أينما وجد، وبدون تمييز، بغض النظر عن لونه ودينه، أو جنسه وجنسيته، أو آرائه ومعتقداته السياسية. لذا كنا نأمل أن يُدرج على جدول زيارتكم لفلسطين لقاء يجمع سيادتكم بممثلين عن الأسرى وأهاليهم، لتطلعوا من خلالهم على قسوة المعاملة التي يتعرضون لها، وحجم المعاناة الهائلة التي يعانونها جراء الاعتقال والسجن والمحاكم الجائرة والغرامات المالية الباهظة، ولتستمعوا منهم كذلك إلى حجم الانتهاكات الفظة والجسيمة لأبسط قواعد حقوق الإنسان، والجرائم العديدة التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم جميعا، على اختلاف فئاتهم العمرية والجنسية".
وشدد على أن "قضية الأسرى تعبر عن وطن محتل وحكاية شعب يقاوم من أجل دحر الاحتلال وانتزاع حقه المشروع في العيش بحرية وسلام، فالأسرى في الوعي الجمعي الفلسطيني ليسوا مجرد أشخاص غائبين بفعل القهر، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا من أجل تحقيق السلام في بلد السلام، وخلال مسيرة كفاحهم ضد الاحتلال اعتقلت قوات الاحتلال منهم نحو مليون فلسطيني، من جميع المستويات والطبقات والفئات، ذكوراً وإناثاً، أطفالاً ورجالاً، صغاراً وشيوخاً، حتى باتت الاعتقالات وسيلة للعقاب الجماعي وسلوكاً يومياً بهدف السيطرة على الشعب الفلسطيني وبث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين، وإلحاق الخراب بالمجتمع الفلسطيني".
وأردف: "لقد تزايدت الاعتقالات خلال السنوات القليلة الماضية بشكل لافت، وارتفعت أكثر خلال الأشهر الماضية، ومجموع ما سُجل من اعتقالات منذ مطلع 2017 فقط، بلغ نحو أربعة آلاف حالة اعتقال، وبينها أكثر من 850 حالة اعتقال لأطفال، وبين الأطفال المعتقلين 25 طفلاً أصيبوا بجروح بسبب إطلاق الرصاص عليهم خلال اعتقالهم أو ملاحقتهم، و90 حالة اعتقال لفتيات ونساء، والأخطر من ذلك، وجود هذا التلازم المقيت والقاسي، بين الاعتقالات والتعذيب، بحيث يمكن القول إن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، قد تعرضوا على الأقل إلى واحد من أحد أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي والمعاملة المهينة".
وأكد قراقع، في رسالته، أن "سلطات الاحتلال لم تلتزم بالضمانات الخاصة بحماية السكان المدنيين، ولم تلتزم كذلك بالقواعد المنظمة لحقوق المحتجزين وأوضاعهم. تلك الضمانات والقواعد التي تناولها القانون الدولي وأكد عليها وألزم دولة الاحتلال بالإيفاء بالتزاماتها في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين المحتجزين لديها بما يُلزم احتجازهم داخل المناطق المحتلة ويحفظ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية في تلقّي الرعاية الصحية اللازمة والمأكل المناسب، وتمكين عوائلهم من زيارتهم والتواصل الإنساني الدائم معهم، ومنع التعذيب وسوء المعاملة وعدم تعريضهم للاعتقال التعسفي، وكذلك حظر الاستخدام المطلق لأوامر الاعتقال الإداري وفقاً للمادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة. لذلك فإن سلوك قوات الاحتلال وإدارة السجون والمعتقلات مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين يؤكد أن دولة الاحتلال جعلت من السجن مكاناً للقمع وساحة للتعذيب وزرع الأمراض وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم".
وأوضح أن نحو 6400 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قرابة 300 طفل وطفلة، و62 أسيرة، بينهن أمهات وفتيات وقاصرات، وهناك قرابة 480 معتقلاً إدارياً من دون تهمة أو محاكمة، و13 نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني، أبرزهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، والنائبة خالدة جرار، بالإضافة إلى العشرات من الأكاديميين والكفاءات العلمية والرياضيين.
وتابع قراقع: "لعل المقلق أكثر أن بين الأسرى نحو 1800 حالة مرضية، منهم قرابة 180 أسيراً يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة وبحاجة إلى تدخل عاجل لإنقاذ حياتهم، وأن من بين هؤلاء 26 أسيراً يعانون من مرض السرطان، بالإضافة إلى عشرات آخرين يعانون الإصابة أو الإعاقة الجسدية، أو الإعاقة الحسية (السمعية أو البصرية). وهؤلاء يعيشون ظروفاً مأساوية نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير الأدوات المساعدة لهم، والاستهتار بآلامهم وأوجاعهم، وعدم الاكتراث بمعاناتهم واحتياجاتهم".
ووفق رسالة قراقع، يوجد من بين الأسرى 45 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة بشكل متواصل، و29 أسيراً منهم معتقلون منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وهؤلاء ممن كان يفترض إطلاق سراحهم ضمن الدفعة الرابعة في آذار/ مارس عام 2014، إلا أن دولة الاحتلال تنصلت من الاتفاقيات وأبقتهم رهائن في سجونها. وها هي السنوات والعقود تمضي من أعمارهم، وأن 21 أسيراً منهم مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، و9 منهم قد مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاماً بشكل متواصل، وأقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ 35 عاماً.
وفي سجون الاحتلال 58 أسيراً ممن تحرروا في صفقة تبادل الأسرى والتي تُعرف بصفقة (شاليط) عام 2011، وأعيد اعتقالهم وفرضت عليهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية إكمال سنوات السجن التي سبقت تحررهم في الصفقة بذريعة خرقهم بنود الصفقة، في تحدٍ صارخ وانتهاك فاضح لما تم الاتفاق عليه في إطار الصفقة آنذاك. مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا قد أمضوا عشرين سنة أو أكثر في سجون الاحتلال قبل تحريرهم في الصفقة، وأبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى ما مجموعه 37 عاماً في سجون الاحتلال.
وخاطب قراقع، الأمين العام للأمم المتحدة، "نأسف لأن زيارتك تزامنت مع اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، لنؤكد لكم أن دولة الاحتلال لم تعتقل الأحياء فحسب، وإنما تحتجز جثامين الشهداء بشكل متعمد وفي إطار سياسة ممنهجة في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية في تحدٍ صارخ للقانون الدولي، ولا تزال تحتجز نحو 249 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، بغرض العقاب الجماعي أو الضغط والابتزاز".
وتابع: "نأسف أيضاً أن نذكركم بأن زيارتكم تتزامن مع قدوم عيد الأضحى المبارك، هذه المناسبة السعيدة التي يحتفل بها العالم الإسلامي في كل أنحاء الأرض، بل هي مناسبة عظيمة بعظمة قيمتها ومكانتها، لكن الاحتلال جعل منها مناسبة مؤلمة وحزينة لآلاف العائلات، حيث الحياة والمشاعر مختلفة داخل وخارج السجون بالنسبة للأسرى والأسيرات وعائلاتهم، فالآباء والأمهات يملأون السجون، وآلاف الأطفال سيقضون العيد في بيوتهم بدون آباء أو أمهات، وأحيانا الاثنين معاً، بفعل السجن الذي غيبهما أو غيب أحدهما. وهناك الآلاف من أهالي الأسرى من كافة المحافظات الفلسطينية والممنوعين من زيارات أبنائهم الأسرى تحت ذريعة الأمن، يأملون ويناشدون المؤسسات الدولية التدخل كي يُسمح لهم بالتوافد على بوابات السجون والمعتقلات لزيارة أبنائهم وأحبّتهم الأسرى".
وأضاف قراقع: "إننا أمام دولة احتلال تنتهك القانون الدولي بشكل فظ في تعاملها مع المعتقلين، وتشرِّع انتهاكاتها بقوانين عنصرية يشارك فيها كافة مركبات النظام السياسي فيها، وتسعى إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ليس فقط لدى العاملين في الأجهزة الأمنية وإنما لدى كل الإسرائيليين، ما يدفعهم إلى التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري وانتهاكاتهم الجسيمة وجرائمهم البشعة".
وختم رسالته قائلاً: "نتطلع إلى جهدكم ودوركم بما يضمن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات الدولية في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وندعوكم إلى التفكير بإيجابية للقاء ممثلين عن الأسرى وعائلاتهم والاستماع إليهم. فما زال هناك متسع من الوقت لبرنامج زيارتكم للأراضي الفلسطينية، وما زال أمامكم مزيد من الوقت لتعزيز ثقة شعبنا بعدالتكم ونزاهة مؤسستكم، ونأمل منكم مزيداً من العمل لأجل تعزيز العدالة والمساواة ومبادئ حقوق الإنسان وترسيخ أسس السلام العادل في المنطقة".