لاختيار غولشيفته فرهاني لتأدية دور البطولة في "أريكة في تونس"، الروائي الطويل الأول للتونسية الفرنسية منال العبيدي، حسنات وسيئات، وإن يكن الميل أكثر إلى الحسنات. للممثلة الإيرانية، الفرنسية منذ أكثر من 10 أعوام، حضور قوي على الشاشة، ليس فقط بفضل جمال متفرّد ونظرة شجن آسرة في العينين، بل لأسلوب في الأداء خاص بها، يترك أثراً في المُشاهد، إنْ أحبّه أو لا، وهذا مهمّ.
فرهاني (1983) متمرّدة كنمرة. تركت بلدها بعد مشاغبات ومشاكسات و"خروج" على القانون من دون قصد، كأنْ تظهر في الفيلم الأميركي "أكاذيب دولة" (2008) لريدلي سكوت من دون حجاب، وهي إيرانية تعيش في إيران. لم تتحمّل التحقيقات الكثيرة والمحققين الكثيرين، فغادرت بلداً لا يسمح للمرأة بكشف جسدها واكتشافه، كما تقول. هي هكذا، خُلقَت لتفعل ما تهوى وتكون حرة، وإنْ منعها عشقها للحرية من العودة إلى بلدها. كانت متيقّنة من أنّ ظهورها عارية على غلاف مجلة فرنسية سيُطيح كلّ أمل لها في العودة إلى ديارها، وهذا لا يمنعها من الارتباط بها عن بُعدٍ، وإبقائها شعلة لا تنطفئ في القلب. عانت وتقلّبت وعملت في أفلام عديدة، فرنسية وغير فرنسية، في المنفى "الإجباري"، قبل أن تستقرّ حالتها وأحوالها.
منذ أهمّ دور لها في "سنتوري" (2007)، لمعلّم السينما الإيرانية داريوش مهرجوي، بدت فرهاني فتاة حيوية ومتحمّسة، مع شيءٍ من تهوّرٍ صاخب ولمسة حزن كامن. تُجسّد الحالتين معاً بالدرجة نفسها من العفوية والصدق. تمكّن مهرجوي من إظهارها كما هي في شخصية تشبهها، وفي أداء سيلتصق بها في أفلام عدّة لاحقة، مع مواطنها أصغر فرهادي في "عن إلي" (2009)، كما مع الكردي العراقي الفرنسي هاينر سليم في "إذا متّ، أقتلك" (2011) و"أرض الفلفل الحلو" (2014). أداء كلّ شخصية لها يُظهرها في تجلياتها.
اختيارها من منال العبيدي ذكيٌّ. فإلى كونها ممثلة معروفة في فرنسا، تفرض شخصيتها على الفيلم، وتشدّه نحوها، بوجودها في كلّ مشهد فيه، فارضةً حضورها الطاغي، فتبدو فيه أنّها "غولشيفته" أكثر من "سلمى"، المحلّلة النفسية الفرنسية التونسية (أيضاً)، التي تُقرّر العودة إلى بلدها. لكنّ هذا لم يزعج أحداً كما يبدو، فالفيلم يلقى نجاحاً ـ مفاجئاً بعض الشيء ـ في فرنسا، إذْ شاهده في أسبوع واحد 118 ألف متفرّج، ما أدّى إلى زيادة النسخ المعروضة من 34 إلى 160.
تتعرّف سلمى إلى مجتمع مُصاب بالانفصام، كان ينتظر وصولها، كما بدا في المشهد التالي لافتتاح العيادة، مع وقوف أهل الحارة في صفٍ طويل ينتظرون الدخول إليها. تركت سلمى فرنسا التي نشأت فيها، لأنْ لا عمل لها، ولا ضرورة لوجودها، فهناك مئات يُشبهونها. أرادت بلدها الأصلي لتكتشف الناس، ومعهم تكتشف نفسها طبعاً، فيكون لحياتها معنى. هكذا، بعد وقتٍ قليل على سقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تهبط الباريسية في بلدٍ يتحوّل، ومجتمع يبحث عن طريق جديدة، وتختار الاستقرار في الحارة الشعبية لأهلها، الذين "يتمنطقون" الفرنسية، حتّى في لحظات البوح، فالمعالِجة النفسية لا تتكلم العربية، وعلى الجميع الانصياع: إنّها فرنسية، وتتحدّث بالفرنسية، وعلى الجميع أن يفعلوا مثلها، الشرطي ومصفِّفة الشعر والعمّال وعمّها وعائلته، والجميع. هم يتكلمون العربية في غيابها، لكن غيابها نادر، لذا فالعربية منزوية.
هؤلاء يستلقون على أريكة في عيادتها، الموجودة في سطح مبنى العمّ بفضل عنادها، رغم العوائق الإدارية. هؤلاء أنفسهم يعبّرون عن دواخلهم المضطربة كأنّهم ينتظرون هذه "الغريبة"، فيحكون عن ارتباط مرتبك مع الأمّ (مصفّفة الشعر)، وعن هوية جنسية مختلطة (الفرّان)، وعن العلاقة بالدين بين الإيمان والطقوس (الإمام)، وعن الحاجة إلى الحبّ (زوجة العم)، إلخ. هؤلاء جميعهم تستقبلهم سلمى بحزم، لتفرض جدّيتها. لكّنها هي هكذا، عندما تتحدّث هاتفياً مع والدها الذي يطمئن عليها.
في هذا كلّه، فرهاني مفاجِئة. ليست صاخبة كعادتها، هذا الصخب الذي يشير إلى إفراط في التعبير وحيوية فائضة. إنها هنا كأنّها نضجت، ومنال العبيدي قدّمتها هكذا، لكنّها لم تُحسنْ في عدم الإلحاح عليها بالتحدّث بالعربية، أقلّه في حالات تستدعي ذلك، بحسب الوسط الاجتماعي. مفهوم أنّها عاشت في فرنسا، وأنّها لا تتكلم العربية أبداً. لكن اختيارها العمل في حيّ شعبي، لا في آخر أكثر ملاءمة لها، غير مقنع تماماً.
الفيلم خفيف وبسيط وممتع. لا مفاجآت فيه، ولا حبكة. يعتمد كلّياً على مواقف تتتالى من دون الغوص فيها. معظمها فَكِهٌ ونمطي، وأحياناً عبثي، بهدف الإضحاك والسخرية. شخصياته طريفة، وإن كانت عابرة الأثر، باستثناء شخصيتي رجل وامرأة، وسلمى طبعاً. المرأة رائعة في دور نور، الموظّفة في وزارة الصحة التونسية، التي تشبه الموظفات جميعهنّ (تقطيع الفاصولياء أو حياكة الصوف). دور نمطي وتقليدي، لكنّ نجوى زهير أدّته بأفضل ما يكون، وبخفة ظلّ مُحبّبة وجاذبة، ساحبة الكاميرا نحوها بدلاً من سحب فرهاني للكاميرا، في مشاهد عدّة بينهما. مجد مستورة ("نحبك هادي" لمحمد بن عطية، 2016) في دور مفتّش الشرطة: مقنع وهادئ، كعادته.
في أول فيلم لها، أدارت منال العبيدي ممثلين لديهم شهرة ما، بخصوصية وتمكّن كبيرين. بإخراجها، أعطت للفيلم إيقاعاً ممتعاً. لكنّها ككاتبة سيناريو بقيت على السطح، فقدّمت فيلماً طريفاً، مع حكايات سطحية وشخصيات نمطية.
منذ أهمّ دور لها في "سنتوري" (2007)، لمعلّم السينما الإيرانية داريوش مهرجوي، بدت فرهاني فتاة حيوية ومتحمّسة، مع شيءٍ من تهوّرٍ صاخب ولمسة حزن كامن. تُجسّد الحالتين معاً بالدرجة نفسها من العفوية والصدق. تمكّن مهرجوي من إظهارها كما هي في شخصية تشبهها، وفي أداء سيلتصق بها في أفلام عدّة لاحقة، مع مواطنها أصغر فرهادي في "عن إلي" (2009)، كما مع الكردي العراقي الفرنسي هاينر سليم في "إذا متّ، أقتلك" (2011) و"أرض الفلفل الحلو" (2014). أداء كلّ شخصية لها يُظهرها في تجلياتها.
اختيارها من منال العبيدي ذكيٌّ. فإلى كونها ممثلة معروفة في فرنسا، تفرض شخصيتها على الفيلم، وتشدّه نحوها، بوجودها في كلّ مشهد فيه، فارضةً حضورها الطاغي، فتبدو فيه أنّها "غولشيفته" أكثر من "سلمى"، المحلّلة النفسية الفرنسية التونسية (أيضاً)، التي تُقرّر العودة إلى بلدها. لكنّ هذا لم يزعج أحداً كما يبدو، فالفيلم يلقى نجاحاً ـ مفاجئاً بعض الشيء ـ في فرنسا، إذْ شاهده في أسبوع واحد 118 ألف متفرّج، ما أدّى إلى زيادة النسخ المعروضة من 34 إلى 160.
تتعرّف سلمى إلى مجتمع مُصاب بالانفصام، كان ينتظر وصولها، كما بدا في المشهد التالي لافتتاح العيادة، مع وقوف أهل الحارة في صفٍ طويل ينتظرون الدخول إليها. تركت سلمى فرنسا التي نشأت فيها، لأنْ لا عمل لها، ولا ضرورة لوجودها، فهناك مئات يُشبهونها. أرادت بلدها الأصلي لتكتشف الناس، ومعهم تكتشف نفسها طبعاً، فيكون لحياتها معنى. هكذا، بعد وقتٍ قليل على سقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تهبط الباريسية في بلدٍ يتحوّل، ومجتمع يبحث عن طريق جديدة، وتختار الاستقرار في الحارة الشعبية لأهلها، الذين "يتمنطقون" الفرنسية، حتّى في لحظات البوح، فالمعالِجة النفسية لا تتكلم العربية، وعلى الجميع الانصياع: إنّها فرنسية، وتتحدّث بالفرنسية، وعلى الجميع أن يفعلوا مثلها، الشرطي ومصفِّفة الشعر والعمّال وعمّها وعائلته، والجميع. هم يتكلمون العربية في غيابها، لكن غيابها نادر، لذا فالعربية منزوية.
هؤلاء يستلقون على أريكة في عيادتها، الموجودة في سطح مبنى العمّ بفضل عنادها، رغم العوائق الإدارية. هؤلاء أنفسهم يعبّرون عن دواخلهم المضطربة كأنّهم ينتظرون هذه "الغريبة"، فيحكون عن ارتباط مرتبك مع الأمّ (مصفّفة الشعر)، وعن هوية جنسية مختلطة (الفرّان)، وعن العلاقة بالدين بين الإيمان والطقوس (الإمام)، وعن الحاجة إلى الحبّ (زوجة العم)، إلخ. هؤلاء جميعهم تستقبلهم سلمى بحزم، لتفرض جدّيتها. لكّنها هي هكذا، عندما تتحدّث هاتفياً مع والدها الذي يطمئن عليها.
في هذا كلّه، فرهاني مفاجِئة. ليست صاخبة كعادتها، هذا الصخب الذي يشير إلى إفراط في التعبير وحيوية فائضة. إنها هنا كأنّها نضجت، ومنال العبيدي قدّمتها هكذا، لكنّها لم تُحسنْ في عدم الإلحاح عليها بالتحدّث بالعربية، أقلّه في حالات تستدعي ذلك، بحسب الوسط الاجتماعي. مفهوم أنّها عاشت في فرنسا، وأنّها لا تتكلم العربية أبداً. لكن اختيارها العمل في حيّ شعبي، لا في آخر أكثر ملاءمة لها، غير مقنع تماماً.
الفيلم خفيف وبسيط وممتع. لا مفاجآت فيه، ولا حبكة. يعتمد كلّياً على مواقف تتتالى من دون الغوص فيها. معظمها فَكِهٌ ونمطي، وأحياناً عبثي، بهدف الإضحاك والسخرية. شخصياته طريفة، وإن كانت عابرة الأثر، باستثناء شخصيتي رجل وامرأة، وسلمى طبعاً. المرأة رائعة في دور نور، الموظّفة في وزارة الصحة التونسية، التي تشبه الموظفات جميعهنّ (تقطيع الفاصولياء أو حياكة الصوف). دور نمطي وتقليدي، لكنّ نجوى زهير أدّته بأفضل ما يكون، وبخفة ظلّ مُحبّبة وجاذبة، ساحبة الكاميرا نحوها بدلاً من سحب فرهاني للكاميرا، في مشاهد عدّة بينهما. مجد مستورة ("نحبك هادي" لمحمد بن عطية، 2016) في دور مفتّش الشرطة: مقنع وهادئ، كعادته.
في أول فيلم لها، أدارت منال العبيدي ممثلين لديهم شهرة ما، بخصوصية وتمكّن كبيرين. بإخراجها، أعطت للفيلم إيقاعاً ممتعاً. لكنّها ككاتبة سيناريو بقيت على السطح، فقدّمت فيلماً طريفاً، مع حكايات سطحية وشخصيات نمطية.