تحول فائض إنتاج الإسمنت إلى مأزق كبير للمصانع المنتجة في الجزائر، في ظل تشبع الأسواق ومواجهة صعوبات في التصدير، بينما ليس بمقدروها إيقاف خطوط منتجة للحد من تكدس المنتجات، خشية تحملها تكاليف مرتفعة جراء إعادة هذه الخطوط للعمل من جديد في فترات لاحقة.
ورغم تحول الجزائر في السنوات الأخيرة من بلد مستورد للإسمنت إلى منتج له، إلا أن هذه الميزة تحولت إلى أزمة في ظل فائض الإنتاج مؤخرا، حيث وصلت الطاقة الإنتاجية إلى نحو 30 مليون طن خلال العام الجاري 2019، بعدما كانت عند 20 مليون طن في 2015.
في المقابل يبلغ حجم الطلب المحلي حاليا نحو 26 مليون طن، بفائض إنتاج 4 ملايين طن، في حين تتوقع الحكومة ارتفاع هذا الفائض إلى ما بين 12.5 و13.5 مليون طن بحلول عام 2022.
وعزا بشير عرباوي، مسؤول المديرية العامة لترقية الاستثمار في وزارة الصناعة، فائض الإسمنت إلى ارتفاع الطاقة الإنتاجية في ظل زيادة عدد المصانع، بعد أن فتحت الحكومة في السنوات الأخيرة باب الاستثمار في هذا القطاع، بينما كان مُحتكرا من طرف شركة عمومية واحدة تابعة للدولة لعقود ماضية.
وأوضح عرباوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن عدد المصانع وصل إلى 20 مصنعاً، بينما يتوقع ارتفاع عددها بدخول كيانات جديدة نطاق العمل بداية العام المقبل، مضيفا أن "المصانع بدأت تسجل تراجعا في المبيعات، وهناك أزمة حقيقية جراء وفرة الإنتاج ما يستدعي تدخل الحكومة"
ولم يفصح المسؤول في وزارة الصناعة عن الآليات التي ستتبعها الحكومة للخروج من أزمة وفرة المعروض من الإسمنت.
وقال جمال نور الدين، الخبير الاقتصادي، إن ارتفاع إنتاج الإسمنت يرجع إلى المنافسة الشرسة بين المصانع الكبرى العاملة في السوق، حيث يوجد أربعة فاعلين في هذا القطاع، منهم المجمع الصناعي للإسمنت "جيكا" الذي يقارب إنتاجه 15 مليون طن سنوياً، تليه شركة "لافارج هولسيم" السويسرية التي تنتج أكثر من 10 ملايين طن سنوياً.
وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد" أن "هناك إنتاجاً متراكماً لا يجد من يشتريه، وفي نفس الوقت لا تستطيع المصانع أن توقف أفران الإنتاج، لأن إعادة تشغيلها مكلفة جداً".
ودفع ارتفاع إنتاج الإسمنت الحكومة مطلع العام الماضي 2018، إلى رفع الحظر المطبق منذ أكثر من عشرين عاماً على تصدير هذه السلعة، وذلك بعدما حققت توازناً بين العرض والطلب.
لكن مع تزايد الإنتاج بشكل أكبر، أصبح التصدير صعباً، وفق فرحات علي، الخبير الاقتصادي، الذي قال إن "الجزائر لا يمكنها أن تصدر أكثر من مليوني طن من الإسمنت سنوياً، بالنظر إلى ضعف شبكة النقل وعدم وجود سكك حديدية للنقل من مناطق الإنتاج في المحافظات المختلفة.
وأضاف فرحات أن عدم منافسة أسعار المنتجات الجزائرية مثيلاتها في الأسواق العالمية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، يشكل عائقا آخر أمام الصادرات.
وبلغت قيمة صادرات الجزائر من الإسمنت خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، نحو 42 مليون دولار فقط ، حسب أرقام الجمارك، مقابل 20 مليون دولار في نفس الفترة من العام الماضي، بينما تقول الحكومة إنها تطمح إلى بلوغ قيمة هذه الصادرات 500 مليون دولار بدءاً من عام 2022.