صحيح أن الهجوم الذي استهدف، فجر الثلاثاء الماضي، مركزاً لاستقبال اللاجئين السوريين في منطقة الركبان على الحدود الشمالية الشرقية مع سورية، أغضب الأردن، لكنه أيضاً شكّل فرصة لاتخاذ جملة من القرارات الضاغطة على اللاجئين، بهدف الضغط على المجتمع الدولي للتحرك للقيام بالتزاماته.
وقد كان صعباً على الأردنيين، شعبياً ورسمياً، أن يستوعبوا حادثة مقتل ستة من مرتبات حرس الحدود والأجهزة الأمنية في الهجوم الذي حصل في منطقة تضم مخيم الركبان الذي يسكنه عشرات آلاف اللاجئين المحتاجين للمساعدة، بعد أن علقوا على الحدود، بسبب الهواجس الأمنية للسلطات الأردنية تجاههم، وعجزهم عن العودة إلى مدنهم وقراهم الواقعة تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
يعود سبب العجز عن استيعاب الفاجعة، بشكل كبير، إلى الصورة الإنسانية التي استقرت في أذهان الأردنيين عن قوات حرس الحدود والأجهزة الأمنية العاملة مع اللاجئين السوريين مع بدء الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
آلاف الصور التي التقطت للجنود الأردنيين يساعدون لاجئاً مصاباً على عبور الساتر الترابي، ويحملون العجائز والأطفال، ويقدمون المياه والعصائر لهم، قبل أن يوزعوهم على مخيمات اللجوء.
تلك الصور الإنسانية التي طغت على صورة الجندي القوي المدجج بالسلاح، أسقطت من الحسابات الشعبية إمكانية الاستهداف التي كانت متوقعة من قبل العسكريين، ويتحضّرون لها في كل لحظة.
خلال الفترة السابقة، شهدت الحدود الأردنية - السورية، منذ اندلاع الثورة، تكراراً لحوادث الاشتباك، بين الجنود و"الإرهابيين" والمهربين والمتسللين. كما تكشف التصريحات العسكرية، منذ قرابة العام، حجم التخوف من هجوم مرتقب، وسط تحذيرات نشاط تنظيم "داعش"، قرب الحدود مع الأردن.
وتصاعدت المخاوف، عقب انخراط عناصر التنظيم بين صفوف اللاجئين، وهو ما دفع السلطات الأردنية إلى التعامل مع اللاجئين في المخيمات الحدودية بهاجس أمني فرض قيوداً كبيرة على دخولهم الأراضي الأردنية.
يبدو أن ما توقعته وما تخوفت منه السلطات الأردنية قد حدث، ما دفع مسؤولين سياسيين وعسكريين، في أعقاب الهجوم، إلى التأكيد على صوابية موقفهم حول التعامل بشكل أمني مع اللاجئين القادمين من مناطق تحت سيطرة "داعش".
لكن الأردن، لم يكتف بالحديث عن صوابية مواقفه وتنصل المجتمع الدولي من مسؤولياته تجاه قضية اللاجئين، بل عمد إلى اتخاذ سلسلة من القرارات تحت ذريعة حماية نفسه، بدون التنبه إلى الآثار السلبية والكارثية التي ستخلفها تلك القرارات على اللاجئين الذين هم أيضاً ضحايا لـ"الإرهاب"، تماماً مثل مرتبات حرس الحدود والأجهزة الأمنية الذين قتلوا في الهجوم، الذي تشير جميع الدلائل إلى وقوف "داعش" خلفه، رغم عدم صدور اتهام رسمي من قبل الأردن للتنظيم، وعدم تبني الأخير، علماً أن تغريدات مقاتليه المبتهجة بالهجوم انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
تشير جميع الدلائل إلى أن الهجوم خطط له بعناية فائقة، خاصة أن القوات العسكرية الأردنية تمتلك حساسية أمنية عالية تجاه المنطقة التي حدثت فيها الهجوم، نظراً لوجود "داعش" على بعد أقل من 40 كيلومترا من مخيم الركبان.
كذلك، فإن وجود عناصر للتنظيم بين صفوف اللاجئين، يجعل نجاح الهجوم صادماً للجهات العسكرية والأمنية، ويمثل أول فشل لمنظومة المراقبة امتلكتها قوات حرس الحدود بعد قرابة عام من اندلاع الأوضاع في سورية، والتي تغطي الحدود البالغ طولها 370 كيلومتراً بكاميرات مراقبة حديثة تبث صوراً مباشرة لمركز القيادة، كما أن هذا النظام يستطيع أن يراقب الأوضاع داخل الأراضي السورية لمسافة تزيد على 10 كيلومترات.
التحقيق في الثغرات، التي أدت إلى نجاح الهجوم، ودراسة مواطن الخلل بهدف تعزيز القدرات والاستعدادات وتطوير الاستجابة، هو ما بدأته المؤسسة العسكرية.
وفي انتظار نتائج التحقيق، لو قدّر أن تفرج عنها المؤسسة العسكرية، فإن الأثر المباشر للقرارات المتخذة في أعقاب الهجوم كفيلة بتراجع الصورة الإنسانية للجندي لصالح صورته التقليدية المقترنة بالقوة واليقظة.
فقد قرر رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأردني اعتبار المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية المتاخمة لسورية مناطق عسكرية مغلقة، يمنع دخولها بدون تنسيق مع القوات العسكرية.
كما حظّر دخول هذه المناطق على منظمات الإغاثة التي كانت تعمل بشكل يومي على تقديم المساعدات للاجئين في المخيمات الحدودية، وهما مخيما الركبان والحدلات، البالغ عدد المتواجدين فيهما 102 ألف لاجئ.
هذا المنع، سيعمق من مأساة اللاجئين، خاصة أن حياتهم تعتمد بشكل أساسي على المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية والتي تشمل المياه والغذاء والعلاج، في انتظار الاتفاق على آلية جديدة بين الحكومة والمنظمات لإيصال المساعدات للاجئين.
وبعد ساعات من الهجوم، سيطر الذعر على سكان مخيم الركبان، وبدأت عشرات العائلات مغادرة المخيم، في محاولة للعودة إلى قراها، رغم مخاطر عبورهم مناطق تحت سيطرة "داعش"، أو البحث عن مكان أكثر أماناً بعد الهجوم، بحسب ما أكد ناشطون من المخيم لـ"العربي الجديد".
وفي ردة فعل إضافية، قررت الحكومة، منع إقامة مخيمات جديدة للاجئين السوريين ووقف أعمال التوسعة في المخيمات القائمة، وهذا القرار لن يقتصر على المناطق الحدودية، بل شمل جميع أرجاء المملكة، وهو ما يحمل في ثناياه قراراً بوقف استقبال اللاجئين.
القرارات الأردنية، تلك، جاءت، وسط غضب من المجتمع الدولي الذي أخل بجميع التزاماته وتعهداته تجاه الأردن، خاصة بعدما تبين أن جميع المساعدات التي قدمت للمملكة خلال مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن مطلع فبراير/شباط الماضي، هي قروض يشترط الحصول عليها مواصلة ارتهان الأردن لصندوق النقد الدولي بكل سياساته المعادية للشعوب.
كما أن الميزات التفضيلية التي وعدت بها المنتجات الأردنية في الأسواق الأوروبية يحتاج تحقيقها وقتها طويلاً.
بقدر ما أثار الهجوم الأخير، غضب الأردن، لكنه شكل فرصة لاتخاذ جملة من القرارات الضاغطة على اللاجئين، بهدف الضغط على المجتمع الدولي للتحرك للقيام بالتزاماته بإنقاذ اللاجئين، عبر قناة مالية الحكومة الأردنية.
بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، التي أعقبت الهجوم، فإن حياة اللاجئين أصبحت تحاط بمزيد من الخوف. الخوف من زجهم وقوداً في معركة الدولة المستضيفة مع المجتمع الدولي والدول المانحة.
وأيضاً الخوف من تنامي خطاب الكراهية تجاه اللاجئين، خاصة أن الأرضية مهيأة لذلك، فهم الذين تحملهم غالبية أردنية منذ سنوات المسؤولية عن مشكلات البلد الاقتصادية والاجتماعية.
وبعد الهجوم، الذي أعلنت القوات المسلحة أن السيارة التي نفذته خرجت من مخيم الركبان، تجددت الدعوات لعقاب جماعي للاجئين عبر إغلاق مخيماتهم وطردهم خارج البلاد.