الأذان الأوّل، الثاني، الثالث، ثمّ الرابع. على أيّهما تفطر؟ وأذان خامس تبثّه إحدى القنوات التلفزيونية المحليّة. وإذا ما غيّرت المحطّة، قد يكون القارئ ما زال يتلو آيات قرآنيّة بانتظار اختفاء قرص الشمس وظهور النجوم في السماء، ليكون الأذان السادس.
بين الأذان الأول والأخير، تكون روائح الأطعمة والبهارات قد ملأت الفضاء. كأنّ الرائحة وحدها تقودك إلى البيت والمائدة وحتى الكرسيّ. الصائمون ينتظرون هذه اللحظة، حين تختلط الروائح في أنوفهم. كلّ هذا رهنٌ بالأذان الذين سيفطرون على ذمّته أوّلاً. هم في سباق. يقول مؤذّن: "الله أكبر، الله أكبر"، فيما يكون ثانٍ في مرحلة أخرى: "حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح". والصائم قد يحمل كوب الماء لدقيقة أو أكثر. الانتظار قد يكون أضمن، وإن كان يعرف أنه يحق له الإفطار بعد سماع أذان المسجد الأقرب إلى بيته.
المسألة أكثر تعقيداً بين الفقهاء. أما في بيوت لبنان، فتتخذ طابعاً ممازحاً. أحياناً، وضمن العائلة الواحدة، يفطر كل صائم بعد سماع أذانه. أما ذاك الذي يروي ظمأه أولاً، لن يفوّت الفرصة لإغاظة الآخرين. يحدث هذا بين الطائفتين السنيّة والشيعية، لدى اجتماعهما على مائدة إفطار واحدة. وربّما نجد الأمر داخل العائلة الصغيرة نفسها. تدرك العائلات جيداً أنه لا يمكن إجبار أحد على الإفطار في وقت معيّن. هذا خيار ومعتقد. لكن إذا ما اجتمعوا، تبدأ محاولات الإقناع.
إحدى النساء التي رفضت الكشف عن اسمها، وهي شيعية، كانت قد تزوجت من رجل سني قبل نحو 20 عاماً. كلاهما حريصان على تأدية واجباتهما الدينية. لم تفكّر كثيراً في الأذان الذي يجب أن تختاره للإفطار. ببساطة، تنتظر انتهاء أذان المسجد الأقرب إلى بيتها لتفطر. إلا أن ما تُرجم في عائلتها الصغيرة لم ينسحب على العائلة الممتدة. حين يجتمع أشقاؤها وأشقاء زوجها على مائدة إفطار واحدة، يبدو المشهد وكأن جميعهم يقفون في طابور. وبطبيعة الحال، يكون أشقاء الزوج في المقدمة، لأن المؤذن الذي يفطرون على أذانه يسبق المؤذّن الشقيق. في بعض الأحيان، يتضامن الجميع، ويفطرون على "الأذان الأخير"، كما يسمّونه. وفي أحيان أخرى يسبق السنة أقاربهم الشيعة بشرب المياه. يقول أحدهم: "شخصياً، لا أستطيع الانتظار حتى وقت السحور". لا يقول هذا بدافع الاستفزاز، بل يضحكون جميعهم. على سبيل المزاح، يتّهم "سنة" هذه العائلة "شيعتها" بالمبالغة في تأخير الإفطار، حتى يكاد يحين موعد السحور، فيما "شيعتها" يتهمون "سنّتها" بالإفطار مع شروق الشمس. وما يحصل في هذه العائلة من مواقف فكاهية ولطيفة يحدث في الكثير من العائلات اللبنانية المختلطة.
ما إن يُسمع الأذان الأخير، وتكون السماء قد لبست اللون الأسود، حتى لا يُسمع غير قرقعة السكاكين والشوك فوق الصحون، وعبارة: "هات من فضلك". ويمرّ الوعاء الذي وضع فيه "الفتّوش" فوق رؤوس الجميع، بالإضافة إلى صحن "السمبوسك" والكباب وغيرها.
فور الانتهاء من الإفطار، يبدأ الشجار على المسلسلات. في ما مضى، كانت الخيارات مختلفة ومحصورة، بين من يفضّل المسلسلات المصرية أو السورية. في الوقت الحالي، صارت المسلسلات "متعددة الجنسيات". ربما صارت الخيارات أكثر عشوائية، أو ترتبط بالبطل أو البطلة الأحب إلى القلب. إذا كان في البيت تلفزيونان، ينقسم الحاضرون. أما إذا كانوا يتابعون المسلسل ذاته فيجلسون مع بعضهم البعض، بانتظار حلويات رمضان.
والأصعب من كلّ شيء، هو غسل الصحون والتوضيب. حتى اليوم، ما زال الرجال، خصوصاً حين يكون هناك أكثر من امرأة واحدة في البيت، يتبرّؤون من هذه المهام. إلا أنهم لا يفلتون تماماً من نظرات اللوم.
اقــرأ أيضاً
بين الأذان الأول والأخير، تكون روائح الأطعمة والبهارات قد ملأت الفضاء. كأنّ الرائحة وحدها تقودك إلى البيت والمائدة وحتى الكرسيّ. الصائمون ينتظرون هذه اللحظة، حين تختلط الروائح في أنوفهم. كلّ هذا رهنٌ بالأذان الذين سيفطرون على ذمّته أوّلاً. هم في سباق. يقول مؤذّن: "الله أكبر، الله أكبر"، فيما يكون ثانٍ في مرحلة أخرى: "حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح". والصائم قد يحمل كوب الماء لدقيقة أو أكثر. الانتظار قد يكون أضمن، وإن كان يعرف أنه يحق له الإفطار بعد سماع أذان المسجد الأقرب إلى بيته.
المسألة أكثر تعقيداً بين الفقهاء. أما في بيوت لبنان، فتتخذ طابعاً ممازحاً. أحياناً، وضمن العائلة الواحدة، يفطر كل صائم بعد سماع أذانه. أما ذاك الذي يروي ظمأه أولاً، لن يفوّت الفرصة لإغاظة الآخرين. يحدث هذا بين الطائفتين السنيّة والشيعية، لدى اجتماعهما على مائدة إفطار واحدة. وربّما نجد الأمر داخل العائلة الصغيرة نفسها. تدرك العائلات جيداً أنه لا يمكن إجبار أحد على الإفطار في وقت معيّن. هذا خيار ومعتقد. لكن إذا ما اجتمعوا، تبدأ محاولات الإقناع.
إحدى النساء التي رفضت الكشف عن اسمها، وهي شيعية، كانت قد تزوجت من رجل سني قبل نحو 20 عاماً. كلاهما حريصان على تأدية واجباتهما الدينية. لم تفكّر كثيراً في الأذان الذي يجب أن تختاره للإفطار. ببساطة، تنتظر انتهاء أذان المسجد الأقرب إلى بيتها لتفطر. إلا أن ما تُرجم في عائلتها الصغيرة لم ينسحب على العائلة الممتدة. حين يجتمع أشقاؤها وأشقاء زوجها على مائدة إفطار واحدة، يبدو المشهد وكأن جميعهم يقفون في طابور. وبطبيعة الحال، يكون أشقاء الزوج في المقدمة، لأن المؤذن الذي يفطرون على أذانه يسبق المؤذّن الشقيق. في بعض الأحيان، يتضامن الجميع، ويفطرون على "الأذان الأخير"، كما يسمّونه. وفي أحيان أخرى يسبق السنة أقاربهم الشيعة بشرب المياه. يقول أحدهم: "شخصياً، لا أستطيع الانتظار حتى وقت السحور". لا يقول هذا بدافع الاستفزاز، بل يضحكون جميعهم. على سبيل المزاح، يتّهم "سنة" هذه العائلة "شيعتها" بالمبالغة في تأخير الإفطار، حتى يكاد يحين موعد السحور، فيما "شيعتها" يتهمون "سنّتها" بالإفطار مع شروق الشمس. وما يحصل في هذه العائلة من مواقف فكاهية ولطيفة يحدث في الكثير من العائلات اللبنانية المختلطة.
ما إن يُسمع الأذان الأخير، وتكون السماء قد لبست اللون الأسود، حتى لا يُسمع غير قرقعة السكاكين والشوك فوق الصحون، وعبارة: "هات من فضلك". ويمرّ الوعاء الذي وضع فيه "الفتّوش" فوق رؤوس الجميع، بالإضافة إلى صحن "السمبوسك" والكباب وغيرها.
فور الانتهاء من الإفطار، يبدأ الشجار على المسلسلات. في ما مضى، كانت الخيارات مختلفة ومحصورة، بين من يفضّل المسلسلات المصرية أو السورية. في الوقت الحالي، صارت المسلسلات "متعددة الجنسيات". ربما صارت الخيارات أكثر عشوائية، أو ترتبط بالبطل أو البطلة الأحب إلى القلب. إذا كان في البيت تلفزيونان، ينقسم الحاضرون. أما إذا كانوا يتابعون المسلسل ذاته فيجلسون مع بعضهم البعض، بانتظار حلويات رمضان.
والأصعب من كلّ شيء، هو غسل الصحون والتوضيب. حتى اليوم، ما زال الرجال، خصوصاً حين يكون هناك أكثر من امرأة واحدة في البيت، يتبرّؤون من هذه المهام. إلا أنهم لا يفلتون تماماً من نظرات اللوم.
غياب القرص وزوال الحمرة
حسب الطائفة السنية، يحين موعد الإفطار عند غروب الشمس استناداً إلى قول النبي محمد: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبَرَ النهار من ها هنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم". أما بحسب المرجع الشيعي، علي السيستاني، يحين وقت الإفطار عند زوال الحمرة المشرقية. تجدر الإشارة إلى أنّ بعض مراجع الشيعة يعتمدون غياب القرص لا زوال الحمرة المشرقية، ومن بينهم المرجع اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله.
حسب الطائفة السنية، يحين موعد الإفطار عند غروب الشمس استناداً إلى قول النبي محمد: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبَرَ النهار من ها هنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم". أما بحسب المرجع الشيعي، علي السيستاني، يحين وقت الإفطار عند زوال الحمرة المشرقية. تجدر الإشارة إلى أنّ بعض مراجع الشيعة يعتمدون غياب القرص لا زوال الحمرة المشرقية، ومن بينهم المرجع اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله.