لطالما جمع العداء بين حركة "طالبان" الأفغانية وشيعة أفغانستان ممثلين بالهزارة. ولم ينس كثيرون ما حل بالحركة بعدما أغلقت مجموعة مسلحة من الهزارة، التي ينتمي أبناؤها إلى الطائفة الشيعية، الطريق المؤدي إلى شمال البلاد، في ديسمبر/كانون الأول 2001. في حينها، حوصر آلاف من مسلحي الحركة، ثم تمت تصفيتهم في منطقة دشتي ليلي بإقليم مزار شمال أفغانستان. كانت هذه الحادثة بمثابة كارثة في تاريخ الحركة، لكنها لم تكن الوحيدة في مسلسل العداء بين حركة طالبان المتشددة وبين أقلية هزارة التي كانت تقاتل الحركة نيابةً عن إيران. إلا أن المصالح تغيّر الأحوال وتقلب الأعداء إلى أصدقاء. لم يكن الأفغاني يتخيل أن تحصل "طالبان" على موطئ قدم لها بين أقلية الهزارة أو أن يعلن أحد أبناء هذه المجموعة ولاءه لـ"طالبان". إلا أن هذا المستحيل حصل بالفعل بفضل تقارب طهران مع الحركة الأفغانية. وتجسد ذلك الأسبوع الماضي، حين تم الإعلان عن تأسيس فرع لـ"طالبان" في قلب إقليم هزارة بمنطقة باميان. وينتمي عناصر هذا الفرع إلى المذهب الشيعي، في سابقة بتاريخ الحركة التي أسسها الملا عمر، الذي كان ينظر إلى إيران بنظرة العداء. وكانت الأخيرة بدورها قد لجأت إلى الوسائل المتاحة للقضاء على هذه الحركة.
بعد الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر في يوليو/تموز من العام الماضي، بدأت العلاقة بين طهران و"طالبان" تتبلور. وبعد أشهر من تولي زعيم طالبان السابق، الملا أختر منصور، خلافة مؤسس الحركة، أضحت العلاقة بين الخصمين السابقين متينةً. وكان منصور نفسه، بالإضافة إلى قياديين آخرين في الحركة، يسافرون بين الحين والآخر إلى طهران. ولم يؤد مقتل منصور في مايو/أيار من العام الجاري، أثناء عودته من طهران إلى باكستان، إلى قطع الصلات أو إلى عرقلة مسار تحسين العلاقات بين النظام الإيراني وحركة طالبان. ويؤكد مسؤولون أفغان مصادرة أسلحة إيرانية أثناء المعارك مع "طالبان"، كدليل على ما يقولون إنه دعم من إيران للحركة، مالياً ولوجستياً.
وبعد إعلان تأسيس فرع لطالبان داخل قومية الهزارة، جرى عرض فيديو يعلن فيه عدد من المقاتلين الشيعة المدججين بالأسلحة المختلفة، ولاءهم لـ"طالبان"، متوعدين في الوقت نفسه قيادات الأحزاب الشيعية الأخرى. أحد المسلحين يتوعد تلك القيادات، ويقول لهم "إنكم قد انشغلتم بالمصالح وتركتم أمور الشعب". لم تعلق الحكومة الأفغانية على هذا التطور، بل أوصى مسؤولون فيها بعدم أخذه على محمل الجد. لكن المنابر الإعلامية الأفغانية غطت الحدث، ورأى فيه مراقبون أنه يعكس تطوراً خطيراً أتى نتيجة تحسن العلاقات بين طهران و"طالبان"، وأنه قد يدفع أفغانستان نحو أتون حرب داخلية لا تحمد عقباها.
تجدر الإشارة إلى أن تشكيل هذا الفرع ليس الخطوة الأولى في مسار توطيد العلاقات بين "طالبان" وأقلية الهزارة. بل سبق أن حصل تعاون بين مقاتلي الهزارة وعناصر "طالبان" في بعض مناطق أفغانستان ضد تنظيم "داعش". وكأن مواجهة هذا التنظيم تمثل أساس العلاقة بين الطرفين من جهة، وبين الحركة الأفغانية المتشددة وإيران من جهة ثانية.
في هذا السياق، ثمة سؤال يفرض نفسه ويتعلق بمعرفة الأهداف الإيرانية من وراء تحسين العلاقة مع "طالبان". فطهران التي تمول مليشيات مختلفة في أفغانستان من أجل الدفاع عن مصالحها، بالإضافة إلى دعمها لتنظيمات شيعية داخل الحكومة الأفغانية، تأمل كذلك بأن تدخل مع روسيا إلى أفغانستان من باب أوسع، أي من خلال تمويل حركة طالبان واحتضانها. وتريد بذلك أن تقف في وجه نفوذ "داعش". وتريد من خلال إدخال الشيعة إلى صفوف الحركة ومن خلال الالتئام بين هذه الحركة والشيعة الأفغان، في العموم، أن تضعف نفوذ دول خليجية في أوساط حركة طالبان.
بموازاة هذه التطورات، يبدو أن موسكو دخلت إلى اللعبة من جديد بوصفها لاعباً رئيسياً بعد تحسين علاقاتها مع إسلام آباد، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة بينهما. وبعد زيارة وفود متتالية لـ"طالبان" إلى موسكو، بوساطة إيرانية، تفيد تسريبات صحافية ومعلومات من القياديين في الحركة، أن وفداً منها سيزور قريباً موسكو، للحديث مع القيادة الروسية بشأن التعاون بين الطرفين، معتبرين أن تلك الزيارة مهمة للغاية. ويؤكد هؤلاء أن إسلام آباد ترضى بأن تحصل "طالبان" على دعم روسي، بل تحاول أن تتيح الفرصة لحصول ذلك. لكنها تشترط طبعاً أن تكون قيادات الحركة في باكستان كي تبقى تحت نفوذها. كما أن إسلام آباد تفضل ألا تكون الداعمة الوحيدة لـ"طالبان"، وخصوصاً أنها لا تستطيع ذلك مادياً في الوقت الراهن.
وتنخرط موسكو في عملية تحسين علاقاتها مع "طالبان" لكي تصطاد عصفورين بسهم واحد؛ هي تريد من خلال دعم الحركة الوقوف في وجه "داعش" الذي تعتقد موسكو أنه يبسط نفوذه في المنطقة لاستهدافها لاحقاً. كما أن موسكو تريد منافسة واشنطن الداعمة الرئيسية لحكومة كابول. بيد أن واشنطن قررت عدم اتخاذ موقف المتفرج على هذه التحولات في الساحة الأفغانية. وبعدما كانت تعتبر دور باكستان محورياً في شأن قضية أفغانستان، توجهت الولايات المتحدة إلى الهند، من خلال عقد محادثات ثلاثية بين كابول ونيودلهي وواشنطن لإيجاد حل للمعضلة الأفغانية. كما أنها بدأت تساند حكومة كابول بشكل أكبر، خاصة فيما يتعلق بالتجهيزات العسكرية.
وجرى اعتقال عدد من قياديي "طالبان" منذ أيام في باكستان وتم اقتيادهم إلى مكان مجهول. وفيما أعلنت الأجهزة الباكستانية أن هؤلاء كانوا يعارضون عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية، يقول قياديون في الحركة إنهم كانوا يعارضون سياسات الحركة الأخيرة وتقاربها مع طهران. إذ إن الأخيرة تحاول أن تدفع الحركة للانخراط في حرب أهلية في البلاد، على حد تعبير هؤلاء.
ويرى قياديون في "طالبان" أن كل من عارضوا زعيم الحركة الحالي، الملا هيبة الله أخوندزاده، أعتقلوا من قبل الأجهزة الباكستانية، ومنهم أحد مؤسسي الحركة والمسؤول الحالي عن تجنيد المسلحين، الملا أحمد الله ناني، والوالي السابق لإقليم دايكندي في فترة حكم "طالبان"، الملا سليمان أغا، ومسؤول اللجنة الاقتصادية في الحركة، الملا صمد الثاني. ويجري الحديث عن اعتقال ثمانية قياديين في الحركة، بعدما عارضوا زعيم الحركة.
ثمة من يرى أن دول الجوار، تحديداً باكستان، ترغب في أن تحصل "طالبان" على دعم من دول المنطقة، لكنها تسعى، على المدى البعيد، إلى القضاء على حركة طالبان المعروفة بالتماسك، وتشكيل جماعات عدة تحل محل الجماعة الأم، التي ترفض في كثير من الأحيان مطالبها.