وتحاول رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، أن تتأقلم مع الصورة التي تريد أن تكون عليها باعتبارها رئيسة للمدن الأربعين القيادية في مجال الحد من ظاهرة تغير المناخ C40، التي تضم 85 من كبريات المدن العالمية النشيطة في التحدي المناخي.
وليس من حل فوري في باريس وضواحيها القريبة، كما ترى، العمدة آن هيدالغو، ومساعدوها سوى السماح فقط لنصف السيارات بولوج العاصمة مع التزام السرعة الأدنى. وأيضاً السماح للمواطنين بالتنقل مجاناً في وسائل النقل العمومية، من ميترو وترام وقطارات الضاحية السريعة، أو تشجيع بعضهم على الركوب مع بعضهم الآخر.
وتشهد باريس وليون مستويات حادة وعالية من التلوث، منذ بداية هذا الأسبوع، وهو ما لم تعرفه العاصمة منذ عشر سنوات.
وتعترف السلطات المختصة، خاصة الصحية، أنه لا ينصح بممارسة أي نشاط رياضي، خلال هذه الأيام، وحتى الحصص الرياضية في المدارس تم إلغاؤها، خوفاً من أي طارئ.
وبحسب السلطات الطبية في باريس، فإنّ التلوث الحالي الذي يضرب العاصمة، هو عبارة عن جزيئات دقيقة يمكن لها أن تسبب أعراضاً مختلفة للحساسية ونوبات ربو حادة، إضافة إلى آلام في العيون والأنف والحنجرة.
وتنصح وزارة الصحة الباريسيين، خاصة المرضى ومن لا يعرفون وضعاً صحياً مستقراً، أن يتجنبوا كل شكل من أشكال الحركات الرياضية، سواء في الهواء الطلق أو داخل أماكن مغلقة. وعليهم لدى صعوبة التنفس أن يلجأوا فوراً إلى الطبيب أو الصيدليات، كما يُنصح الباريسيون بألا يقضوا وقتاً طويلاً في الخارج، إلا عند الضرورة، وتجنب السير بمحاذاة المحاور الطرقية أثناء ساعات الازدحام (الخروج من الشغل).
وعلى الرغم من أن هذه التهديدات السالفة الذكر تؤرّق الباريسيين، خاصة مسؤولي الصحة، إلا أن التهديد الأكبر يظلّ التلوث العميق، وهو ما يعرّض نصف سكان باريس، على طول السنة، لمستويات تتجاوز العتبات التي يسمح بها القانون الجاري به العمل. على الرغم من أن الظروف تحسنت، بشكل كبير، بفضل التطورات المنجزة في ميدان الصناعات، قياساً إلى سنة 2007، التي كان فيها تسعة أعشار من سكان العاصمة معرضين لهذا الخطر.
ويعتبر التلوث خطراً يتهدد المجتمع الفرنسي وتدفع الدولة ثمنه غالياً، إذ إن الإحصاءات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية تتحدث عن 42 ألف حالة وفاة مبكرة في فرنسا، بسبب التلوث، وهو ما يكلف الدولة مبلغ 100 مليار يورو، سنوياً، حسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي.
والغريب أن باريس التي شهدت ظهور جزيئات دقيقة، تشوه واجهات منازل باريس وتسبّب أمراضاً تنفسية، تشهد، أيضاً، ارتفاعاً كبيراً في معدلات ثاني أوكسيد الكربون.
أما في ما يخص التلوث الذي تسبّبه السيارات، فإن بإمكان عدة مدن فرنسية، وفقاً للإجراءات التي اتخذتها الدولة، أخيراً، أن تفرض مناطق يكون فيها سير السيارات محدوداً، على غرار ما هو عليه الحال في أكثر من 200 وسط مدينة في أوروبا.
هذا السير المتعاقب لا يروق لكثير من المواطنين، لأنه في نظرهم، لا يَستهدف أساساً السياراتِ التي تلوث بشكل أكبر، وأيضاً، لأن كثيرين من أصحاب السيارات لا يمكنهم نقل وسائل عملهم في الميترو أو في قطارات الضواحي.
تجدر الإشارة إلى إن أن كثيراً من المواطنين تحدوا أوامر البلدية، والعقوبات والغرامات التي يمكن أن يتعرضوا لها، وتحركوا بسياراتهم. وهذا الرفض للسير المتعاقب، لقي تجاوباً من قبل فاليري بيكريس، رئيسة منطقة باريس الكبرى عن حزب "الجمهوريون".
من جهتها، تلتزم وزيرة البيئة الفرنسية، سيغولين روايال، التي من المقرر لها أن تتحدث يوم السبت 10 ديسمبر /كانون الأول الجاري، عن إجراءات جديدة لفائدة النقل النظيف، الصمت حيال ما يجري في باريس، فيما يطالبها كثيرون أن تعبر عن مواقفها من هذا الوضع الصعب الذي يعيشه الباريسيون.