وتعتبر فرنسا الأمر من أولوياتها، وهذا هو ما يفسّر القمة، التي دعت إليها اليوم، الدول الأفريقية المعنية، والولايات المتحدة الأميركية، والمستشارة الألمانية ميركل، ورئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فاكي، والسعودية والإمارات، ضمن نحو عشرين وفداً من الاتحاد الأوروبي ومن الخليج العربي.
وسيكون على عاتق هؤلاء، تموين وتجهيز القوة العسكرية الجديدة، التي أطلقت في شهر يوليو/تموز الماضي في باماكو، والتي سيصل عدد أفرادها إلى 5000 جندي، ضمن 7 كتائب: كتيبتان في مالي وكتيبتان في النيجر وواحدة في تشاد وواحدة في موريتانيا وواحدة في بوركينا فاسو.
وعلى الرغم من أن الميزانية المقررة لهذا الجيش كانت في بداية الأمر في حدود 430 مليون يورو، إلا أنه تم تخفيضها إلى 250 مليون يورو، ويتعين أن تكون مشاركة كل بلد أفريقي من الدول الخمس بـ10 ملايين يورو.
ومن أجل الوصول إلى جمع المبلغ المطلوب أعلنت فرنسا عن توفير 8 ملايين يورو من أجل تجهيز القوات، بالعربات المصفحة الخفيفة ووسائل الاتصال. ومن جهته رفع الاتحاد الأوروبي مساهمته من 50 مليون إلى 80 مليون يورو.
ومثلما وعدت المملكة العربية السعودية من قبل، فقد تمّ الإعلان عن مساهمتها في مكافحة الإرهاب بمبلغ 100 مليون دولار، في حين أن الإمارات العربية المتحدة، ستساهم بـ 30 مليون دولار، وينتظر أن يبذل هذان البلدان العربيان مجهوداً مالياً أكبر، كما أملَ الرئيسُ الفرنسي.
أما الولايات المتحدة الأميركية، التي وجدت موضع قدم لها، قبل أشهر، في النيجر، والتي فقدت قبل أسابيع أربعة من أفراد قواتها الخاصة، في اشتباكات كادت تكلفها خسائر أكبر، لولا تدخل الطيران الفرنسي، فوعدت بتقديم 60 مليون دولار.
ومن جهة أخرى، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن "مكافحة الإرهاب في الساحل في أوجه". واعتبر حضور ومساهمة الولايات المتحدة الأميركية في لقاء باريس وفي مساعدة مجموعة الخمس الأفريقية، هاماً، حتى يتسنى مطالبة مجلس الأمن بمنح سلطات واسعة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما، MINUSMA) وتنخرط في دعم وإسناد القوات الأفريقية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع، كما أطلق عليه، كشف عن انخراط دول أوروبية، أكثر فأكثر، كألمانيا وإيطاليا، وإسبانيا، بدرجة أقل، في الساحل والصحراء، خصوصاً وأنه لا يفصلها عن أماكن النزاع غير بلدين، ليبيا والنيجر، وهو ما تعبر عنه الرغبة الإيطالية الملحة والمتكررة في التدخل في ليبيا.
وينظر الرئيس، ماكرون، بكثير من الرضى لهذا التفهم الأوروبي المتزايد، والذي يرى، فيه، بشكل ملموس، تخفيفاً جوهرياً من نزيف فرنسا، البشري والاقتصادي، في هذه المنطقة من العالَم.
ويأتي هذا اللقاء في باريس، في وقت استعادت فيه مختلف التنظيمات المتطرفة والجهادية نشاطاتها، تحت راية "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وبدأت من جديد، في إنهاك القوات الفرنسية "برخان"، والتي تضم 4000 جندي، ومهاجمة القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة والقوات الأميركية الخاصة، وأيضاً في الاشتباك مع كل القوات الأخرى التي تدعمها والتي تدعم الجيوش المحلية، في مختلف المناطق، وخاصة جنوباً، على نهر النيجر، وعلى تخوم مالي وبوركينا فاسو.
وتأمل فرنسا، الرئاسة والجيش، أن تكون هذه القوات الأفريقية، التي يترأسها الجنرال المالي، ديديي داكو، فعّالة ابتداء من نهاية الفصل الأول من سنة 2018.
ولا تزال هذه القوات الأفريقية، في لحظتها الجنينية، تحظى بدعم قوي من القوات الفرنسية، المتواجدة في عين المكان، في انتظار أن تحظى، كما ينص قرار مجلس الأمن رقم 2391، بدعم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما".
ويظل الرهان الفرنسي الأكبر والمعلن متمثلاً في أن تأخذ هذه القوات الأفريقية زمام الأمور بنفسها، من حيث انخراطها في القضاء على مختلف المجموعات المسلحة التي تعج بها المنطقة، وأيضاً نيل ثقة السكان، أي البحث عن مخرج سلمي مستدام، مع استمرار دعم مستمر وقوي من فرنسا، التي لا تزال تعتبر هذه المنطقة أساسية.
وهنا تشير منظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، أن العمل العسكري، لوحده، سواء في منطقة الساحل أو في غيره من المناطق، لن يكتب له النجاح.
ولأن فرنسا تعتبر منطقة الساحل استراتيجية فقد أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، قبل أسابيع، أن عملية "برخان" ستستمر ما دام الأمر ضرورياً، وأن فرنسا ستستمر في تعبئة وسائل مهمة لتأمين تكوين وحماية هذه القوة الأفريقية المشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أن نحو 20 ألف عسكري فرنسي يتواجدون في عمليات خارجية، وهو ما يرهق الميزانية العسكرية الفرنسية ويسبب توترات ظاهرة بين الرئاسة الفرنسية وقيادة الجيوش.
ولهذا السبب، فإن الرهان الفرنسي على هذه القوة الأفريقية حقيقيّ، ويمكن لهذه الأخيرة عند اشتداد عودها واكتمال عددها، أن تنفس كثيراً عن القوات الفرنسية، ويتمدد نشاطها بحيث تستطيع كل كتيبة أن تمارس عملياتها في حدود 50 كيلومتراً في عمق الدول المجاورة.
وهو ما يعني أنه في العام 2019 سيتم خفض عدد قوات عملية "برخان"، كما يمكن لفرنسا أن تتنفس مع قرب الانتهاء من العمليات ضد إرهابيي "داعش" في العراق وسورية.