فرنسا: تعليق قرار حظر البوركيني في مدينة فيلنوف لوبي

26 اغسطس 2016
مجلس الدولة الفرنسي (فرانس برس)
+ الخط -
لم يحسم قرار "مجلس الدولة" مسألة البوركيني في فرنسا كلها. لأنه جاء جواباً على قضية تتعلق بمدينة واحدة، وهي فيلنوف-لوبي، بناء على شكوى محددة من قبل رابطة حقوق الإنسان الفرنسية. وهو ما يقتضي أيضاً أن تحصل شكايات أخرى تخص البلدات الأخرى التي فرضت هذا الحظر.  
 

وقد أكد "مجلس الدولة في حكمه أن قرار بلدية فينلوف-لوبي، القاضي بمنع البوركيني يعد "انتهاكاً خطيراً وغير قانوني للحريات الأساسية"، وبالتالي فإنه "يمكن للنساء اللواتي تم تغريمهن بسبب البوركيني أن يلجأن للقضاء لانتقاد الغرامات". وأضاف قرار "مجلس الدولة" بأن "الظروف الإرهابية التي تعيشها فرنسا لا تبرّر حظر البوركيني"، وأنه من أجل تبرير حظره يجب التأكد من وجود "إخلال بالنظام العمومي".

وإذا كان القرار لا يهم سوى مدينة واحدة إلا أنه يمكن أن يُشكّل "سابقة قضائية"، وإن المحاكم الإدارية مدعوّة لمحاكاته. إلا إذا كان ثمة برهان على خطر داهم يتهدد النظام العام.
 

وإذا كانت معظم الردود مرحّبة بهذا القرار، والذي يؤكد على أن "الحظر ليس قانونياً، وأن العلمانية لا يمكن تطبيقها على الفضاء العمومي" (لأن الحجاب غير محظور في الأماكن العمومية)، إلّا أن العديد من قياديي حزب "الجمهوريون"، وعلى رأسهم نيكولا ساركوزي، يحاولون الالتفاف على هذا القرار، عبر التسريع بسن قانون يحظر البوركيني في فرنسا.

واعترف قيادي في الحزب أن النائب إيريك سيوتي، صديق إسرائيل وأكثر نواب اليمين تشدداً مع المهاجرين واللاجئين، بصدد الإعداد، مع نواب آخرين، لمشروع قانون، سيُقدَّم في الأيام المقبلة لإقراره في البرلمان، يحظر البوركيني، بشكل نهائي، خصوصاً أن ثمة نواباً من كل الاتجاهات السياسية يؤيدون الحظر، كما كان الشأن من قبل مع النقاب.  

إلا أن سنّ قانون جديد بهذا الصدد لن يُغلق الملف نهائياً، إذ إن بإمكان منتقدي القرار، من أفراد ومنظمات، أن يلتجئوا إلى "المجلس الدستوري"، وهو ما يستوجب انتظار وقت إضافي طويل.

ومنعت ثلاثون بلدية فرنسية البوركيني، وسط خلاف محتدم حول القرار، ومدى تأثيره على الحريات العامة في فرنسا، إذ يرى المنادون به أنه لازم لحفظ الأمن.


وتحدث الرئيس فرنسوا هولاند، للمرة الأولى حول الموضوع، فدعا إلى عدم الاستسلام لـ"الاستفزاز" ولا إلى "التمييز"، لافتا إلى "الرهان الكبير" الذي يمثله على "الحياة المشتركة" في البلاد التي تضم أكبر عدد من المسلمين في أوروبا.

وزاد في الطين بلة نشر صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الأولى صوراً لامرأة محجبة لا ترتدي البوركيني على أحد شواطئ نيس محاطة بأربعة شرطيين بلديين، ما أثار موجة من الاستنكار والقلق.

وتحدثت الصحف الألمانية من جهتها عن "حرب دينية"، واعتبر رئيس بلدية لندن، صديق خان، أنه "لا يحق لأحد أن يملي على النساء ما يجب أن يرتدين. الأمر بهذه البساطة".

ويندرج البوركيني في إطار جدل متكرر في فرنسا حول مكانة الإسلام، مترافقاً مع جدالات وقوانين، ففرنسا هي أول بلد في أوروبا يحظر في 2010 الحجاب الكلي (النقاب والبرقع) في الأماكن العامة، كما منع الحجاب أو وضع رموز تدل على انتماء ديني عام 2004 في المدارس الحكومية.

وتذهب القرارات البلدية أبعد من ذلك. فمن دون أن تتضمن بشكل صريح كلمة "بوركيني" تفرض هذه القرارات ملابس تحترم "التقاليد والعلمانية"، لكنها تستهدف في الحقيقة لباس البحر الإسلامي الذي يغطي الجسد من الرأس حتى القدمين.


وبرر رؤساء بلديات عدة قرارهم بضرورة صون "الأمن العام" المهدد برأيهم بملابس "تكشف بشكل صارخ عن انتماء ديني". ولفتوا إلى الوضع المتوتر للغاية على الساحل المتوسطي منذ الاعتداء الدامي الذي أوقع 86 قتيلاً في نيس في 14 يوليو/تموز الماضي.

لكن رابطة حقوق الإنسان اعتبرت ذلك أمرا غير مقبول، الخميس، وندد المحامي باتريس سبينوسي، والذي ينتمي إليها، بما اعتبره "مساساً بحرية الرأي والمعتقد". وكان المجلس الإسلامي الفرنسي قد أبلغ الحكومة، الأربعاء، عن "القلق الكبير" لدى المسلمين في فرنسا.

وقبل عشرة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، وفي بلد يحتدم فيه الجدل حول مكانة الإسلام بشكل منتظم لم تبق الطبقة السياسية في منأى عنه. فأكد الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، المرشح اليميني إلى الانتخابات التمهيدية الرئاسية مجدداً، الخميس، رفضه البوركيني واعتبره "استفزازاً"، واقترح أيضاً منع الرموز الدينية في الشركات والإدارات والجامعات.

وفي سياق ذلك، طالب حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد بتوسيع نطاق منع الحجاب ليشمل كافة الأماكن العامة.

وفي داخل الحكومة أثارت المسألة الانقسام، فدان وزيران قرارات رؤساء البلديات، ما يتضارب مع موقف رئيس الحكومة مانويل فالس الذي أيدهم باسم الحفاظ على الأمن العام.

واعتبرت وزيرة التربية، نجاة فالو بلقاسم، المدافعة عن حقوق النساء والمعارضة لارتداء البوركيني، أن "تكاثر" القرارات لحظر البوركيني "غير مرحب بها"، ووصفتها بـ"الانحراف السياسي" الذي "يطلق العنان للكلام العنصري".

ورد فالس بقوله إن هذه القرارات "ليست انحرافا"، لكنه أكد، الخميس، أن "كل ما يمكن أن يبدو تمييزا وأي رغبة في مهاجمة الإسلام مدان بالتأكيد".

وقال فالس لقناة بي إف إم تي في: "لسنا في حرب ضد الإسلام. إن الجمهورية متسامحة مع المسلمين وسنحميهم من التمييز"، لكنه اعتبر أن "البوركيني دلالة سياسية للدعوة الدينية تخضع المرأة".

بدورها، أشادت منظمة العفو الدولية بقرار رفع الحظر. وقال مدير برنامج أوروبا في المنظمة جون دالهويزن: "من خلال التراجع عن الحظر التمييزي الذي تؤججه أحكام مسبقة ويشعل مثلها بدوره يرسم قرار اليوم خطاً مهماً في الرمال".

دلالات
المساهمون