اسم جديد
وعزت لوبان ضرورة تغيير الاسم إلى وجود "كابح نفسي" يحول دون تصويت كثيرين للحزب في الانتخابات، كما يحول دون انضمام آخرين.
وأكدت أنه يتوجب، إذن، انتظار تصويت أعضاء الحزب، لمعرفة الاسم الذي ستختاره الأغلبية، و"القيادة ستقبل، بالتأكيد، قرار هذه الأغلبية".
وقد جاء هذا القرار في خطاب طويل، قارَب ساعة والنصف الساعة، خلا من أيّ عَرْض لحصيلة الانتخابات الرئاسية السابقة، التي كانت مخيِّبَة.
وفي اندفاعة هجومية، شددت على أن الحزبَ الذي ابتدأ احتجاجِياً، قبل عقود، ثم مُعارِضاً، يريد، من الآن فصاعداً، أن يصبح "حزب سلطة"، أي يريد أن يصل إلى السلطة، مع حلفائه.
وانتقدت تقديمها إلى المحاكمة، هي وزميلها المحامي والنائب جيلبر كولار، بسبب نشرهما صوراً عن فظاعات تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأعادت لوبان، في خطاب لا يختلف عن خطبها الانتخابية ولا عن تصريحاتها الصحافية، التذكير بكل مبادئ وسياسات الحزب، وهاجمت كل الأعداء المفترضين لتصورها عن فرنسا وعن الفرنسيين.
وحاولت منح جرعات من المعنويات للمناضلين الذين أصيبوا في مقتل، بسبب سوء الأداء الانتخابي والنتائج الهزيلة في التشريعيات، ثم تجميد ابنة شقيقتها، ماريون ماريشال لوبان، عملها السياسي، ثم مشاكل بعض قياديي الحزب وممثليه مع القضاء، بتهم منها الفسادُ ونشر صور إرهابيين، بالقول: "لقد رفع الحزب رأسه وهو منغرس في فرنسا ويتوسع"، كما آلى الحزب على نفسه "حماية فرنسا"، و"لن يفعل هذا الشيء أيّ حزب سوى حزبنا".
وشنت زعيمة "الجبهة الوطنية" هجوماً لاذعاً على سياسات ماكرون وعلى من وصفته بـ"مستشاره"، ويتعلق الأمر بجاك أتالي.
ولمن يتوقع انحسار الحزب وضعف تأثيره، قالت: "لن نتغيّر، ولن نغيّر خطنا السياسي"، ثم استعرضت قائمة الأعداء الذين يتهددون فرنسا والفرنسيين، وعلى رأسهم "الهجرة التي ستؤدي إلى اختفائنا"، ثم "انعدام الأمن"، قبل أن تصل إلى لازمتها: "خطر الإسلاموية والعولمة، الأيديولوجيتين اللتين تحاولان (في نظر مارين لوبان) السيطرة على العالم".
وأضافت أن الفرنسيين يوجدون أمام "تحدّ حضاري"، ويجب إزاء كل تحدٍّ طرحُ سؤال: "هل هذا جيّد لفرنسا؟ وهل هو جيّد للفرنسيين؟"، مُدينة تعاظم نفوذ الشركات الكبرى، غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون وميكروسوفت، وتقاعس الاتحاد الأوروبي عن الرد، ورأت في هذه الشركات الكبرى "تهديداً للسيادة الوطنية والسيادة الشخصية".
ثم عرجت المتحدثة ذاتها على انتقاد الاتحاد الأوروبي، وذكّرت بما تقوله منذ وقت طويل: "لأننا أوروبيون فنحن ضد الاتحاد الأوروبي، وضد "نموذجه الفدرالي""، مقترحة: "اتحاداً لأمم أوروبية ذات سيادة".
وفي هذا الصدد، حيّت، أكثر من مرة، ماتيو سالفينو، رئيس رابطة الشمال الإيطالية، على "الإنجاز الذي حققه في الانتخابات الأخيرة ضد ماكرون الإيطالي ماتيو رينزي"، كذلك حيّت أصدقاءَها في النمسا.
ولم يفلت موضوع الهجرة ومشروع القانون الحكومي الجديد حول "اللجوء والهجرة" من خطابها، فقد انتقدت رفض البرلمان التعديلات التي قدّمها نواب "الجبهة الوطنية" لتعزيز وتشديد المشروع الحكومي، وسخرت من قناة "التوافق" بين "الجمهوريون" و"الجمهورية إلى الأمام" حول هذا الموضوع.
وأعادت لوبان التأكيد على هدفها المعلن المتمثل في القضاء على "مايو 1968"، ساخرة من انضمام أحد رموزها التاريخيين، كوهن بانديت، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون.
ثم تصدت لقضية "السيادة الرقمية"، وطالبت بأن تصبح "قضية وطنية كبرى"، في مواجهة كبريات الشركات الأميركية: "لماذا لا يكون لدينا غوغل فرنسي، وغوغل أوروبي؟".
القطع مع لوبان الأب؟
كل شيء إذن يسير وفق إرادة لوبان، ومن دون أي مفاجأة تذكر، في هذا المؤتمر السادس عشر، الذي اختارت أن يُعقد في مدينة ليل، بشمالي فرنسا، حيث يحظى الحزب بشعبية كبيرة.
وكل شيء يسير وفق هواها، إذ لا مرشح سواها لقيادة الحزب، الذي سيغيّر اسمه، بعد موافقة 52 في المائة من أعضاء الحزب، وهو ما جعل أعضاء الحزب ينتخبونها رئيسة للمرة الثالثة.
وقد جاء انعقاد هذا المؤتمر بهدف واضح، ويتلخّص في تخليصه من كل العوائق، خاصة بعد المناظرة الكارثية التي جمعتها مع المرشح إيمانويل ماكرون، والتي لا تزال آثارها على الحزب وعلى مناضليه حاضرة، كذلك يأتي في إطار تصميمها المسبق والمفكَّر فيه، جيداً، على "قتل" جان ماري لوبان، أبيها والمؤسس التاريخي لأهم حزب يميني متطرف، وإن كان أبوها يصرّ في مذكراته التي صدرت، قبل أيام، على أن ابنته لن تتخلّص منه إلا بـ"الإقدام على الانتحار".
وقد قرّرت لوائح وقواعد الحزب التخلي عن منصب الرئيس الشرفي، وهو ما يعني أن جان ماري لوبان، أصبح، الآن، خارجَ الحلبة، وخارج التاريخ الجديد لهذا الحزب اليميني.
وقد وافق 1500 شخص من الحضور، بنسبة 79,7 في المائة، على قوانين الحزب الجديدة. وانتخبت مارين لوبان رئيسة للحزب بنسبة مائة في المائة من الأصوات المعبَّر عنها، في حين أن 2,87 في المائة من الأصوات اعتبرت ملغاة.
كما أن لويس أليوت، النائب البرلماني وشريك مارين لوبان، حصل على أكثر عدد من الأصوات وانتخب رئيساً للمجلس الوطني للحزب، في مواجهة ستيف بيورواس ونيكولا باي ودافيد راشلين وبرونو غولنيش.
وقد جاء المؤتمر الجديد في سياق صعب، يرى فيه 63 من الفرنسيين، في آخر استطلاع للرأي، نشرته صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، اليوم الأحد، أن حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف "يشكل خطراً على الديمقراطية"، فيما يعارض 61 في المائة من الفرنسيين ترشح مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سنة 2022.
وجرى المؤتمر في حضور ضيف أميركي سامٍ ومزعج، في آن، في شخص ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب، وهو يخاطب جمهور ومناصري الحزب اليميني المتطرف بكلمات صريحة، أربكت غير قليل منهم، ولم تدفع مارين لوبان إلى التصفيق: "دعوهم يصفونكم بالعنصريين، دعوهم يصفونكم بالمعادين للأجانب، ودعوهم يصفونكم بأنكم من المعادين للهجرات الجديدة، احملوا (هذه الأوصاف) مثل وسام شرف".
ولا تزال تحوم حول المؤتمر، الذي شاءت له لوبان أن يمسح بعض الخيبات والهزائم، صراعات وتجاذبات قد تظهر في أية لحظة. فماريون ماريشال لوبان، التي كانت، قبل أيام، ضيفة شرف على الحزب الجمهوري الأميركي، وهو ما أغاظ خالتَهَا بعض الشيء، ونيكولا باي، نائب رئيس الحزب، القريب أيديولوجياً منها، الذي يزعج بسبب مواقفه "الهوياتية وكاثوليكيته التقليديوية"، الذي يطالب بتقارب جميع تيارات اليمين المتطرف، قد يكونان قنبلتين قابلتين للانفجار، أكثر انفجاراً، بالتأكيد، من نائب مارين لوبان السابق، فلوريان فيليبو، الذي انسحب وكوّن حزبه "الوطنيون".