اجتاز رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس اختبار التصويت على الثقة في الجمعية الوطنية أي البرلمان، وحصلت حكومته على ثقة 269 نائباً مقابل 244 حجبوا الثقة عنها، وهو فَقَد ثقة 37 نائباً كانوا أعطوا الثقة لحكومته الأولى في أبريل/نيسان الماضي. في حين امتنع هذه المرة 54 نائباً عن التصويت بينهم 32 من نواب الحزب الاشتراكي الحاكم الذي ينتمي إليه فالس.
نتيجة التصويت تظهر حجم الأزمة التي تعصف بعهد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وغياب التضامن بين ائتلاف اليسار الحاكم بزعامة الاشتراكيين، كما أنها جاءت نتيجة طبيعية للاعتراضات المتصاعدة على سياسة الحكومة الاقتصادية والتي أدت الى استقالة حكومة فالس الأولى في أواخر الشهر الماضي قبل أن يعيد هولاند تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
ورغم أن الدستور الفرنسي لا يلزم الحكومة بطلب الثقة، فإن التقليد في الجمهورية الخامسة درج على إلقاء رئيس الحكومة الجديد خطاباً أمام الجمعية الوطنية يشرح فيه سياسته العامة ويطلب على أساسه تصويت النواب. وصحيح أن فالس أراد طوعاً خوض هذا الاختبار ليكون امتحاناً لحجم التأييد له، ولكن الصحيح أيضاً أنه خرج من هذا الاختبار "بثقة مهتزة" وبأصوات نيابية مؤيدة هي الأقل عدداً في تاريخ التصويت على الثقة للحكومات منذ العام 1986.
هذا الواقع يضع الحكومة الجديدة في وضع هش، ويحدّ من قدرتها على المناورة في معالجة الملفات الساخنة التي تحدث عنها فالس، وهي معالجة العجز في الموازنة العامة، إذ إنه اعترف بمسؤوليته عن زيادة حجم هذا العجز ولكنه وعد بالعمل على خفضه من دون أن يقنع النواب المعارضين لسياسته.
كما أنه وعد بتخصيص 250 مليون يورو لتحسين الأوضاع المعيشية والصحية للعجزة، فتعالت الأصوات في البرلمان تسأله من أين سيأتي بالمال طالما أن الموازنة في عجز. والتزم فالس أيضاً بإعفاء العائلات ذات الدخل المنخفض من ضريبة الدخل من دون أن يشرح كيف سيعوض عن هذه الخسارة في مداخيل الخزينة العامة.
وكان لافتاً أن حلفاء فالس المفترضين في حزب "الخضر" امتنعوا عن التصويت، وطالبوه "بالعمل على تعزيز الثقة بدل هدم ما تم بناؤه سوياً". كما أن أعضاء حزبه المعارضين لسياسته كانوا أكثر قسوة في انتقاداتهم وصارحوه بالقول إن "الإصلاحات الصغيرة لم تعد تنفع، ووحده انعطاف شامل في السياسة يمكن أن يعيد اللحمة ويجمع تيارات اليسار ويعطي الثقة للفرنسيين".
أما نواب اليمين فلم يجدوا حرجاً في الدعوة الى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة لثقتهم بأنهم سيكسبونها.
استمع فالس الى كل هذه الانتقادات والنصائح وقال ما كان يبغي قوله من دون تعديل أو تراجع: "المهم أن الحكومة حصلت على الثقة، وهي تحظى بالإمكانات اللازمة لمواصلة مهمتها".
الثقة التي حصل عليها فالس كافية دستورياً ليتابع عمله ولكنها عملياً لا تؤمن له الغالبية المطلقة.