يبدو أنّ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، قد أشعل النار عبر تصريحاته الأخيرة التي أطلقها، واستهدفت رئيس الوزراء مانويل فالس، لينسف بذلك أجواء الوحدة الوطنية التي سادت في فرنسا لمدة أسبوعين، بعد هجمات باريس. وحمل ساركوزي على حديث فالس، في خطابه الأخير، عن "تمييز عنصري" تجاه الضواحي وما تعانيه من تهميش، واصفاً تصريحاته بـ "الخطأ".
ولم يتأخر فالس، بعد موجة غضب عارمة لدى أعضاء الحكومة والأغلبية الحاكمة اتهمت ساركوزي بـ"كسر روح الوحدة الوطنية"، في الرد على الرئيس السابق بقوله: "عندما يتعلّق الأمر بمسؤول سابق تولى السلطة الفعليّة، عليه أن يكون كبيراً وليس صغيراً". واضطر حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، إلى تبرير موقف ساركوزي، في بيان، رفض فيه "الاتهامات الموجهة إليهم بشأن تحمّل مسؤوليّة فشل الوحدة الوطنية".
وكان عدد من المحللين الفرنسيين قد حذروا من أنّ مناخ الوحدة الوطنية لن يدوم طويلاً، مع ترجيح أن يطفو السجال الداخلي على السطح في أيّ لحظة، بعدما بدأت باريس تلملم جراحها. وتبيّن عملياً أنّه سرعان ما عادت الحرب الكلاميّة إلى الواجهة، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين كوادر ونواب اليمين واليسار، وحتّى داخل اليمين نفسه.
ولم يتردّد عدد من أعضاء الحكومة واليسار، في التشديد على أنّهم "كانوا يفضلون أن يضع ساركوزي طاقته وجهوده في المعركة ضد الإرهاب، بدلاً من التعرّض لرئيس الحكومة في هذه المرحلة الحرجة".
ولم تقتصر ردود الفعل على خطاب فالس على ساركوزي وحده، إذ أثارت سيلاً من ردود الفعل داخل اليمين ولدى جزء من اليسار، الذي أعرب عن دهشته إزائها. وكان فالس تحدث عن "أبارتهايد"، ليقرّر بعد يومين وبسبب ردود الفعل استبدالها بكلمة "الغيتو" أو "غياب الدولة". وفيما اعتبر ساركوزي أن هذا التعبير "خطأ لا يليق بفرنسا"، قال فالس إنّ "الخطأ الذي وقع هو عدم التحلّي بالشجاعة وتسمية الأمور بأسمائها".
وفي موازاة تشديد الناطق باسم الحكومة ستيفان لو فول، على ضرورة "الوقوف عند مستوى الأحداث"، تلاقي دعوة ساركوزي إلى تخصيص ساعات عمل إضافيّة لعناصر الشرطة انتقاداتٍ، صدر أبرزها عن وزير المالية ميشال سابان، الذي سأل: "هل تعتقدون أنّ الشرطيين بحاجة إلى ساعات عمل إضافيّة في هذا الوقت"؟.
ويعرب أحد المعلقين الفرنسيين عن اعتقاده بأنّ "ساركوزي لا يتحمّل أن تُسلّط الأضواء لوقت طويل على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وفالس، كما حدث، وأن يركّز الإعلام على النجاح الذي حققاه في أدائهما وارتفاع شعبيتهما، كما أنّه يعتبر أنّ مخاطبة الإعلام هي مهمة يتفوق بأدائها".
ويشير أحد كوادر "حزب الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، إلى أنّ تصريح أمين عام الحزب الاشتراكي كريستوف كمباديريس، الذي اعتبر "أن أداء ساركوزي لم يكن جيداً خلال الأحداث أزعج الرئيس السابق".
ويثير السجال بين فالس وساركوزي تساؤلات عدّة، أولها ما الذي أزعج ساركوزي تحديداً؟ عبارة التمييز العنصري، أم تطرّق فالس إلى موضوع التهميش ومقاربة موضوع الضواحي، وهي القضيّة التي تولاها عن قرب منذ كان وزيراً للداخلية؟ وهل اعتبر ساركوزي أنّه المعني الأول بفشل سياسة الضواحي وبالتالي كان مستهدفاً بحديث فالس؟
ويعتبر العديد من المعلقين أنّ عناصر التشابه بين الرجلين عديدة، فالاثنان من أصول أجنبيّة ويجمعهما الكثير في الأداء والسياسة. ويشير ميزان السياسة والاحصائيات في فرنسا، التي تتبدّل كالفصول، إلى أنّ سباق ساركوزي ومنافسته مع هولاند وفالس قائمة على أشدها بعدما حقّق الأخيران ارتفاعاً في شعبيتهما، وفق استطلاعات الرأي.