وأصبح سعر علبة السجائر في فرنسا بعد الزيادة نحو 8 يورو (10 دولارات تقريباً)، في حين ارتفع ثمن سجائر اللّف إلى نحو 10 يورو. وتجدر الإشارة إلى أن الزيارات على أسعار السجائر بلغت نسبتها 125 في المائة منذ عام 2000.
وتقدّر الحكومة أن الزيادة التي تقبَّلَها الرأي العام الفرنسي عموماً، ستُدّر على صندوق الضمان الاجتماعي 510 ملايين يورو عام 2018، متوقعة وصول المبلغ إلى مليار و410 ملايين يورو عام 2021. علماً أن الزيادة تستمر بين 2018 و2020، وتصل إلى ثلاثة يورو للعلبة الواحدة.
وكانت وزيرة التضامن والصحة الفرنسية، أنييس بوزين، واضحة في تبريرها للزيادة بالتركيز على "صحوة ضمير المدخِّنين الفرنسيين"، معتبرة أن "ما يدفعونه يُشكّل ميزانية لا يستهان بها، يمكن أن تُصرَف في أشياء أخرى غير التدخين".
ورأت الوزيرة أن "من المهمّ أن يعرف المدخن في نهاية العام أنه صرف عدة آلاف من اليوروهات على السجائر، إضافة إلى معرفته بأن التدخين يتسبب بموت 73 ألف شخص سنوياً، ويكلف الضمان الاجتماعي نحو 20 مليار يورو سنوياً، ويترك أسراً محطمة".
كوارث ومآسي التدخين في فرنسا
تشير مختلف الدراسات والمصادر الحكومية إلى أن التدخين يسبب وفاة نصف المدخنين. ولا تخفي الحكومة طموحَها بالوصول إلى تخفيض عدد الوفيات إلى أقل من وفاة واحدة مقابل كل خمسة مدخنين، من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و75 عاماً من الآن إلى 2024.
كما تأمُل أن تنخفض نسبة الشباب المدخنين الذين تصل أعمارهم إلى 18 عاماً إلى أقل من 5 في المائة عام 2032، آملاً في تأسيس "أول جيل من دون تدخين".
التدخين يكلّف المجتمع الفرنسي غالياً
وتعترف مجلات طبية فرنسية عدة تهتم بقضايا التدخين بأن السلطات الفرنسية "تتحمل عبئاً يصل إلى 25 مليار يورو سنويا، نظير الاعتناء بمرضى التدخين، سواء تعلق الأمر بنقلهم إلى المستشفيات والمصحات أو تقديم الإسعافات أو الأدوية".
وتلفت إلى أنه من بين الأمراض الفتّاكة التي يسببها التدخين يأتي سرطان الرئة في المقام الأول. وتشير إلى أن التدخين مسؤول عن 85 في المائة من هذه السرطانات، التي تكلف الضمان الاجتماعي غالياً. ويضاف إليها الأمراض المزمنة المرتبطة بالتدخين، مثل بعض أمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، أو الأمراض التنفسية، التي تؤدي إلى انسداد تدريجي للمسالك التنفسية، وهي أمراض تؤدي، في غالب الأحيان إلى موت المدخنين في وقت مبكر.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة الفرنسية إلى وفاة واحدة من بين كل سبع وفيات سببها التدخين.
وقدرت دراسة أشرف عليها الباحث الاقتصادي والأستاذ في جامعة السوربون، بيير كُوب، وأعدت بطلب من المرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان، ونشرت عام 2015، أن ثمن ما يُصرَف على علاج أمراض التدخين يبلغ 25.9 مليار يورو (على الرغم من أن تقديرات الضمان الاجتماعي سجلت 12 مليار يورو)، وهي مُوزَّعة ما بين 8 في المائة لعلاج السرطانات و57 في المائة لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية و34 في المائة لعلاج الأمراض التنفسية.
وتتميز دراسة بيير كوب، بكونها أخذت بعين الاعتبار الكلفة الاجتماعية للتدخين، منها قيمة الحيوات البشرية الضائعة، وخسارة جودة الحياة، وخسائر الإنتاج.
وانطلق الباحث من القِيمة الاجتماعية والاقتصادية المعمول بها في فرنسا لتحديد كلفة سنة واحدة في الحياة، المقدرة بنحو 115 ألف يورو. ويشرح "نأخذ مثالاً لرجل يموت في سن الستين بسبب التدخين. فإذا كان معدّل حياة الرجال في فرنسا يصل إلى 80 عاماً، فنضرب 20 سنة من الحياة الضائعة بمبلغ 115 ألف يورو فنعرف قيمة الحياة الضائعة".
مصائب قوم عند قوم فوائد
نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار السجائر، شهد الجار البلجيكي تدفقاً من الفرنسيين لشراء كميات من منتجات التبغ. ويعترف فرنسيون كثيرون أن فارق الأسعار يمكنهم من توفير نحو 800 يورو شهريا، لأن الزيادات التي تقرها بلجيكا تتراوح بين 20 و30 سنتيماً سنويا على علبة السجائر.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا تتميز بكونها أول بلد أوروبي وثاني بلد في العالم بعد أستراليا، يطرح في الأسواق علبة سجائر محايدة، أي علبة لا تتضمن عناصر دعائية. فالعلبة بلون واحد، ومن دون علامات محدٍّدَة، على اعتبار أن الإشهارات تشجع على الاستهلاك، في حين أن الدراسات التي أنجزت حول هذا الأمر لم تظهر تأثيرا كبيراً.
يبقى أن نشير إلى مآخذ الأطباء على قرارات الحكومة، لعدم منحها اهتماماً كبيرا لأمرين، الأول هو الإدمان إذ أن وزيرة الصحة تنسى بأن المدخنين هم مرضى بالإدمان، قبل أن يكونوا مستهلِكين، والثاني أن باعة السجائر المنتفضين على قرار الزيادة ليسوا مجرد تجار، بل هم أيضا ضحايا أسواق موازية، تشكل رُبُع الاستهلاك الإجمالي للتبغ في فرنسا.