علّقت صحيفة "لوموند" على سماح القضاء الفرنسي للفكاهي ديودوني مبالا مبالا بتقديم عروضه المسرحية الساخرة في مسارح مدينتي ميتز وستراسبورغ بأنه انتصار قضائي كبير، على الرغم من أنه مُطالَبٌ بالمثول أمام القاضي يوم الرابع من شهر فبراير/شباط المقبل بتهمة تبرير الإرهاب.
ومن جهته قال جون ستوارت، مقدم برنامج "ذا دايلي شو"، في القناة الأميركية "كوميدي سونترال"، بأن إيقاف ديودوني من قبل الشرطة الفرنسية يعبر عن "نفاق السلطات الفرنسية".
وإذ اعتبر الإعلامي الساخر الأميركي أنّ تصريح ديودوني الذي قال فيه "أُحسّ بأني شارلي كوليبالي"، يستحق الاحتقار، إلا أنه أشار إلى التناقض الموجود بين اعتقاله وبين الدفاع عن مبدأ حرية التعبير من قبل السلطات الفرنسية، منذ الاعتداء على "شارلي إيبدو".
واعتبر ستيوارت أن الأمر التبس عليه فعلاً، وأضاف ساخراً: "إن إيقاف شخصٍ ما بسبب ما تفوّه به بعد مظاهرةٍ تُطالب بالحق في حرية التعبير شيء غريب، أليس كذلك؟"، معلّقاً على شعبية ديودوني الكبيرة بالقول: "أعتقد أن الفرنسيين لا يتقنون السخرية. هم يتفوقون في الرسم والجنس".
والحقيقة أن الصدمة الفرنسية كشفت وجود صنفين من الفكاهة، وهذا ما عبّر عنه مقال في "ليبراسيون" للكاتب "داليبور فِريُّو"، بعنوان: "هل نحن متساوون أمام السخرية؟".
وفي المقال الطويل قال: "إننا نتجنب الحديث عن "الذين لا سخرية عندهم"، على غرار "الذين لا أسنان لهم" (مِن حِكَم هولاند)، بل علينا الإشارة إلى أنه يُوجد، من دون شك، صنفان من السخرية، وقد شاهدنا المواجهة بينهما. الصنف الأول هو سخرية "وسط-المدينة"، أي سخرية صحيفة "لوكنار أونشنييه"، وأخرى أكثر هذيانية وهي سخرية "شارلي إيبدو"، أي سخرية المتعلمين، حتى المنحطَّة، وهي سخرية تفترض قراءة يومية لصحيفة وطنية، ومعرفة الفروق والبيوغرافيات للعالم السياسي الباريسي المُصغَّر. أما السخرية الأخرى، أي سخرية الأحياء (الشعبية)، التي يُقال إنها حسّاسة، فهي سخرية المعاناة اليومية لمجموعات من أصدقاء، سخرية العديد من الممثلين الفرديين "وان مان شو" من أصول مغاربية، على نموذج جمال دبوز.
ويستعيد الكاتب ركائز الدولة الفرنسية التي يجب التذكير بها، وهي الحرية والعلمانية، ولكنه يستدرك الأمر ويكتب: "ولكنّ هذا غير كافٍ". إذ لا يكفي أن يتوفر المجتمع على رسّامين عباقرة، بارعين في الوقاحة وحرية التعبير، ولا الدفاع عن حرية التعبير لدى أناس يمتلكون ثقافة مثل طوطم يمتلك اكتفاء ذاتياً، بل يجب أيضًا أن يتواجد في نفس هذه الأحياء التي ترعرع فيها الأخَوَان كواشي، أناس يمتلكون صلابة وتكوينا جيدا ووضعيات اجتماعية جيدة، حتى يجيبوا على نفس الأرضية ويتذوقوا من هذه الحرية، ومن هذه القابلية للفكر النقدي وللسخرية، بالمعنى غير المباشر".
ولكن هذا الشيء، يعترف الكاتب، غيرُ ممكنٍ، لأنه لا يمكن لأي إدارة أن تعلن هذا، ولأن الأمر يفترض أكثر من السحر التربوي، أي يفترض إطار حياة كريمة والثقة والثروة المتقاسمة والتواطؤ، وسياسة اندماج حقيقية، والعمل الذي لا يكون شكلا من الاستغلال. الثمن الذي يجب دفعُهُ، إجمالا، للفرنسيين، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، تلاميذ أم متقاعدين، ينضحون سخرية واسترخاء.
والخاتمة كما يراها، تتمثل في أن الوصول إلى سخرية "شارلي إيبدو"، الحرية القصوى، والوقاحة، زهرة البورجوازية الفرنسية المنحدرة من الأنوار، "يفترض مجتمعا يتمتع بصحة أخلاقية كبرى، وهو ما لا نتوفر عليه، ولا تحرص الطبقة السياسية على امتلاكه".
حتى السخرية، يريد الأسياد "البيض"، المنحدرون من المجتمعات الكولونيالية، أن يُعلّموها للمنحدرين من المستعمرات.
ما زال أمام الوصاية على "أهالي الجمهورية" زمن طويل، يجب أن تقطعَهُ قبل أن تصل إلى نتيجة ما. رسالة الرجل الأبيض "التمدينية"، متواصلة حتى في طرق الضحك والسخرية والفكاهة.