بالرغم من العمر الطويل والتعب والمرض، تصرّ رسمية على إنتاج الفريكة من قمح أراضي المناطق الشرقية في قطاع غزة. هذه الفريكة التي تبيعها في الأسواق وتنافس المتوفر فيها
منذ أكثر من أربعين عاماً، تعمل الثمانينية الفلسطينية رسمية قديح في حقول القمح، في شرق مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. هناك تقطف السنابل، وتنقلها إلى عملية التدوير، لتعدّ منها بعد ذلك الفريكة عن طريق التجفيف. وتشتهر الفريكة لدى سكان القطاع إذ تستخدم في الحساء الذي يزين موائدهم في عدة مواسم، لا سيما شهر رمضان.
نشاط قديح واستمرارها في العمل طوال تلك السنين، كثيراً ما يدفع جاراتها إلى معاونتها في مهمتها التي تتواصل ما بين إبريل/ نيسان وبدايات يونيو/ حزيران من كلّ عام، فالعمل ليس سهلاً عليها أبداً، كما تعاني من آلام في الظهر، وكلما أحنته لتقطف سنبلة عادت لتسند جسمها بصعوبة. مع ذلك، تتحمل الألم وتبرر هذا التحمل بقولها: "أنا أحب عملي وأحب الأرض، والزراعة تدلّ على هويتي منذ بداية عهدي بها".
لدى قديح خمسة أبناء ذكور وابنة وحيدة، وتعيش في أسرة مستورة الحال. زوجها ثمانيني أيضاً، توقف عن العمل منذ عشرين عاماً بسبب مرضه، ويعمل بعض أبنائها في الزراعة، وغيرهم في مهن مختلفة أخرى، لكنّها فقدت أحدهم، وهو نور قديح بعمر ثلاثة وثلاثين عاماً، بعد إصابته بطلق إسرائيلي متفجر في رقبته خلال مشاركته في مسيرات العودة، شرقي بلدة خزاعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. ولم تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذ نجلها واستشهد في 13 يناير/ كانون الثاني 2019 متأثراً بجراحه، وهو الفراق الذي أثر بالوالدة كثيراً، فتدهورت حالتها الصحية طوال أكثر من شهرين، إذ إنّها مصابة بمرض السكر وضغط الدم.
لكنّها عادت مع بداية هذا الربيع إلى نشاطها وإلى رائحة الأرض التي تملكها وتزرعها بالقمح.
اقــرأ أيضاً
تقول قديح لـ"العربي الجديد": "ارتباطنا بالأرض ليس ارتباط عمل ورزق، بل هي حياتنا، ولكم أن تتخيلوا أنّني لو عشت وسط المدينة والمباني السكنية الكبيرة والشوارع الضيقة، لم يكن عمري سيطول، خصوصاً مع مرضي الحالي. الأرض تمنحني قوة وحياة واجتهاداً بالرغم من مرضي وآلام ظهري. كنت منذ طفولتي أزرع الخضر الصغيرة مثل والدي في أرضه".
وعن عملية إنتاج الفريكة، تقول: "أمكث في العادة ساعة أو ساعة ونصف في قطف سنابل القمح، إما من أرضي أو من أراضي بلدتنا التي اعتدت على القطف منها منذ عشرات السنين، ترافقني نساء البلدة. وعند اشتداد حرارة الشمس نجلس في مكان تظلله الأشجار، حتى نحصل على قسط من الراحة، ثم نصفّ القمح حتى نبدأ في فرزه، ونشعل النار لحرقه، والحصول على حبوبه". تحرق قديح والنساء اللواتي يساعدنها القمح لبضع دقائق، ثم تنقله إلى غربال خشبي قديم ورثته عن والدها الذي كان يصنع قبلها الفريكة، فتغربل الحبوب، ثم تضغطها بيديها لتفرغها من السنابل، وتحولها إلى حبوب منفردة، ثم تنشرها على فراش نظيف وتبقيه تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع كامل. بعد ذلك، تضع الحبوب في الطاحونة الحجرية، أو الرحى، فتصبح الفريكة جاهزة للاستخدام.
تكسب قديح رزقها في بيع الفريكة لسكان شرق مدينة خانيونس وبعض مناطق قطاع غزة، داخل عدد من المحال التجارية. وتستخدم الفريكة كحشوة للدجاج وغيره من الدواجن، إلى جانب الأرزّ في أكلات عدة. ولفريكة رسمية زبائن يفضلونها كونها بلدية المصدر، وهي أفضل مما هو متوفر في الأسواق، إذ لا تستخدم فيها الأصباغ الصناعية التي تعطي الفريكة اللون الأخضر. وبالإضافة إلى البيع، تتولى توزيعها على جاراتها وأقاربها كعادتها في كلّ عام.
اقــرأ أيضاً
وتقول قديح: "يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد الذي أنتجه قرابة 30 شيكلاً (8.5 دولارات أميركية) لكنّ صنع الكيلو الواحد يتطلب أكثر من ساعة عمل. وصحيح أنّ سعره أعلى من المتوفر في الأسواق، لكنّ فيه نكهة طبيعية.... ونكهة أرض الفلاحين، طعمها مختلف تماماً عن التجاري، ولا بركة إلاّ في أرضنا ومحاصيلها. وكلّ ما نزرعه يُروى بماء الأمطار، خصوصاً القمح والشعير، ومحاصيلنا خالية من أيّ أدوية، على العكس من المنتجات المتوفرة في الأسواق والمليئة ببقايا الأسمدة والمبيدات".
لا تكتفي قديح بالعمل فقط في أرضها التي تزرعها وتحصدها وتنتج منها الفريكة، بل تعمل في بعض الأيام في حقول يملكها جيرانها أو أقاربها، عن طريق الاتفاق معهم وتقاسم الأرباح بعد ذلك. وتعتبر النساء اللواتي يرافقنها أنّ في ذلك فرصة لتعلم أصول الزراعة منها إلى جانب سماع الأمثال الشعبية والحكايات القديمة التي ترسخ حياة الفلاحين في المناطق الشرقية من قطاع غزة، في ذاكرة الأجيال.
نشاط قديح واستمرارها في العمل طوال تلك السنين، كثيراً ما يدفع جاراتها إلى معاونتها في مهمتها التي تتواصل ما بين إبريل/ نيسان وبدايات يونيو/ حزيران من كلّ عام، فالعمل ليس سهلاً عليها أبداً، كما تعاني من آلام في الظهر، وكلما أحنته لتقطف سنبلة عادت لتسند جسمها بصعوبة. مع ذلك، تتحمل الألم وتبرر هذا التحمل بقولها: "أنا أحب عملي وأحب الأرض، والزراعة تدلّ على هويتي منذ بداية عهدي بها".
لدى قديح خمسة أبناء ذكور وابنة وحيدة، وتعيش في أسرة مستورة الحال. زوجها ثمانيني أيضاً، توقف عن العمل منذ عشرين عاماً بسبب مرضه، ويعمل بعض أبنائها في الزراعة، وغيرهم في مهن مختلفة أخرى، لكنّها فقدت أحدهم، وهو نور قديح بعمر ثلاثة وثلاثين عاماً، بعد إصابته بطلق إسرائيلي متفجر في رقبته خلال مشاركته في مسيرات العودة، شرقي بلدة خزاعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. ولم تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذ نجلها واستشهد في 13 يناير/ كانون الثاني 2019 متأثراً بجراحه، وهو الفراق الذي أثر بالوالدة كثيراً، فتدهورت حالتها الصحية طوال أكثر من شهرين، إذ إنّها مصابة بمرض السكر وضغط الدم.
لكنّها عادت مع بداية هذا الربيع إلى نشاطها وإلى رائحة الأرض التي تملكها وتزرعها بالقمح.
تقول قديح لـ"العربي الجديد": "ارتباطنا بالأرض ليس ارتباط عمل ورزق، بل هي حياتنا، ولكم أن تتخيلوا أنّني لو عشت وسط المدينة والمباني السكنية الكبيرة والشوارع الضيقة، لم يكن عمري سيطول، خصوصاً مع مرضي الحالي. الأرض تمنحني قوة وحياة واجتهاداً بالرغم من مرضي وآلام ظهري. كنت منذ طفولتي أزرع الخضر الصغيرة مثل والدي في أرضه".
وعن عملية إنتاج الفريكة، تقول: "أمكث في العادة ساعة أو ساعة ونصف في قطف سنابل القمح، إما من أرضي أو من أراضي بلدتنا التي اعتدت على القطف منها منذ عشرات السنين، ترافقني نساء البلدة. وعند اشتداد حرارة الشمس نجلس في مكان تظلله الأشجار، حتى نحصل على قسط من الراحة، ثم نصفّ القمح حتى نبدأ في فرزه، ونشعل النار لحرقه، والحصول على حبوبه". تحرق قديح والنساء اللواتي يساعدنها القمح لبضع دقائق، ثم تنقله إلى غربال خشبي قديم ورثته عن والدها الذي كان يصنع قبلها الفريكة، فتغربل الحبوب، ثم تضغطها بيديها لتفرغها من السنابل، وتحولها إلى حبوب منفردة، ثم تنشرها على فراش نظيف وتبقيه تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع كامل. بعد ذلك، تضع الحبوب في الطاحونة الحجرية، أو الرحى، فتصبح الفريكة جاهزة للاستخدام.
تكسب قديح رزقها في بيع الفريكة لسكان شرق مدينة خانيونس وبعض مناطق قطاع غزة، داخل عدد من المحال التجارية. وتستخدم الفريكة كحشوة للدجاج وغيره من الدواجن، إلى جانب الأرزّ في أكلات عدة. ولفريكة رسمية زبائن يفضلونها كونها بلدية المصدر، وهي أفضل مما هو متوفر في الأسواق، إذ لا تستخدم فيها الأصباغ الصناعية التي تعطي الفريكة اللون الأخضر. وبالإضافة إلى البيع، تتولى توزيعها على جاراتها وأقاربها كعادتها في كلّ عام.
وتقول قديح: "يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد الذي أنتجه قرابة 30 شيكلاً (8.5 دولارات أميركية) لكنّ صنع الكيلو الواحد يتطلب أكثر من ساعة عمل. وصحيح أنّ سعره أعلى من المتوفر في الأسواق، لكنّ فيه نكهة طبيعية.... ونكهة أرض الفلاحين، طعمها مختلف تماماً عن التجاري، ولا بركة إلاّ في أرضنا ومحاصيلها. وكلّ ما نزرعه يُروى بماء الأمطار، خصوصاً القمح والشعير، ومحاصيلنا خالية من أيّ أدوية، على العكس من المنتجات المتوفرة في الأسواق والمليئة ببقايا الأسمدة والمبيدات".
لا تكتفي قديح بالعمل فقط في أرضها التي تزرعها وتحصدها وتنتج منها الفريكة، بل تعمل في بعض الأيام في حقول يملكها جيرانها أو أقاربها، عن طريق الاتفاق معهم وتقاسم الأرباح بعد ذلك. وتعتبر النساء اللواتي يرافقنها أنّ في ذلك فرصة لتعلم أصول الزراعة منها إلى جانب سماع الأمثال الشعبية والحكايات القديمة التي ترسخ حياة الفلاحين في المناطق الشرقية من قطاع غزة، في ذاكرة الأجيال.