في الجزء الثالث من سلسلة تحقيق "فساد كرة أميركا" يتابع "العربي الجديد" كشف الحقائق المثيرة للجدل، وفي الحلقة الثامنة قام الـ "NFL" بتضليل كل المعلومات الطبية وإنكار الضرر الدماغي بشكل كامل وكأن شيئاً لم يكن.
الحلقة الثامنة: التضليل الطبي وإنكار الضرر
في عام 1994، خرج بول تاجليبيو رئيس الـ "NFL" آنذاك عن صمته وقرر الدخول على خط مشكلة "الارتجاج الدماغي"، لأن الصحافة آنذاك بدأت تتحدث وتنشر تقارير صحافية عن الأضرار الدماغية التي تُصيب اللاعبين بسبب تكرر ضربات الرأس، ليقرر تاجليبيو إنشاء لجنة طبية للتحقيق في الموضوع وإصدار تقرير مُفصل لشرح إن كان هناك أي ضرر نتيجة تكرر ضربات الرأس.
لكن المثير أن الـ "NFL" اختار لجنة طبية باسم (Mild Traumatic Brain Injury (M.T.BI أي "الإصابات الدماغية الخفيفة". وكانت هذه اللجنة مثيرة للجدل، إذ وضع على رأس اللجنة الطبيب إيليوت بالمير، المختص في طب "الروماتيزم" والمشاكل الجسدية التي تضرب الجهاز العضلي الهيكلي. لكن أين دوره في الأبحاث الدماغية؟ هل هو على دراية بأمراض الدماغ أو كل ما يتعلق بالجهاز العصبي للدماغ ومشاكله؟ بالطبع لا، الأمر الذي أثار جنون الصحافة آنذاك وسجلت اعتراضاً واضحاً على اختيار طبيب لا علاقة له بالمشكلة بغية معالجتها وإصدار تقرير طبي مصيري.
ومنذ بداية المشكلة كان تاجليبيو ينفي نفياً قاطعاً أن ضربات الرأس المتكررة تُسبب أمراضاً دماغية أو لها أثار جانبية في المستقبل، حتى أنه أكد أن هذا كله حملة صحافية ضد الـ "NFL"، وهناك معلومات مغلوطة يكتبها صحافيون رياضيون في أميركا. بدأ بالمير التحقيق الذي استمر لسنوات طويلة، ومنذ اليوم الأول كان من الأشخاص الذي يؤمنون أن لا علاقة بين ضربات الرأس والأمراض الدماغية، والمشكلة أنه لا يملك خبرة في الأمراض العصبية ولم يقم بأي أبحاث عن الأمراض الدماغية، في وقت أن لجنة الطبيب بالمان كان مؤلفة من أعضاء مقربة من الـ "NFL" وستخدم مصالح الاتحاد أولاً.
وبدأت اللجنة دراساتها وأبحاثها حول الضربات الدماغية وكأن التقرير مُصمم لإعطاء نتيجة واحدة وهي نكران وجود مشكلة دماغية في الـ "NFL" وأن الدوري واللاعبين بخير، وذلك بحسب صحافيين متمرسين في "أسبين" و"فرونتلاين" و"ذا نيويورك تايمز". وبعد سنوات طويلة من الدراسات غير المقنعة وغير المتعمقة، أصدرت هذه اللجنة تقريرها الطبي في عام 2003 وبدأت نشر التحقيقات في مجلة "نوروسورجوري".
والنتيجة كانت كارثية وغير منطقية، وعارضها بشدة الطبيب روبيرت ستيرن المختص في الأمراض الدماغية في جامعة بوسطن، الذي اعتبر أن الدراسات سخيفة للغاية وهي لتوجيه رسالة واحدة للناس واللاعبين، أنه لا يوجد أي علاقة بين ضربات الرأس والأمراض الدماغية.
وأبرز ما جاء في هذا التقرير الطبي هو نكران وجود المشكلة في الأساس، وأن أي لاعب يتعرض لارتجاج دماغي في المباراة يمكنه المتابعة بعد دقائق بدون أي مشاكل، والأهم أنه لا يوجد أي دليل واضح أن اللاعب الذي يتعرض لضربة على الرأس سيتعرض لأمراض دماغية في المستقبل. هذه النتائج أثارت دهشة الطبيب روبيرت كانوت أخصائي الأمراض العصبية، مؤكداً أن هذه الدراسات أجريت بطريقة غير محترفة ولا تقنع أي طبيب محترف في الأبحاث والدراسات العصبية أو الدماغية.
والأمر المثير أن الطبيب كانتو نقل تحذيره إلى المجلة التي نشرت التقرير الطبي، مشيراً إلى أن المعلومات مغلوطة، ولا يمكن اعتمادها كتقرير طبي يُفسر المشكلة الكبيرة التي تكمن وراء ضربات الرأس، وطلب الحديث مع رئيس تحرير المجلة مايكل أبوزو الذي كان بدوره مستشاراً لفريق نيويورك غيتس، وبعد الشرح الطبي الذي قدمه كانتو لأبوزو، لم يقتنع الأخير وقرر متابعة نشر التقرير بشكل كامل من دون مراعاة رأي الجمهور أو الرأي الطبي المختص في هذه القضية الشائكة.
حتى جاء طبيب شارك في إعداد التقرير واعترف بوجود أخطاء قاتلة في التقرير الطبي، وهو مارك لوفيل الذي شارك في الأبحاث والدراسات، والأخير اعتقد أنه كان من المفترض دراسة عينات من اللاعبين لتحديد المشكلة بشكل أفضل بدلاً من سرد وقائع وأبحاث علمية غير مُجربة على الأرض.
حتى أنه وبعد نشر سلسلة من 16 حلقة من التقرير الطبي، لم يظهر أي أحد من
الـ "NFL" لمناقشة القضية مع الرأي العام، الأمر الذي يعني أن الـ "NFL" قرر لعب دور الذئب الذي هاجم كل من حاول المساس بأمنه، وفي نفس الوقت الأسد الذي يخاف منه الجميع وهو العادل المُتفهم لأنه قام بتحقيق طبي لإثبات أن الدوري لا يعاني من مشكلة نهائياً.
اقرأ أيضاً: فساد كرة أميركا (7)...الذئب الذي لعب دور الأسد