أرغمت الحرب في ليبيا منذ عام 2011 آلاف المواطنين على الهجرة إلى بلدان مجاورة والعيش في ظروف صعبة. وبمرور الوقت، بدأت الجاليات الليبية في تلك البلدان تتلمس آثاراً سلبية للعيش القسري في الخارج، من أبرزها الزواج
الليبي حسام بالامين، الذي عاد من مالطة حيث كان يقيم وزوجته المالطية، يصف تجربة زواجه في الجزيرة المتوسطية الصغيرة، بأنّها "كارثية". يقول: "اضطررت للزواج من مالطية حتى أتمتع بحقوق قانونية توفرها تلك الدولة، ومن بينها حق العمل، لكنّ السيئ في هذه التجربة أنّ طفلتين نتجتا عن زواجي". يضيف: "اختلاف الثقافة وأنماط وتقاليد التربية الأسرية بيني وبين زوجتي أنهت زواجنا العام الماضي، وكنت موافقاً على الطلاق على مضض". يشير إلى أنّ زوجته السابقة رفضت تعليم ابنته الكبرى التي تبلغ ست سنوات لغة الليبيين، ورفضت تربيتها على نمط حياتهم: "سيكون سلوك ابنتيّ كارثياً بالنسبة لتقاليد مجتمعنا، ولذلك تخليت عنهما وعدت الآن إلى ليبيا، بعد تحسن ظروفي، لكن في كلّ لحظة أفكر فيهما وأشتاق لهما".
في مصر، يعيش نحو 100 ألف مواطن ليبي، من بينهم أسر بكاملها هاجرت بسبب موقفها المعارض لثورة فبراير/ شباط 2011. يقول ضو البدري، إنّ "ظروف العيش المبكرة للمهاجرين دفعت كثيراً من الأسر إلى المحافظة على التواصل بينها للحفاظ على وحدتها، حتى لا يذوب أبناؤهم في مجتمع جديد". ويؤكد البدري أنّ "أسراً عديدة اتجهت للمصاهرة كأحد جسور التواصل، لكنّ تلك الزيجات أنتجت أوضاعا كارثية" موضحاً أنّ "نسب الطلاق ارتفعت بشكل كبير، فتجد أغلب الشبان قد هربوا من المسؤولية وتركوا زوجاتهم لدى أهاليهن". وعن الأسباب، يقول: "بعضهم بات مقاتلاً في حروب حفتر التي انضم إليها أغلب أنصار النظام السابق، ومنها ما يتعلق بالمعيشة وصعوبتها، وهكذا فإنّ فتح بيت في المهجر شبه مستحيل". يضيف أنّ "من بين تلك الزيجات طلب الحماية، فبعض الشبان كانوا وحدهم من دون أهلهم فتزوجوا بفتيات لأسر ميسورة الحال، وحالما تحسنت ظروفهم تركوهن وهربوا".
تعدّد أمينة، المقيمة في منوبة بتونس، بعض مشاكل زواج المهاجرين: "بعض الزوجات أوضاعهن معلقة، فهناك من يترك زوجته، ولا يحدد مصيرها بالبقاء في عهدته أو تطليقها، علماً أنّ أخباره غائبة منذ أكثر من سنتين". تضرب مثالاً بحالتها، موضحة أنّ شاباً ليبياً تزوج بها عندما كانت تدرس في جامعة "منوبة". وعندما أنهت دراستها فوجئت بإرساله ورقة طلاقها مع المحكمة: "كان يعاني من البطالة، وضيق الحال، وأدركت حالما طلقني أنّه اقترن بي فقط للاستفادة من منحتي الدراسية". تحمد الله أنّها لم تنجب منه طفلاً.
لكنّ صالح الجهيمي، وهو مواطن يتحدر من سبها في جنوب البلاد، ويقيم حالياً في طرابلس بعد عودته من المهجر في الأردن، يثير مشكلة أخرى تتعلق بالجانب القانوني. يقول: "أوضاع أكثر الأسر الجديدة لم تجرِ تسويتها قانونياً عبر سفارات ليبيا، والحالات كثيرة في الأردن وتونس ومصر، لا سيما أنّ أغلبها أنتج أطفالاً بعضهم عمره ست سنوات، ويتوجب أن يدخلوا إلى المدرسة لكن لا أوراق ثبوتية لديهم". يشير إلى أنّ أسراً عديدة لجأت إلى توثيق المواليد من خلال تسجليهم في مناطقهم بليبيا عبر وقائع ولادة غير صحيحة، ثم نقل أوراقهم إلى بلد النزوح خارج ليبيا.
تنقل أمينة عن زميلة لها تعدّ رسالة ماجستير في هذه القضية بجامعة قرطاج التونسية، أنّها لاحظت أثناء عملها على استبيانات دراستها أنّ زواج الليبيات بالذات من أجانب كان الأسوأ: "إحداهن تقول إنّ أهلها زوجوها من لاجئ سوري، فالتعاطف مع السوريين كان كبيراً في أوائل سنوات الثورة. لكنّ ذلك اللاجئ اختفى فجأة عام 2014 بعد عامين من الزواج ولم يعد هناك أيّ خبر عنه. وبالإضافة إلى زواجها غير الموثق قانونياً، فإنّ طفلها الذي ولد من زوجها السوري لا أوراق ثبوتية له، كما أنّ الأسرة لم تعد تعرف كيف تصنف ابنتها؛ أمطلقة أم متزوجة".
بدوره، يؤكد الجهيمي أنّ سفارة ليبيا في الأردن استضافت منذ عام 2014 موظفاً رفيع المستوى، عينته الحكومة الليبية، ملحقاً اجتماعياً، للنظر في المشاكل الخاصة بالمهاجرين الليبيين. يتابع: "لكنّ الملاحق الاجتماعيين لم يتمكنوا حتى من تجديد جوازات السفر وتسوية الأوضاع القانونية لكثيرين ممن يرغبون في العودة إلى البلاد".
تشير أمينة إلى أنّ حالات الطلاق ترتفع كثيراً بين المتزوجين في المهجر، مؤكدة أنّ "ظروف وأسباب الزواج تؤكد أنّ هذه الزيجات جاءت للمصلحة ما جعلها مؤقتة وتنتهي بتحقيق المصلحة أو العجز عن ذلك، كالحصول على الإقامة أو العمل أو المال". وتدعو الأسر الليبية إلى المسارعة بمعالجة ظروف الزيجات الحالية، مشيرة إلى أنّ بعض الأسر لم تتقبل حتى الآن زواج فتاة دون موافقتهم، من عربي الجنسية أو أجنبي صديق لها. وتلفت إلى أنّ "نمط العيش والظروف الجديدة لتلك الأسر يفترض أن تجعلهم منفتحين على هذا النوع من الزيجات التي أصبحت واقعاً وإلاّ باتت الأسرة نفسها من أسباب فشل زواج الابن أو البنت".