فشل القيادة الفلسطينية
التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية بعد مقتل المستوطنين الثلاثة، وما تبع هذه العملية من أعمال عنف وانتقام من المستوطنين، وأعمال التعسف والاعتقال التي يقوم بها جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وأعمال القصف الهمجي على قطاع غزة، دفعت بالشبان الفلسطينيين إلى التعبير عن الغضب الكامن في نفوسهم ضد أعمال التعسف التي يمارسها الاحتلال، وازداد هذا الغضب بعد مقتل الفتى محمد أبو خضير على يد قطعان المستوطنين، وهبت القدس ومدن الضفة الأخرى منتفضةً، ورافضة السكوت على الجرائم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
لا شك أن هذه الأحداث وضعت السلطة الفلسطينية في حالة ارتباك، وعدم معرفة بالكيفية التي ستتصرف من خلالها، خصوصاً أن هذه القيادة تعارض المقاومة، أو أي انتفاضة، كما صرح محمود عباس في عدة مناسبات، وتشعر هذه القيادة بانزعاج من انفلات الأمور من بين يديها، وتطور الأمور إلى انتفاضة شعبية، لا يمكن للقيادة أن تكبح جماحها.
أظهرت الأحداث أن الشعب الفلسطيني في وادٍ، والسلطة في وادٍ آخر، ويظهر الشرخ الواسع بين شعبٍ أراد نيل حريته بالمقاومة، وقيادة فاوضت الاحتلال 20 عاماً ولم تحقق طموحات هذا الشعب، كما أن هذه القيادة مستعدة للتفاوض إلى ما لا نهاية، مع معرفتها المسبقة أن دولة الاحتلال لن تقدم الحقوق الفلسطينية على طبق من ذهب، وأن الطريقة الوحيدة هي انتزاع الحقوق بالقوة، إلى جانب التحرك سياسياَ على الصعيد الدولي.
أصبح الشعب الفلسطيني متقدماً على قيادته، وهو الآن يعبر عن موقفه بالانتفاض ومقاومة المحتل، وعدم مهادنته لانتزاع الحقوق، بينما السلطة التي أعلنت أنها أصبحت دولة، غير كاملة العضوية. لكن، لها رئيس، لا تستطيع، بل تخاف الانضمام إلى المنظمات الدولية خوفاً على وجودها، وتسمح للمحتل الإفلات من العقاب على جرائمه التي يمارسها على الأرض الفلسطينية.
الأنكى أن هذه السلطة تقوم بالتنسيق الأمني، المقدس بالنسبة لمحمود عباس، بينما هذا التنسيق مقدس فقط بالنسبة لدولة الاحتلال، لأنها مستفيدة منه، ولأنه يحميها من أعمال المقاومة. لكن، من جهة أخرى، هذا التنسيق عار على جبين السلطة التي تقدم خدمات للمحتل، من أجل استمرارها واستمرار الامتيازات وممارسة السلطة على الشعب الفلسطيني، وقمعه بأقسى الأدوات، من دون القدرة على حمايته من جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين.
في ظل ما يجري من تطورات على الأرض الفلسطينية، يكاد موقف القيادة الفلسطينية لا يسمع، وإن سُمع، لا يرقى إلى مستوى التطورات الجارية، وتعبر هذه المواقف عن الضعف والارتباك، ويتضح، هنا، أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الميدان والكلمة إن أراد، فهذه القيادة تضع رأسها في الرمال، آملة انتهاء هذه الأحداث بأسرع ما يمكن، وعودة الهدوء، وعدم تفجير أي انتفاضة، لأنها تخاف على مستقبل سلطتها، وعدم دفع الرواتب لجندها، وفقدان المناصب.
السكوت عن أعمال الاحتلال تواطؤ معه، وتشجيع له على الاستمرار في التنكيل والتعسف بحق الشعب الفلسطيني. آن الأوان للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وعدم المتاجرة به من قبل سلطةٍ، وجدت من أجل خدمة المحتل، وقمع من يخالفها الرأي، وتعمل ضد أي مقاومة مسلحة تريد مقارعة المحتل، آن الأوان للإعلان عن فشل هذه القيادة في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني. وإذا كانت هذه السلطة لا تريد مقاومة المحتل فلتتنحَّ جانباً، وتسمح للمقاومة أن تتقدم، لأن المفاوضات باءت بالفشل، وأي مفاوضات قادمة هي لكسب الوقت من قبل المحتل، ولإعانته في سرقة مزيدٍ من الأراضي وتهجير مزيد من الفلسطينيين، وذلك يتم لأنه لا يوجد في يد الطرف الفلسطيني أي ورقة قوية، لأن السلطة الفلسطينية ترفع شعارات لا انتفاضة، لا مقاومة، لا انضمام إلى المنظمات الدولية، فماذا تريد القيادة الفلسطينية، وكيف ستستعيد الحقوق الفلسطينية؟