نفذت قوات عسكرية تابعة للواء 35 مدرع في محافظة تعز، السبت الماضي، حملة ملاحقة لاعتقال قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام، من جناح الرئيس الراحل علي عبدالله صالح. وتمكنت فعلاً من اعتقال ست شخصيات قيادية من بين 16 شخصية مطلوبة للتحقيق من قيادات حزب المؤتمر الموالي لصالح. وجاءت هذه الحملة على خلفية التحركات الأخيرة لقيادات في منظومة صالح في مديرية الشمايتين، جنوب تعز، وإقامتها فعالية تأبين لصالح ورفيقه أمين عام حزب المؤتمر، عارف الزوكا، في السادس من يناير/ كانون الثاني الحالي.
واعتبر اللواء 35 مدرع، في بيان، أن "تنفيذ هذه الفعالية في مناطق الشرعية في تعز خطوة بالغة الخطورة، في وقت لا تزال تعز تقدم التضحيات في سبيل استعادة الدولة". وأشارت قيادة اللواء إلى أن حملتها كانت استجابة لمطالب الشارع الرافض لمحاولات عودة منظومة صالح إلى السلطة مجدداً. ورأى محللون أن الإمارات تريد توحيد جناحي حزب المؤتمر الشعبي في محافظة تعز، بهدف ترتيب منظومة صالح وإعادة وضعها في واجهة المشهد اليمني، في ظل ظروف سياسية بالغة التعقيد. لكن هذه المساعي، بحسب المحللين، قد فشلت. وتشهد محافظة تعز، منبع شرارة ثورة 11 فبراير/ شباط 2012، محاولات من قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام للعودة إلى واجهة المشهد السياسي، بعد أكثر من 40 يوماً على مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح. وكانت قيادات في حزب المؤتمر، بجناحيه المؤيد للشرعية والموالي لصالح، قامت بعملية استقطاب دخل الحزب، إذ تحاول قيادات بارزة في حزب المؤتمر، بنسخته الموالية للشرعية، البحث عن فرص لإنهاء حالة التشظي داخله، من خلال تحركات تنظيمية في العديد من مديريات محافظة تعز. لكن يبدو أن شبح الانقسام بين قيادات الأجنحة داخل المؤتمر لن ينتهي في المدى القريب كون الانقسام يتمحور حول إرث المناصب القيادية بعد مقتل صالح.
وخلال الأسبوع الماضي ظهرت حالة من الصراع داخل حزب المؤتمر، بين الجناح الذي يقوده وكيل المحافظة ورئيس المؤتمر الشعبي العام الموالي للحكومة الشرعية، عارف جامل، الذي يحاول انتهاز فرصة مقتل صالح لإقناع أنصاره، الذين تحالفوا مع جماعة الحوثي في انقلابها على الدولة وحربها على تعز، بالانخراط خلف قيادة جناح "المؤتمر" المساند للحكومة الشرعية، بينما يريد الجناح الموالي لصالح، ويقوده نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي في المحافظة، الشيخ سلطان محمد علي الأصبحي، تفعيل دور "المؤتمر" الموالي لصالح وفق مسار الحزب في صنعاء، وبعيداً عن قيادة وكيل المحافظة، عارف جامل.
وقالت مصادر في حزب المؤتمر إن جامل قام أخيراً بزيارات تنظيمية إلى عدد من مديريات المحافظة، والتقى بعض قيادات "المؤتمر" بهدف إعادة تفعيل العمل التنظيمي للحزب بعد حالة الركود والتشظي التي أصيب بها. كما أنه التقى، ومعه عدد من القيادات في حزب المؤتمر عادوا من صنعاء بعد مقتل صالح، برئيس الوزراء في الحكومة اليمنية والأمين العام للمؤتمر الشعبي العام - جناح الشرعية، أحمد عبيد بن دغر، للتشاور على آليات تفعيل النشاط التنظيمي للحزب في المرحلة المقبلة، وتجاوز التداعيات التي خلفها مقتل صالح على يد حلفائه الحوثيين. وتم تكليف جامل بمهمة إعادة بناء حزب المؤتمر، واستقطاب جناح صالح وتوحيد الحزب، بدعم من قيادة التحالف ودولة الإمارات، لكن الجناح الموالي لصالح يتمسك بالشرعية التنظيمية داخل الحزب، ويرى أن أي تحركات خارج الأطر الحزبية فاقدة للشرعية التنظيمية. وعقد عارف جامل، الذي يقود جناح "المؤتمر" المساند للشرعية في محافظة تعز، اجتماعات في مديرية الشمايتين، جنوب تعز. لكن بحسب مصادر خاصة بـ"العربي الجديد"، لم تتفاعل قيادة الحزب مع جامل، باستثناء عدد محدود، بينهم القيادي عبد الوارث القرشي، الذي كان مناصراً ناشطاً للحوثيين، والشيخ العزي النعمان، والعقيد أمين الأكحلي، وهو قائد قطاع مناطق الحجرية، جنوبي تعز، في اللواء 35 مدرع.
وفي خطوة موازية، نظم الجناح المؤيد لصالح في الحزب، الذي يتزعمه نائب رئيس فرع "المؤتمر" في تعز، الشيخ سلطان محمد علي الأصبحي، ومعه القيادي الشيخ قائد أحمد سيف الشرجبي، المقرب من الأمين العام الجديد في صنعاء صادق أمين أبو راس، فعالية تأبين لصالح ورفيقه عارف الزوكا، والتي أثارت حالة من الاستهجان في أوساط أبناء المحافظة. واعتبر محللون أن هذه الخطوة الاستفزازية كانت مقصودة من قيادة "المؤتمر" المرتبطة بصنعاء بهدف عرقلة الجهود التي يقودها جامل بدعم من الحكومة الشرعية والإمارات، كون هذه القيادة تنتظر تواصلاً مباشراً من قيادة التحالف والحكومة الشرعية. وبحسب مصادر في "المؤتمر"، فإن اجتماع قيادات الحزب، من جناح صالح، تفاعلت معه قيادات وكوادر المؤتمر الشعبي العام، إذ حضر الأمين العام للمجلس المحلي في مديرية الشمايتين والقيادي في الحزب، سعيد الراعي، وعضو اللجنة الدائمة، مفيد يحيى الدبعي، ومسؤول قطاع الشباب، أسامة عبده سيف، ومسؤول المنظمات الجماهيرية، معمر الأشعري، بالإضافة إلى عدد من القيادات التنظيمية في فروع الدوائر والمراكز في مديرية الشمايتين، جنوبي محافظة تعز. وأقرّ المجتمعون بتمسكهم بالشرعية التنظيمية وفقاً للوائح الداخلية للحزب، واعتبروا أن أي عمل تنظيمي خارج الأهداف التي حددها رئيس المؤتمر الشعبي الراحل، علي عبد الله صالح، في خطابه قبل مقتله، يعد باطلاً. كما قرّر الاجتماع عقد لقاء تنظيمي موسع لكل قيادات وقواعد الحزب في دوائر ومراكز مديرية الشمايتين، ومناقشة الترتيب لتدشين الانتفاضة المؤتمرية ضد مليشيات الحوثي في تعز، وفقاً للمجتمعين.
وقال مصدر في السلطة المحلية في تعز، لـ"العربي الجديد"، إن تواصلات مكثفة أجريت بين قيادات "المؤتمر"، جناح صالح، وأحزاب التحالف السياسي المساند للشرعية في مديرية الشمايتين، بغرض عقد اجتماع للقيادات في حزب المؤتمر واعلان موقف مساند للشرعية من أجل الحفاظ على الهياكل والقواعد التنظيمية للحزب والتعامل معه في إطار المكونات المساندة للحكومة الشرعية. وتم الاتفاق، بحسب المصدر، على أنه لا يمكن التعامل معهم بغير هذا الموقف، مؤكداً أن السلطة الشرعية وقيادات الأحزاب السياسية فوجئت بأن بعض قيادات حزب صالح تخلفت عن الاتفاق ونفذت فعالية تأبين مستفزة، ولم تقم بإعلان موقف رسمي يؤكد مساندتها للشرعية وانفصالها عن صنعاء.
ويتركز نشاط "المؤتمر" في مديرية الشمايتين، بحسب مراقبين، كونها تشكل معقل القيادات في الحزب الموالي لصالح، وهي تتكون من ثلاث دوائر انتخابية، جميعها تابعة لجناح صالح. وتعد منطقة الحجرية، ومركزها الشمايتين، من أكثر المناطق في تعز التي ظلت على علاقة بالانقلابيين من خلال خلايا حزب المؤتمر المتواجدة في المنطقة منذ بداية الحرب التي تشهدها تعز منذ ثلاث سنوات، والتي عملت سراً لصالح الانقلابيين، وبدأت تمارس نشاطها في العلن بعد مقتل صالح. كما أن ممثلي محافظة تعز في المجلس السياسي والحكومة التابعة للانقلابيين ينتمون إلى منطقة الحجرية، جنوب تعز، وهم عضوا المجلس السياسي الشيخ جابر عبد الله والشيخ سلطان السامعي، بالإضافة إلى الوزيرين هشام شرف وطلال عقلان. كما أن الجيش الوطني فكك، خلال فترة الحرب، عدداً من الخلايا النائمة من قيادات "المؤتمر" كانت تخطط لزعزعة الأمن وتفجير الوضع في المنطقة وتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات عسكرية وسياسية. وقال محللون إن الإمارات عملت على عرقلة تحرير تعز منذ سنوات للوصول إلى توحيد حزب المؤتمر ومساعدته على تجاوز عقدة الانقسام، باعتبار أن هذا الحزب هو من يقود الثورة المضادة لثورة فبراير اليمنية، وللإمارات والسعودية موقف مضاد لثورات الربيع العربي بالمجمل، لكن الإمارات اختارت المحافظة الخطأ... "مدينة الثورة" تعز.